كالغريق ، الذي يتعلق بقشة ...
وهنا أنا لا أبالغ في الإستعارة و التشبيه ، فالغريق هو كل طرف من أطراف معادلة الصراع ، أو النزاع ، أو أي عنوان تحبون بعيداً عن قانونية التوصيف ، فالإسرائيلي غريق جدل و صراع سلطوي داخلي مرير يحتاج إلى أي قشة تظهره أما الرأي العام المحلي بمظهر المتوحد صاحب الهدف و دولياً تبيض وجهه القبيح بعد كم الإنتقاد الشعبي لتصرفاته و عنصريته ضد الفلسطينيين ، والفلسطيني يعاني من توهة ، وفقدان بوصلة و أزمة إنقسام و تشققات و خذلان و يأس، و إنحسار في درجة الإهتمام ، بل إهمال ، بل ملل منه و من قضيته التي لا يجيد ، ولا يعرف كيف يحملها ، وحتى إن هو أجاد و أبدع ، لن يجد من يسمعها و لا يؤديدها إلا فئات و فتات من أمم ، لهم أجنداتهم و إختلافاتهم مع قوى محلية ، تريد أن تستخدم القضية كأداة مناكفة حزبية ، و عل هذا واضح في مواقف كثير من الدول الأوروبية ، التي إنتفضت و كأنها تستجيب لمطالب شعبية ، و كأنها إستفاقت من سبات عميق لتكتشف أن فلسطين عربية ، وإمتشفت أن فلسطين ترزح تحت إحتلال عنصري بغيض .. لا نبخس و لا نقزم ، و لا نقلل من إحترامهم لنا و لكننا شهدنا للأسف عدم ثبات في المواقف ، و إعتذارات بالجملة عن مواقف كانت صلبة ، إتُخذت في فترة ، ثم بعد نفاذ مهمتها و جدواها ، تراجع عنها أصحابها ، بل و قدموا الإعتذار و التعويض لإسرائيل .. و لسنا هنا في مجال المراجعة و الأرشفة ، و وضع القوائم الصريحة و المشفرة ، ولكن أي متابع للأخبار ، حري به أن يعرف و يفهم ما أقول .. و عن اسباب هذه التراجعات ، فقد أوضحت أنها كثيراً ما تكون لأسباب ذاتية ، و موضوعية ، و إنتهاء مفعول الشعار تحت وطأة الواقع ، أو ربما بسبب سوء الإلتقاط لدى العرب و المسلمين ، و عدم تشجيع تلك الأطراف ، و تعويضها عن أي خسائر قد تمنى بها نتيجة مواقفها تلك .. و قد خاب كالعادة ، و كما تعودنا منذ قرن و زيادة ، العرب في الريادة و برعوا أكثر في تكريه و تنفير العالم منهم و إستسهال الذل و قبول بيعهم في أقرب فرصة ..
أما القشة التي أتحدث عنها هنا ، فهي ما تسارعنا و تسابقنا إلى تسميتها و تعظيمها و تكبيرها إلى حد إطلاق صفة " مبادرة " عليها ، و هي جزء من كلمة كان قد ألقاها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، في ختام لقاء في صعيد مصر ، كان يتابع مشاريع و خطط تنموية في مصر الحبيبة .. و الرجل كان يتحدث بمنتهى الأدب المعروف عنه ، و بمنتهى الواقعية المشهود له بها ، و لم يقل أنه " يفجر " ، " يطلق " ، " مبادرة " الرجل في كلمات بسيطة مرتجلة، دعى الإسرائيليين شعباً و قيادة ، إلى الإلتفات إلى ثمار السلام ، و كيف نَعِموا لأكثر من أربعين سنة بهدوء ، حتى تأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك أو الريبة في نوايا مصر ، إلى الحد الذي جعلهم بكل يسر و بساطة يقبلون و بسرعة ، تغيير بندود تحديد التسليح المصري على أرض سيناء ، موقنين أن المصريين ابداً لن يحاربوا إسرائيل ، محترمين المعاهدة ، و هو ( الرئيس السيسي ) هنا يعطيهم المثل و الأنموذج ، بأن هناك فرصة ، إن أخذتم على الفلسطينيين تعهداً ، و إلتزاما عليه شهود ، و مصر أول الشهود ، بتوفير الأمن لإسرائيل ، مقابل السلم و العيش الكريم للفلسطينيين في كيان إسمه دولة ، فإنهم سيتفقون و يوافقون و يعاهدون .. بل إن جسور المنافع و المكاسب للجميع ستمتد ، ليس فقط بين مصر و إسرائيل عبر فلسطين و الأردن ، بل و ربما باقي الأمة العربية ، عبر الجسر الفلسطيني ، و التنمية في الشرق الأوسط ، بل ربما لن يجد هؤلاء المتخفين و المستعملين لإسم فلسطين و قضية فلسطين حجة بعد اليوم ، لممارسة الإرهاب و العنف و القتل بإسم القضية أو الدين ، بالتالي ستتفكك حججهم المشتعلة في سوريا ، و لبنان ، و خطرهم المحدق بالشرق الأوسط بل و يمتد عبر البحر و المحيط لأوروبا و أمريكا .. لنطفئ الفتيل من حيث بؤرة إشتعاله ، من فلسطين ..
بالطيع هذا كلام حكيم ، و الكلام الموزون و المنطقي ، يحتاج على مستمع عاقل و منطقي ، ليفهمه ... الفلسطينيون ، يفهمون ، ليس فقط بسبب منطقيتهم أو حكمتهم ، بل ربما بسبب قلة حيلتهم .. و إنعدام الخيارات أمامهم ، لكن السؤال الذي يدور ، و يحير العقول ، هل ستستجيب إسرائيل و قيادتها ، لطرح الرئيس السيسي ، الدافع بإتجاة المبادرة الفرنسية ، و إن إستجابت ، فهل فعلا بدافع البحث عن سلام و هدوء و حقوق ؟؟
كلنا يعرف أن إسرائيل ، و هنا أنا لا أفتي و لا آتي بقصص سمعتها عن جدتي و جدي ، بل هي حقائق نعيشها جميعاً و نختبرها يوميا .. فهل مثلاً سيغيب عن حكام إسرائيل ، ما خطر على بالي و أنا الصحفي البسيط ، و المتابع المتواضع ، إمكانية إستغلال إعادة سيطرة السعودية على جزيرتي صنافير و تيران ، لتأتي من حيث تقصد أو لا تقصد ، و ليصبح هبوط الطائرة الضالة في مطار تل أبيب ، ليس إضطراراياً ، بل مقصوداً ، و يكتمل فك الكماشة التي بدأت بمصر و تلتها الأردن ، و الآن ما تبقى من زاوية ، تبدوا الأصغر جغرافيا و لكنها الأغنى و الأقوى سياسيا و بترولياً ؟؟ هل يمكن لإسرائيل أن تحلم ، أو هل لها الحق في أن تحلم بشئ من التعاون في مجالات الزراعة و الصناعة و التكنولوجيا و مد أنابيب النفط و الغاز ، و تصديره و تخزينة و تكريره مثلاً ؟؟ أو حتى المشاركة في كل هذا ولو بنسب متفاوته ؟ و أهو كله بثوابه ؟؟ ولم لا .. طالما أن للفلسطينيين – سيكون - " دولة " و علم و حكومة و جواز سفر، يسافرون و يعيشون و يعملون ..لاحظوا هنا كلمة – سيكون – لأن ال "سيكون" هذه في طلعتها الأولى إستغرقت أكثر من عشرين عاماً .. خلالهم حصل كل ما حصل في حياتنا من تطورات و تراجعات و ثورات و طارت رؤوس و هدمت بيع و صوامع .. و تفتت شعوب و أعراق و ظهرت شعوب و أعراق تطالب بحكم ذاتي و أخرى بدول ذات سيادة .. فهل سيربط الإسرائيليون ، مثلا ، مثلاً ، إستقلال ما "سيكون" دولة فلسطين ، بإستقلال دولة كردستان ، و يتم ضم الجولان نهائياً بعد الإنتهاء من الصراع هناك و يطمئنوا على الحال في سورية و علاقتها بأكراد تركيا حيلفهم القريب عملياً ، و المعادي سينيمائياً ؟
أعتقد أن تسلسل الأحداث ، ينذر بسيناريو جديد ، كما نقول في أمثالنا " على ميه بيضا " ، يعني صفحة جديدة ، صفحة من التفاوض ثم التفاوض ، و التقدم بالسنتيمتر على الأرض ، و بسرعة الضوء إعلامياً .. أعتقد اننا كفلسطينيين ، و كعرب علينا أن تلتقط كلمة الرئيس السيسي ، و أولاً و قبل شئ نطالبة بتطويرها لتصبح حقاً مبادرة ، مفصلة ، و نحرص ان لا يستغلها الإسرائيليون بما يوافقهم و فقط ، بل بما عناه الرئيس السيسي بأن تكون المنفعة العجيبة للجميع ، و أن يصبح هناك دفء ينعم به الجميع ، حقيقي و مضمون و غير مؤجل ، و بالتوازي ، بدون تسويف و دون " سيكون " يعني لا يجب أن نقبل ببدء مرحلة تحويل القضية إلى فيرتشوال Virtual-.. قضية إفتراضية .. تجعلنا نرى القشة ، عصا موسى التي ستشق البحر .. و تتحول إلى أفعى يأكل كل ما يصنعة السحرة .. فيخرون جميعاً ساجدين معلنين أيمانهم بموسى و رب موسى .


