بعد أن تصفحت الكثير من المواقع العربية و العبرية ، و الأجنبية و المتأجنبة ، و تابعت الفيس بوك وتويتر وجدت أن العرب منشغلون هذه الأيام في أمرين .. رمضان و متعلقاته من اسعار الأكل و الشرب ، و مسلسلات درامية و كوميدية ، و برامج مسابقات و مقالب وجوائز . و الأمر الآخر هو السلام في الشرق الأوسط و ما يتعلق به من مبادرات ، و إنقسام و مصالحة، و تشكيل حكومة صهيونية جديدة ، و سورية و العراق و اليمن.. بإختصار ..كل فئة من العرب حالة قائمة بذاتها ، يتحدد المد و الجذر ونوع الإهتمام بشكل مختلف عن الحالات الأخرى ، فتجد من يهتم برضى أمريكا و رأيها أكثر من رضا الله و الأمة العربية ، و تجد من يهتم بسبب أمني ، و آخر بسبب إقتصادي ...وكل " متعلق من عرقوبه " .. والعُرْقُوبُ من الإنسانِ : وتَرٌ غليظٌ فوق عِقبِه .. بين الكعب و المفصل من خلف القدم .
و أنت تتابع هذا كله ، وسط هذا الزحام وهذه الأمواج المتلاطمة ، و الكلمات و العبارات الجياشة ، تشعر أنك في " مُولد " أحد الأولياء ، أو الدَراويش ، يختلط فيها الحابل بالنابل ، مراجيح الأطفال ، و طاولات النصب و الثلاث ورقات ، و قرّب قرّب قرّب وجَرّب و بائعي الخروب و التمر هندي مختلطين بحلقات الذكر و التسبيح ، بصوت الآذان و همهمات المصلين ، و بائع السّبح إلى جانب بائع الحشيش ، و العرافة ضاربة الودع ، تتحدث و تضحك مع بائعة الحجب و التمائم.. بينما إبنتها بائعة الهوى تنتظر " رزقها " على قارعة الطريق .. غير بعيد عن بائع الكتب وروايات نجيب محفوظ ودواوين محمود درويش ، على مقربة من بائع الآثار و المشغولات الفلكلورية و الراقصات في حلبات محاطين بشباب و شيب ، بجانب المُتَوَضَّأ إلى مسجد يحمل إسم بنت أو حفيدة النبي ، أو ولي من الأولياء الصالحين و بالقطع لو سأَلت الجمع الحاشد ستجد أن أحداً لا يعرفه ولا لماذا هو ولي أو كيف كان صالحاً !! مولد و صاحبه غايب ..
ولو تأملت ، مثلا ، في بعض التحليلات ، و التخرصات ، المبنية على إرهاصات و معلومات و تسريبات ، و إشاعات و بعض من منشورات على صفحات إسرائيلية و عربية و غيرها أن حكومة نتنياهو بتركيبتها الجديدة ، لن تتوانى عن شن حرب جديدة على قطاع غزة ، ستكون هي الأعنف و هي الأقوى و هي الأكثر دموية ، ولو أنك نشرت هذه المعلومة غير معلومة المصدر ، و هذه التخرصات و التحليلات غير مفهومة الشكل و المنظر .. لو أنك قمت ببثها في هذا الجمع الحاشد ، الذي إتفقنا أنه صورة مصغرة لحال أمتنا العربية ، ماذا وكيف تتوقع أن تكون ردود الأفعال ؟
أكاد أقسم ، أن ردة الفعل هي هي ، ذاتها ، ولو حتى كانت الإشاعة تتحدث عن الحرب المليون التي تشنها إسرائيل ضد فلسطين و الفلسطينيين ، نفس المنظر و نفس الإنفعل و ذات الأقوال ، من اين تحب أن تبدأ ، من حيث المراجيح و الأطفال أم من عند بائعة الحجب و التمائم و إلى جانبها قارئة الكف ضاربة الودع ؟؟
ستسمع حلقات الذكر تتمتم بذكر الله أولا بشكل منخفض ، ثم يعلو إلى أن ينفجر عويلاً و صراخاً بطلب الرحمة و الغوث من لدن مليك مقتدر .. و يدعو على جيش المحتل بالسرطان و الأوبئة و عجائب قدرة الله و قوة إنتقامه ..
و ستجد المنشد أو المبتهل يدعوا الله أن يحرر ( هو ) لهم القدس و يفك اسر الأقصى .. "ليذهبوا جميعا لإقامة مولد آخر في موعد لاحق هناك " !! و نفرح ببيع البليلة و حلقات الإنشاد و الذكر ، و لا مانع من فتح ابواب الرزق لبعض الأرزقية من صبيان و بنات ، لبيع المخدرات و الكوارع و الترمس و بعض الراقصات ، مساكين ، ، فنحن ها هنا قاعدون ، ننتظر ، حتى يقوم الله تعالى بتحرير القدس لنا ..
وخطيب المسجد يعدد مناقب الفاروق عمر ، و قوة و فروسية سيف الله المسلول خالد ، و حقارة و دناءة اليهود المناكيد الملاعين .. و بعد أن يلاحظ تثاؤب بعض المصلين ، و تململ بعض الكبار و حركة الأطفال ، يأمر المؤذن بإقامة الصلاة و يطلق سراح المصلين بعدها كل في درب و سبيل ، هذا يأخذ إبنه للمراجيح ، و ذاك إلى بائع الخروب المثلج ، و آخر إلى بائع الحشيش ، ليذنب ثم يستغفر و يتوب قبل إقامة صلاة المغرب أو ربما العشاء ،و بعد أن يكون قد حرق و أتلف تدخيناً ما إشترى " بضع قرش ببعض قروش " !! و ربما يقف بعضهم امام شاشة تلفزيون القهوة على الناصية ، عين على الشاشة يتابع أحداث الحرب على غزة ، و يشاهد اشلاء القتلى و الجرحى ، و عين أخرى على بائعة الهوى هل تذكرونها ؟ إنها إبنة بائعة الحُجُب و التمائم ، يستأجرها لساعة أو أقل أو أكثر ، بحسب الحالة و القدرة ، لينتقم منها بشكل رمزي ، و كأنها مجندة إسرائيلية ..
بإختصار ، و بما أن وضعنا العربي ، ثقافياً و دينياً ، و إقتصادياً ، و سياسياً و إجتماعياً ، اشبه بالمولد المزدحم ، مختلط المعالم و الأهداف ، بكل هذه العشوائية ، و بما أن المستفيد الوحيد من هذه الحالة هي إسرائيل ، بل إن من أحدث هذا بلا شك و نصب المولد هي إسرائيل و أمريكا .. فمن المنطق ، أن ينسب الفضل لأهله ، صاحب هذا المولد هو بلا منازع ، الحبر الأعظم الجديد .. البهلول الدرويش سيدي عبد القادر ( أفيغدور ) ليبرمان .


