خبر : إنها إسرائيل تتجدد ... علي جرادات

الخميس 05 مايو 2016 08:56 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 

 

دأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بألوانها الحزبية المختلفة، على إعلان أنها «ستحتفظ بالقدس المُوحدة إلى الأبد»، وأنها «ستحتفظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى الأبد»، وأنها «ستحتفظ بسيطرتها على منطقة الأغوار إلى الأبد»، وأنها «ستحتفظ برفضها المطلق لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها إلى الأبد». 
أما حكومة المستوطنين، بقيادة نتنياهو، فقد أضافت لـ»خطاب إلى الأبد» هذا إعلانيْن جديديْن، يتمثل الأول في تصريحات بعض أركانها، (مع صمت مركز قرارها الليكودي)، حول نية إسرائيل ضم المنطقة «سي» التي تشكل 60% من مساحة الضفة. 
أما الثاني فيتمثل في إعلان حكومة نتنياهو بكامل قوامها، بصورة قاطعة مانعة، لا تترك مجالاً للشك أو الالتباس أو التأويل، أن إسرائيل «ستحتفظ بالجولان السوري المُحتل إلى الأبد»، وأن على العالم الاعتراف بـ»سيادة إسرائيل عليها».
وإذا ما أردنا فهماً دقيقاً لهذا التصعيد السياسي الإسرائيلي غير المسبوق، لقلنا إن الصراع الجهنمي الدائر في بعض الأقطار العربية وعليها، إن هو إلا الظرف السياسي المناسب، وليس السبب الفعلي لإعلان حكومة نتنياهو عن مواقفها السياسية الإستراتيجية من الضفة الفلسطينية وهضبة الجولان المحتلتيْن. 
فما يجري في سورية، خصوصاً، والمنطقة العربية، عموماً، (علاوة على استمرار حالة الانقسام الفلسطيني المُدمر)، لم يفعل سوى أنه أنعش تطلعات قادة إسرائيل الكامنة، وحرك نواياهم المبيتة، لتحقيق المزيد من الأهداف الصهيونية، وصولاً إلى دفْعهم نحو الإفصاح عنها، ونحو محاولة إدراجها على جدول أعمال السياسة الدولية، ونحو محاولة إقناع العالم، (عجماً وعرباً)، بها، جنباً إلى جنب مع تسريع تنفيذها على الأرض، على يد أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً وتشدداً، وتعبيراً عما طرأ على بنية إسرائيل الداخلية، في السنوات الأخيرة، من انزياحات كبيرة نحو المزيد من التطرف الماثل في تطابق سياسة حزب الليكود الصهيوني العلماني المتطرف مع سياسة الأحزاب الصهيونية الدينية الأكثر تطرفاً، بشقيها القومي و»الحريدي»، (أي المتزمت).
وكل ذلك من دون نسيان التوافق، القديم الجديد، بين حزب العمل الصهيوني العلماني «المعارض» وحزب الليكود الحاكم على توظيف الأسطورة الدينية لتحقيق كامل أهداف المشروع الصهيوني. كيف لا؟ طالما أن حزب العمل هو الحزب الذي أرسى دعائم هذا التوظيف خلال سنوات قيادته، بلا منازع، لائتلافات الحكم في إسرائيل، (1948- 1977)، وهو التوظيف الذي جعل، ولا يزال، الخطاب العلماني الصهيوني، وبالتالي الإسرائيلي، خطاباً تلفيقياً قطع مع الدين اليهودي وأبقى الصلة مع الأسطورة الدينية، واستخدمها، بوعي وعن سابق إصرار، لإقامة «وطن قومي لليهود في فلسطين»، أي لإقامة «دولة يهودية بين البحر والنهر»، بل والعمل على توسيع حدودها لتشمل ما أمكن من مساحة الأرض العربية الواقعة «بين النيل والفرات». وكيف لا؟ طالما أن حزب العمل هو الحزب الوارث للمنطلقات الفكرية والسياسية والعسكرية والأمنية لبن غوريون الذي لم يقبل القرار الدولي لتقسيم فلسطين، العام 47،  إلا من باب المناورة والتكتيك، والاحتيال على السياسة الدولية، والإعداد والاستعداد، لما ستشنه إسرائيل، بقيادة حزب العمل، في العام 67، من عدوان مبيت لاحتلال ما تبقى من أرض فلسطين، والجولان السوري، وسيناء المصرية.
هذا يعني أن الانزياحات اليمينية المتطرفة في بنية «إسرائيل» الداخلية هي المحرك الأساس لإقدام حكومة نتنياهو على اتخاذ وإعلان هذه المواقف الإستراتيجية، (وغير المفاجئة برأيي)، من الضفة والجولان السوري. 
وإذا ما شئنا السير خطوة أخرى في التحليل، لقلنا: إن صحَّ أن تُقرأ المواقف من عناوينها، فهو أصحّ في هذه المواقف الإسرائيلية الجديدة من الضفة والجولان، حيث إن حكومة المستوطنين، بقيادة نتنياهو، لم تغلف مواقفها باعتبارات الأمن، ذريعة إسرائيل الدائمة، بل بزعم أن الضفة والجولان السوري (وهنا بيت القصيد)، «جزء من أرض إسرائيل». 
وبقدر ما يتعلق الأمر بموقف إسرائيل الجديد من الجولان، فقد كان لافتاً، وذا دلالة رمزية كبيرة، أن يُطلقه رئيس حكومتها، نتنياهو، من قلب الجولان بعد اجتماع استثنائي عقدته هناك بمناسبة الذكرى السنوية لتشكيلها، والذكرى السنوية لـ»جلاء الاستعمار الفرنسي وإعلان استقلال سورية». 
وكان لافتاً، وذا دلالة كبيرة، أيضاً، أن يكون الصمت المطبق هو سيد مواقف الأحزاب الصهيونية «المعارضة» تجاه الموقف الإستراتيجي الذي أطلقته حكومة نتنياهو حول هضبة الجولان، ذلك باستثناء تعليق بعض رموز هذه «المعارضة»، بالقول: «لم يكن هناك حاجة لأن توقظ حكومة إسرائيل دببة الجولان من سباتها على مدار 49 عاماً».
وأكثر، فقد كان لافتاً، وذا دلالة، أيضاً وأيضاً، أن تتزامن تصريحات بعض أركان حكومة نتنياهو حول نية إسرائيل ضمَّ 60% من مساحة الضفة، مع تراجع حزب العمل عن تأييده النظري لما يسمى «حل الدولتين»، بدعوى مصاعب تطبيقه، وطرحه لخطة انفصال من طرف واحد في الضفة، على غرار ما فعله شارون في قطاع غزة، في العام 2005، إنما من دون أن يشمل الانفصال في الضفة تفكيكا للكتل الاستيطانية الكبرى فيها، ما يعني أن ثمة توافقاً بين الأحزاب الصهيونية، الحاكم منها و»المعارض»، على الموقف من الضفة والجولان، بمعزل عن اختلاف طريقة، وأشكال، التعبير عن هذا الموقف. 
أما أن تُعلن حكومة نتنياهو موقفها من الجولان في ظل مناورات عسكرية في «الجبهة الشمالية»، وبعد اسبوع على إعلان رئيسها، نتنياهو، وأيضاً من الجولان، عن مسؤولية إسرائيل عن «عشرات الضربات الجوية» التي نفذها جيشها داخل سورية، في السنوات الخمس الماضية، فلا يحمل جديداً سوى الإقرار الرسمي بأن إسرائيل تستغل الأزمة السورية الداخلية، وتتدخل فيها بأشكال شتى، بما فيها التدخل العسكري المباشر، ما يعني الإمعان في العدوان على سورية وسيادتها، والتمادي في انتهاك القوانين الدولية، وخرق شروط اتفاق الهدنة السائدة في جبهة الجولان، برعاية هيئة الأمم المتحدة، منذ العام 1974.
عليه، بات ثمة حاجة إلى تشخيص وفهم دقيقيْن للتحولات الجارية، منذ سنوات، في بنية إسرائيل، أبرزها تعاظم دور التيار الصهيوني الديني القومي في صياغة القرار السياسي والعسكري والأمني الإسرائيلي، وانخراط هذا التيار تحت قيادة حليفه حزب الليكود الصهيوني العلماني الذي رفض قرار التقسيم في العام 1947، وناهض مناورة بن غوريون تجاهه، بل ورفض، (حزب الليكود)، في العام 93، اتفاق أوسلو، وناهض موافقة حكومة رابين - بيرس عليه، فيما اعتبره الأخير (الإنجاز الإستراتيجي الثاني بعد قيام دولة إسرائيل). 
هذا يعني أن الموقف الإستراتيجي الذي اتخذته، وأعلنته حكومة نتنياهو من الجولان السوري المحتل، وطالبت العالم بالتسليم به، إن هو إلا امتداد لما تتخذه من مواقف صريحة تجاه الصراع على الجبهة الفلسطينية. 
فمن الرفض المطلق لحق عودة اللاجئين، إلى تكثيف تهويد القدس، وتأكيد أنها («عاصمة دولة إسرائيل الأبدية»)، إلى تسريع استيطان ما تبقى من أرض الضفة، وإطلاق الدعوات إلى ضم أغلب مساحتها، إلى التشبث بمطلب الاعتراف بإسرائيل «دولة للشعب اليهودي»، إلى سن المزيد من القوانين العنصرية التي تزيد إسرائيل، كدولة احتلال استيطاني إقصائي إحلالي، فاشية على فاشية.
لذلك لا عجب في أن يضيف نتنياهو لـ»إعلانات إلى الأبد»، إعلان «أن إسرائيل ستعيش على حد السيف إلى الأبد». 
فهذا ليس، فقط، من مقتضيات برنامج حزبه الذي كان، ولا يزال، (سلطة واحدة بين البحر والنهر)، بل هو، أيضاً، تحصيل حاصل لتحالف حزبه مع الأحزاب الصهيونية الدينية القومية و»الحريدية» التي ترفض التخلي، (والتوصيف لنتنياهو وبينت)، عن أي شبر «تم تحريره»!! «من أرض الميعاد»، «أرض الآباء والأجداد»، «أرض إسرائيل الكاملة»، وكأن ما قامت به الحركة الصهيونية، في العام 48، ليس عملية ابتلاع لـ78% من أرض فلسطين واقتلاع لأهلها، كعملية تطهير عرقي بشعة، قل نظيرها في التاريخ المعاصر، أو كأن ما قامت به إسرائيل، في العام 67، ليس عدواناً مبيتاً لاحتلال واستيطان ما تبقى من فلسطين، فضلا عن الجولان وسيناء، بما صاحبه من نزوح قسري لمئات آلاف الفلسطينيين والمصريين والسوريين. 
إنها إسرائيل بن غوريون وجابوتنسكي تتجدد..