خبر : عامل حسم في الذهاب إلى تسوية الصراع أو الانفجار الكبير ...حسين حجازي

السبت 23 أبريل 2016 09:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT




حسناً أكد محمود الزهار في تصريحات علنية ما قالوه في رسائل إلى إسرائيل عبر القناة التركية، إنهم الآن ليسوا في وارد الذهاب أو المبادرة إلى حرب جديدة.
والواقع هو أن المزاج الغزي الذي مر بتجربة ثلاث حروب مدمرة ووحشية لم يخرج بعد من آثارها، لا يريد حربا أخرى. ولعلهم في مزاج اقرب ما يكون إلى الانفجار، انفجار نوعا ما غامض حيث بلغت القلوب الحناجر إزاء وضع من الانسداد ، اشبه بالسجن او المعتقل. ما عاد يحتمل وقد تطاول اكثر من ما يتجاوز المنطق.
هذه مدينة محشورة ومليئة بالبشر والزحام إلى اّخرها، تبدو كطنجرة مضغوطة لا يعرف ولا يمكن التنبؤ من الاّن بوجهة وشكل انفجارها، وهذه هي الرسائل غير الادراكية التي ترسلها المدينة في وجه مصر وإسرائيل، وقد يكون هذا الانفجار الذي شهدناه في مرة سابقة بطوفانه الشعبي على الحدود مع مصر في عهد مبارك، هو نموذجه المتوقع.
المطلوب شيء من التعقل اذن والادراك من لدن اطراف اللعبة الأربعة الذين يملكون مفاتيح اللعبة الغزية، مصر وإسرائيل وحماس والسلطة الوطنية. والراهن وواقع الحال ان الضفة ليست وحدها من تقف عند هذه العتبة منذ ستة شهور، ولكن الانفجار الغزي الذي لا يمكن توقع وجهته منذ الاّن ليس هو الاّخر سوى مسألة وقت، وعندئذ ستكون هي الانتفاضة التي تشبه تسونامي وليست الحرب على غرار الحروب الثلاث السابقة.
ما هو وجه الشبه او العلاقة والرابط اذن بين هذين الحدثين اللذان يبدوان وكأنهما منفصلين، ولكن المصادفة هي التي جمعت بينهما في توقيت متزامن والمقصود هنا عملية الباص في القدس والكشف عن نفق حماس الأخير الذي يخترق الحدود بين غزة وإسرائيل؟ ان الوجه الاّخر لهذه المقاربة يتعلق بالابانات المستقبلية التي يدل عليها كلا الحدثين، وهذه الابانات ليس لها سوى دلالة واحدة في كلا الحدثين، وهي ان نقل المعركة إلى داخل إسرائيل دولة الاحتلال، هي العاقبة او دفع الثمن كرد فعل على الاحتلال او التوسعية الإسرائيلية إلى اكثر مما يستطيع حلق او معدة إسرائيل هضمه وبلعه.
وواقع الحال ان حماس قد لا تستخدم هذه الشبكة من الانفاق اذا كان القرار الحمساوي والغزي على حد سواء، عدم الذهاب مرة أخرى إلى خيار حرب رابعة على غرار الحروب الثلاث السابقة، ولكن ما حدث في القدس واكتشاف النفق يشير إلى الاتجاه المقبل لميدان المعركة القادم، من ان الفلسطينيين سوف يضربون على وتر الضلع الثالث وفق نظرية الجنرال بوفر عن استراتيجية اللعبة المضادة، ونظرية المثلث ثلاثي الاضلاع قوام هذه الاستراتيجية لضمان تحقيق النصر في حروب التحرر الوطني.
في ازمان اكثر تقادما أي منذ عهد الحروب النابليونية وصولا إلى ذروة هذه الحروب الكلاسيكية او التقليدية خلال الحربين العالميتين، فأن قاعدة الجنرال كلاوزفيتز عن تحقيق النصر هي التي كانت تحدد هذا الشرط، وهذه القاعدة مفادها تدمير قوة العدو تدميرا كاملا وسحق قدرته على مواصلة القتال.
لكن في غضون حروب التحرر ونزع الاستعمار في هذه الحروب غير المتوازية او المتماثلة، فانه لا يشترط لتحقيق النصر تدمير قوة إسرائيل او أميركا في فيتنام وفرنسا في شمال افريقيا وبريطانيا في الهند لتحقيق هذا النصر، وانما يجب الاصغاء هنا إلى قاعدة الجنرال بوفر حيث يجب التركيز على افشال استراتيجية العدو أي دولة الاحتلال في مفاصلها او اضلاعها الثلاث، تفكيك تحالفاتها الخارجية ونقل التهديد الأمني عدم الشعور بالامن إلى داخله. وأخيرا تفكيك تلاحمه او تماسكه الداخلي حين يزداد الشعور بالكلفة الباهظة لمواصلة احتلاله، والاقتناع بفشل استراتيجيته في ادامة ومواصلة الصراع.
هل نحن اليوم بإزاء اختمار ونضج هذه الشروط وتحققها على الأرض للذهاب إلى تسوية عقلانية حل وسط تاريخي لحل هذا الصراع؟ والجواب اننا قد نكون عشية هذا التحول او على عتبته التاريخية، اذا كنا لا نحتاج إلى مكبر للنظر او مجهر لكي نرى او نتحقق من واقع الفشل الذريع والاجمالي لاستراتيجية مواصلة الاحتلال، والرهان على بلع الضفة الغربية ومواصلة حصار غزة. كما غني عن القول الإشارة إلى هذه العزلة والتفككات والتصدعات غير المسبوقة في الجدار القديم لتحالفات إسرائيل الاستراتيجية، وهو تحول غير مسبوق بالمرة.
اما في المحور الثالث فلنا ان نرى إلى ما يبدو اليوم ارتباكا واضحا وتشوشا ،ولكن فرزا صامتا وخجولا داخل القشرة السميكة للطبقة السياسية الحاكمة والتقليدية في إسرائيل، على انها مؤشر او نوع من التخلخل او الشك بسلامة الاتجاه، اذا ما نظرنا حتى بقدر من التحفظ إلى ما يبدو عليه السجال أحيانا بين نتنياهو ويعالون ورئيس الأركان، وبين مجموعة المتطرفين الذين يواصلون الصراخكالكلاب المسعورة للتحريض على الحرب، على انه يحتمل هذه الدلالة.
وهي الدلالة التي نحاول ان نراها في تغيير المقاربة مع غزة، وكذلك ربما أيضا في السجال حول قضية الجندي القاتل وضالة الحشد المتطرف كما ظهر في ميدان رابين قبل أيام، وصولا إلى الثورة والتململ داخل حزب العمل ضد زعيمه يتسحاق هيرتسوغ.
وعندما نبلغ هذه العتبة الضبابية غالبا كما يصفها تشرشل التي تسمى بربع الساعة الأخيرة، فأن ضغطا خارجيا بقوة واجماع غير مسبوق، انما هو الذي يمثل كلمة السر في التوقيت الذي يجعل من هذه النقرة الخارجية الأخيرة، كما لو انها الانقضاض الأخير او الضربة القاضية التي تقع على أحتلال بات منهكا ويوشك على الاندحار. وان هذا هو فحوى القرار الدولي بالتحرك عند هذه النقطة.
ان المبادرة الفرنسية لعقد المؤتمر الدولي والإصرار الأميركي حتى اّخر يوم في عهد إدارة أوباما لفرض حل الدولتين، كما صرح مؤخرا جون كيري. وتبلور التحالف السني الإسلامي الإقليمي، كتوازن جديد في المنطقة يعيد تركيب وصياغة مفهوم الشرق الأوسط على أسس وقواعد جديدة. ان مجموع هذه المتغيرات يضاف اليها المزاج الأميركي والدولي الجديد المنتقد لإسرائيل، والذي عبرت عنه أجواء الانتخابات الامريكية داخل الحزبين الرئيسيين، انما يشير في الاتجاه الشامل إلى هبوب الرياح الضاغطة والمعاكسة لمشروع اليمين الإسرائيلي، بمواصلة القدرة على الهروب من دفع استحقاق عملية السلام وانهاء الاحتلال. وهي في الواقع تمثل بمجموعها قوام التحول الراديكالي في المشهد او البيئة الاستراتيجية للنزاع. والتي يمكن ان يعول عليها لحشر هذا اليمين الذي يواجه الضغوط من جميع الاتجاهات، بدفعه إلى نقطة الوسط.
فهل كان الشجار الذي سرب إلى العلن بين نتنياهو ونفتالي بينت في الاجتماع الوزاري المصغر قبل أيام، وهدد فيه نتنياهو هذا الأخير بأقالته من الحكومة يعكس بداية هذا الانشقاق او التصدع داخل جبهة اليمين تحت وطأة الشعور بهذه الضغوط الخارجية وقرب دنو العاصفة؟ بعد ان اصبح الرجل غير قادر على مواصلة الحرب على جميع هذه الجبهات؟ وان هذا التصدع في بنية التحالف انما يمهد إلى إعادة العودة إلى خيار حكومات الوحدة الوطنية مع حزب العمل.
من الناحية الواقعية او التحليل المنطقي قد يصبح هذا الافتراض صحيحا اذا سلمنا بأن هيرتسوغ انبرى في الاّونة الأخيرة بالادلاء بمواقف وتصريحات، تعكس نوعا من الغزل والتملق في الاقتراب من مواقف اليمين، وهو ما استدعى رد فعل غاضبا داخل حزب العمل باعتبار هيرتسوغ لا يمارس دوره كزعيم للمعارضة.
والراهن انها قد تكون هذه هي العقدة امام المنشار التي يواجهها الأطراف الدولية كافة، لاحداث عملية الانتقال السياسي الداخلي في إسرائيل، لتهيئة الظروف من اجل إنجاح خيار التسوية السياسية، في وقت تبدو فيه عملية التسوية الشاملة للنزاعات الداخلية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، تقتفي تحقيق هذه العملية التي تسمى «الانتقال السياسي الداخلي».
ولعل هذا التصور هو الذي يقودنا أخيرا إلى اعتبار ان المأزق الراهن الذي تصطدم به عملية احداث النقلة السياسية لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، انما تتمثل بغياب زعامة تاريخية في إسرائيل. حين يبدو ان نتنياهو يا لسخرية الاقدار كما لو انه في وسط هذا الجنون والتطرف كما لو انه العاقل الوحيد، وبالمقارنة مع هيرتسوغ والاّخرين كما لو انه هو الزعيم القادر على اتخاذ القرارات او احداث هذا التحول. ولكن من الجهة الأخرى فان التجربة أظهرت ان هذا رجل غير مصداق لا يمكن الوثوق به، وهو لا يتردد ان يذهب بعيدا إلى هذا الحد في قسوته باحتجاز حتى جثث الأموات الشهداء. ولعل هذا هو الانطباع عنه لدى الأميركيين والأوروبيين والرئيس أبو مازن، وهو انطباع له ما يبرره في الواقع. ما يطرح امام الجميع خيارا وحيدا للتغلب على هذا المأزق الإسرائيلي المتمثل بعدم وجود شريك، انتهاج الدبلوماسية القاسية واتخاذ المواقف غير المألوفة، وهي اولا ما لوحت به السلطة الفلسطينية مؤخرا، فهل هذه هي وجهة السفر المقبلة من لدن الأطراف الدولية؟، والتي لم يعد امامها وقت للانتظار.