خبر : الغرب هو المدافع الأقوى عن المؤتمر وإسرائيل ستفشل في الالتفاف على نتائجه ..حسين حجازي

السبت 04 يونيو 2016 07:49 ص / بتوقيت القدس +2GMT




انعقد المؤتمر الدولي إذن في اجتماعه التحضيري الأول يوم امس، رغم معارضة إسرائيل، بل بالرغم عنها إسرائيل. وبحضور هذا الحشد النادر من ممثلي العالم، العائلة الدولية الذين كانت فكرة واحدة تؤلف بين قلوبهم، هي الانتصار لحق فلسطين بالاستقلال وإنهاء الاحتلال، وأن ما حدث امس كان منعطفا تاريخيا، ولعله التحول الأهم منذ العام 1948، او ربما منذ مئة عام حين اتخذ القرار الدولي في مثل هذه الأوقات من العام 1916 بالتمهيد لإنشاء إسرائيل وتغييب فلسطين.
سوف تبقى الكلمات البلاغية القوة الشاعرية قوة الكلمة او روح التاريخ في تفوقها على اللحظة الراهنة، ووقائع التاريخ نفسه حين يعيد التاريخ صوغ حقائقه قرب ولادتها الأخيرة والحاسمة، ووحدها هذه الكلمات التي حان الوقت للجهر بها وقولها هي ما يضفي على الأحداث والتاريخ بعدهما المؤثر والدرامي.
إنها اللحظة التي أبانت وجه الحقيقة التي طالما تم التستر عليها واخفاؤها وراء هذه الحجب الكثيفة من التواطؤ او الصمت من لدن أصحاب القرار الدولي الفعلي في الغرب نفسه، بشأن الحجم الفعلي لإسرائيل وحقيقة إسرائيل على حد سواء، وما حدث امس لم يكن سوى انكشاف هذا الستر المضلل، حين أبانت الأحداث والوقائع عن ذاتها، وقرر اللاعبون الرئيسيون الممثلون الأقوياء رفع هذه الحجب بأنفسهم وفق إرادتهم الخالصة.
وهذه هي إسرائيل، كما بدت امس أن العالم المجتمع يقرر في باريس وقد كانت هذه لحظة اأشبه بانعقاد محاكم التاريخ، وامس كان القرار قد صدر واعلن وما بقي هو أمر التنفيذ.
هل كان هذا يوما من أيام فلسطين والانتصار لفلسطين؟ وكان هزيمة للاحتلال ومشروع هذا الاحتلال في بعده البعيد وغير المعلن والخفي؟ والجواب نعم.
وكان هذا النصر او النجاح المبهر الذي تسعى اليه كل حركة تحرر وطني تروم الاستقلال على المستوى الدبلوماسي والسياسي، هي محصلة جهود ياسر عرفات والرئيس محمود عباس على محور هذا الاشتباك السياسي المتواصل بدون يأس او كلل او فتور منذ العام 1974، على الأقل من اجل التوصل الى تدويل حل الصراع الذي لم يكن متكافئا، وفي الالتفاف على انعدام التوازن في القوى بعد صمت المدافع العربية العام 1973، على الحدود بين ما يسمى دول الطوق العربية وإسرائيل.
ولقد كان انتظارا صعبا وطويلا ومريرا وقاسيا ذلك الذي تكبده الشعب في هذا الماراثون الفلسطيني، الذي تحدث عنه عرفات مرات عديدة في حياته، ولكنه الصبر والصمود بل العناد وقوة البأس او ما يسميه الفلسطينيون الصمود، لم يكن المحك التاريخي لاختبار حقيقة الشعب وجدارته، ولكنه الصمود وقوة الإرادة الباطنية هي التي حركت بالأخير الأرض والسماوات. وأوصلتنا إلى يوم الثالث من حزيران، اليوم الذي بدأ فيه العالم عبر هذا الائتلاف الكبير من ثلاثين دولة، إخراج الاحتلال من فلسطين.
ولقد أوضحنا هنا وعلى مدى الشهور الأخيرة الماضية منذ تبلور هذه السيرورة، ما هي الدوافع او العوامل الأخيرة التي سوف يقدر لها ان تصنع الفارق. وان التفجر الذي هز العالم ولا يزال، وأصاب الشرق الأوسط بعنف وجنون مثل حمم بركان هائج ومهول، أخذ يقذف حممه في كل مكان. إنما مثّل لحظة انكشاف أمام الوعي العام عن الحقيقية التي كانت لا تزال تقبع في مكان آخر عميق. وهي ليست سوى المظلومية الفلسطينية التي طالما كانت هي ام الأسباب وراء كل هذا الانهيار والتفجر الذي شهده الشرق، ووصلت حممه النارية الى أوروبا.
هيا اذن بدوافع وإرادة وتصميم خالص من لدن الغرب التحرك الآن وليس غدا، لإطفاء وإزالة الجمرة الخبيثة التي تغذي الإرهاب والتطرف في الشرق، والجمرة الخبيثة هي الاحتلال الإسرائيلي. وهذه كانت هي اللحظة الفاصلة التي صنعت الفارق اليوم بين مؤتمر باريس ومؤتمر مدريد.
ولأنهم قرروا هم انفسهم وبمحض إرادتهم الخالصة ولأسبابهم هم، ودوافعهم هم، المنبعثة عن رؤيتهم هم لمصالحهم، فإنه لا خوف عليهم ولا يحزنون. أن تتمكن إسرائيل وعبر اذرعها الخفية التي تعمل وتنتشر عبر العالم كالأخطبوط، من حرف المؤتمر الدولي عن أهدافه وغايته تنفيذ حل الدولتين، وهي الضمانة الوحيدة للتفاؤل هذه المرة أيها الفلسطينيون، فليس نحن من يجب ان يروج للشكوك وانما إسرائيل.
ولكن السؤال هنا ماذا تبقى في يد إسرائيل؟ والجواب واضح تبقى لها ان تظهر نوعاً من الانحناءة أمام مصر والسعودية، بالمناورة حول المبادرة العربية أو ما يسمونه اليوم بالفرصة التاريخية السانحة للتوصل إلى التسوية الإقليمية، ولكن مشكلة إسرائيل هذه المرة ليست معنا في هذا اللعب أو الضحك على الذقون، وأنما مع أصحاب القرار الدولي في الغرب حليف إسرائيل السابق وراعيها. وهذا الغرب لا تنطلي عليه هذه الألاعيب.
في جزء ما في حاشية المتن ربما يكتب يوماً ما، أن ما حدث في باريس يوم الجمعة 3 حزيران، وبعيدا عن الكلمات المغلفة بالعبارات الدبلوماسية كنوع من مواصلة إبداء هذا الملق المخادع لإسرائيل من أجل إقناعها بالشرب من بئر الماء، انه تم رسم خط في العلاقة بين هذا الغرب وإسرائيل. وان هذا اللقاء والكلمات التي قيلت فيه والأفكار التي نوقشت، انما كانت بمثابة المسامير التي دقت في نعش ما كان التحالف او الدلال القديم مع هذا الولد العاق.
ولقد أوضحنا المسألة هنا من قبل، فقد أنشأت بريطانيا إسرائيل في فلسطين لأجل حماية طريقها الى مستعمراتها في الهند وقواعدها في قناة السويس، انسجاما مع تفكير ذلك العصر الذي كان يمجد المؤامرات والدسائس. وتحالفت فرنسا مع إسرائيل في خمسينات القرن الماضي نكاية بجمال عبد الناصر، الذي كان يدعم الثورة ضدها في الجزائر. وبدأت أميركا في استئجارها كبندقية للإيجار في المنطقة بعد ان ادهش انتصارها العالم في حرب حزيران 1967، على جيوش مصر وسورية والأردن معا، فقررت استخدامها في ذروة الحرب الباردة في المنطقة ضد الاتحاد السوفياتي وحلفائه العرب.
وهكذا ما تغير الآن هو ان أحدا لم يعد بحاجة الى هذا الدور بعد أن أصبح الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون يتدخلون بجيوشهم في عموم المنطقة، وما عادت إسرائيل تنتصر كالسابق في الحروب. والأنكى من ذلك ان بقاءها كقوة احتلال تحول لأن يصبح ضرراً بل خطراً استراتيجياً على مصالح هؤلاء الرعايا القدامى، وآن الأوان لإزالة هذا الضرر بعد ان لم تعد هذه العلاقة تنطوي على أي نوع من الربح او الفائدة الاستراتيجية، في الوقت الذي بدأ فيه الغرب نفسه في الجنوح نحو السلم والسياسة لإطفاء نار الشرق.