خبر : الفلسطيني الخائف! محمد ياغي

الجمعة 10 يونيو 2016 10:46 ص / بتوقيت القدس +2GMT




لفت إنتباهى قول إحدى الصديقات على صفحتها الخاصة بعد الجريمة التي وقعت في الأردن والتي راح ضحيتها خمسة من قوات الأمن التي تحرس مبنى مخابرات عين الباشا :أننا ندعوا الله دائماً بعد كل كارثة تحدث في العالم أن لا يكون للفلسطينيين علاقة بها.
مجموعة أخرى من الفلسطينيين المقيمين في الأردن كتبوا أيضاً على صفحاتهم بأن منفذ الجريمة، وهو أردني من أصول فلسطينية: ليس منا.
بعضهم أصدر بيانات بإسم عائلاتهم تحمل نفس المعنى وتؤكد على الولاء للأردن ـ ملكاً وحكومةً وشعباً، وتطالب الدولة الأردنية بإخراس الأصوات التي تدعو (للفتنة) بين الشعبين.
بعضهم أكد مراراً وتكراراً بأن مكان الحادث ليس مخيم البقعة ولكن عين الباشا وكأنه يريد النأي بالمخيم عن الجريمة.
هي نفس المشاعر التي تصيب العرب عندما تحدث أعمال إرهابية في الغرب. الفلسطيني يتمنى أن لا يكون المجرم فلسطينيا، والمصري يأمل بأن لا يكون مصريا... وهكذا بالنسبة للبقية. في إحدى تلك الأعمال الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة، نفت صحيفة أردنية أن يكون مرتكب ذلك العمل أردنيا وأشارت الى أصولة الفلسطينية بالرغم من أنه يحمل جواز سفر أردنيا.
لماذا يشعر البعض بأن المسئولية جماعية عن جرائم لا علاقة لهم فيها؟ ما علاقة الغالبية الساحقة من الفلسطينيين المشغوليين في حياتهم اليومية بسلوك جماعة لا يهمها جنسية من تقتله ولا تفرق بين الأردني أو فلسطيني أو الصيني أو الفرنسي لأن جميعهم بالنسبة لها كفرة يستحقون القتل؟.
يمكن تفهم مخاوف الفلسطينيين في المنطقة العربية ـ إقليم أصبحت فيه الطائفية والمناطقية والعائلية اللغة السائدة فيه. لكن علينا أن لا ننسى للحظة أن المسؤولية عن هذه الجرائم هي فردية وليست جماعية. فقط في دولة الإحتلال تجري ممارسة العقوبات الجماعية عندما يقوم فلسطيني بفعل مسلح ـ في اليوم التالي يجري مباشرة هدم بيت الفاعل على الرغم من أنه ليس صاحب البيت وسكان البيت لا يعلمون شيئاً نشاط إبنهم.
من وسائل التواصل الإجتماعي نعلم بأن هنالك مجموعة ربما أرادت إستغلال الجريمة لمهاجمة الفلسطينيين لأسباب سياسية. لا أعرف من هؤلاء، لكن مطالبة المناشدين للدولة وللملك بإسكات (هؤلاء) وتركيزهيم في بياناتهم بأنهم أردنيون موالون للأردن ملكاً وحكومة وشعباً أباً عن جد، يخفي شعورهم بالضيق والخوف من أن تتحول لغة البعض ضدهم الى سلوك عنفي ضدهم.
ترى هل حمل السوريون أهل تونس المسئولية عن وجود أكثر من خمسة آلاف إرهابي في بلادهم يمارسون القتل؟ وهل حملوا الأردنيين المسئولية عن تأسيس داعش التي زرع بذورها أبو مصعب الزرقاوي ؟
الأردن ـ الدولة، لا تحمل الفلسطينيين المسئولية، وإذا كان هنالك أصوات تقوم بذلك، فإن الرد عليها لا يكون بإعلان البراءة الفلسطينية من هذه الجريمة، لأنهم ليسوا طرفا فيها، ولكن بمطالبة الدولة الأردنية بالعمل على منع تحويل المخيمات الفلسطينية الى ملاذات آمنه للجماعات التكفيرية، وهو عمل يتطلب من الدولة سياسة شاملة لإخراج فقراء الأردن من حالة التهميش التي يعانون منها والتي تشكل أرضية جاذبة للجماعات التكفيرية.
ما هو مؤكد أيضاً بأن كل الدول التي غضت الطرف عن الأعمال الإرهابية التي تجري في سورية، وحتي تلك التي دعمته صراحة، أصبحت اليوم مستهدفة بهذا الإرهاب.
على الأقل هذا يجب أن يدفع هذه الدول لتغير سياساتها. المطلوب منها ليس دعم النظام السوري التي تختلف معه لأسباب لا علاقة لها بجرائم النظام ضد شعبه، ولكن عليها أن تتوقف عن دعم جماعات هي في نهاية المطاف من سيعاني منها.
سياسات الأردن تجاه الأزمة السورية إتخذت في بداياتها طابع الحياد ،كان ذلك خياراً صحيحياً. ولكن الأردن وبالتدريج ـ ولأسباب أهمها نزوح مئات الآلاف الى أراضيه، وبسبب حاجته للدعم الخليجي، وللحفاظ على علاقاته بالولايات المتحدة ـ أصبح طرفا فيه، سواء بتدريبه للجيش الحر، أو بإلتحاق المئات من الأردنيين بالجماعات التكفيرية في سورية،.
مثل كل دور الجوار، للأردن مصلحة في أن تتمخض نتائج الحرب في سورية عن حماية لمصالحة وهو بالتالي ليس مجرد لاعب محايد، ولكنه لاعب يريد ضمان نتائج تخدم مصالحه.
المشكلة تكمن في تعريف هذه المصالح: إذا كان الأمن هو مصلحته فهو بلا شك سيكون معنى بوجود دولة مركزية في سورية تسيطر على أراضيها ولا تصدر مشاكلها أو أيديولوجيتها خارجه. الخيار الوحيد المتاح هنا هو العودة للتنسيق مع النظام السوري لأنه الوحيد القادر علي فرض سلطة مركزية، أما المئات من الفصائل التي تحارب بعضها البعض فلا يمكنها القيام بهذه المهمة.
المراهنه على الجيش الحر في غير محلها لأن هذا الجيش فقد أهميته منذ دخول الجماعات التكفيرية على خط الصراع في سورية برعاية إقليميه. حتى الولايات المتحده التي إستثمرت مئات الملايين من الدولارات فيه لم تجد شريكاً لها لمحاربة داعش غير أكراد سورية!
هذا التهديد الذي يتعرض له الاردن ليس مصدره الفلسطينيين المقيمين في الأردن والذين يحملون الجنسية الأردنية. هذا خطر مصدرة جماعات أيديولوجيه عابرة لكل الهويات بإستثناء ما تؤمن هي به من أفكار.