مما تعلمناه أن الإنسان موقف، وأن التنظيمات تنشأ لخدمة الأوطان بما تعنيه من شعب وأرض وثقافة وتاريخ، وليس لأن يكبر فلان أو علان...
وقد تعلمنا بأن الوطنية هي أن تقف مع وطنك كل الوقت، وأن تقف مع حكومتك فقط عندما تكون على حق. لذلك، فليعذرنا الجميع ونحن نحاول أن نخرج من دائرة "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، لنقول للأخ الرئيس أبو مازن: يا سيادة الرئيس لقد أخطأت، بل وتجاوزت كل ما هو متعارف عليه من الصلاحيات بقطع رواتب إخواننا في الجبهتين الشعبية والديمقراطية وقبل ذلك بعض كوادر حركة فتح، فهذا الأسلوب لا يليق بكبير العائلة ورأس السلطة الفلسطينية، حيث إن هناك وسائل أخرى لمعالجة الخلافات ليس من بينها يا سيادة الرئيس قطع الأرزاق، فهذه الأموال في الصندوق القومي هي أمانات وودائع لشهداء الثورة الفلسطينية، وهي دماء وتضحيات الجميع من حركة فتح وباقي فصائل العمل الوطني والإسلامي، وهي أموال يتم تقديمها من العرب والمسلمين للحفاظ على كرامة شعبنا وتنظيماته وفصائله.. لقد أخطاءت يا سيادة الرئيس باعتماد هذا الأسلوب نهجاً في تعاملاتك مع من يختلف معك.. نريدك أن تكون أباً للجميع ومثابة لهم، وأن تكون قراراتك تعكس هذه الروح، وتكرس هذا النهج. كما أنك يا سيادة الرئيس لم توفق في تشكيل المحكمة الدستورية بدون توافق وطني، بالرغم من أنها خطوة مطلوبة ومنصوص عليها في القانون الأساسي، إلا أنها وفي ظل خلافاتنا الداخلية تبدو غير ملحة أو مستعجلة.
نأمل أن يراجع الرئيس قراراته، وألا تستخدم لقمة العيش وسيلة للعقاب، كما أن علينا أن نقر أن طريقة إهانة الرئيس بحرق صوره هي أيضاً ليست وسيلة حضارية للتعبير عن الغضب أو الاحتجاج. وهذا يتطلب الاعتذار وإن كان سلوكاً فردياً وليس عملاً تنظيمياً موجهاً .
أما ما جرى من اعتراض لفاعلية "وطنيون لإنهاء الانقسام" في غزة قبل عدة أيام، فهو أيضاً يستدعي بعض القول، حيث إن منع النشاط بعد صرف الإذن من رئيس جهاز الشرطة اللواء تيسير البطش لم يكن موفقاً، وكان يتطلب معالجة أفضل غير منع الحضور من التواجد في المكان. نعم؛ من حق الداخلية أن تمنع أي فعالية ترى أنها قد تشكل خطراً على المصلحة العامة، وهذه مسألة معمول بها في كل دول العالم بما فيها الديمقراطيات العتيدة، ولكن هذا النشاط كان لديه تصريح، والكثير من الشخصيات هي نخب مثقفة وشخصيات اعتبارية وليس لمعظمها أجندات سياسية، ومضمون النشاط هو رسالة ضغط لطرفي الأزمة بالعمل لتسريع انهاء الانقسام. لقد فكرت قبل عامين على مستوى هيئة الوفاق الفلسطيني؛ وهي تجمع لممثلين عن الكل الوطني والإسلامي، والتي تشرفت برئاستها في القيام بمثل هذا النشاط، والذي لقيت فكرته استحساناً من الجميع‘ إلا أننا كنا نؤجل الفعالية بالرهان على قرب تحقيق المصالحة، ولكن للأسف ها هو الزمن يمر والأمور تزداد تعقيداً وكارثية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والحالة تستدعي تحركاً من حكماء هذا الشعب ونخبه ومؤسساته الأهلية تمنع الكارثة وتوقف الانفجار. نعم؛ يتوجب أن يكون هذا النشاط في كل من غزة ورام الله وليس في فقط في غزة، حتى لا يساء فهم القصد، واعتقاد البعض خطأً أن المأساة هي فقط في غزة، وأن السبب لهذا الانقسام هو حركة حماس، وأن رام الله معافاة من اللوم وقد "عدَّاها العيب"!! إن نجاح المشروع يتطلب أن تكون الفعالية بنفس القوة والزخم أيضاً في رام الله، وكي تصل الرسالة بشكل واضح وصريح للطرفين يفترض أن تكون مشاهدها هنا وهناك، حيث إن حجم الكارثة في الضفة لا تقل عنها في قطاع غزة، وإن تفاوتت أشكال المخاطر وطبيعة الآلام.
في الحقيقة، أن فكرة "وطنيون لإنهاء الانقسام" هي في مجملها فكرة نبيلة، ودوافع الكثيرين ممن شاركوا فيها هي وطنية خالصة بامتياز، ولكن - وكما ذكرت -على الإخوة القائمين على المبادرة مراعة الحساسية القائمة بسبب الاستقطابات داخل الشارع الفلسطيني، وعليهم معاودة المحاولة مع الإخوة المسئولين في قطاع غزة، مع العمل على ضمان سير الفعالية أيضاً في الضفة الغربية، وعندئذ ستجدوننا جميعاً من فتح محماس والكل الوطني والإسلامي إلى جانبكم نهتف ضد الانقسام، مطالبين بسرعة تحقيق المصالحة الوطنية والشراكة السياسية.
نأمل أن يدرك الجميع بأننا نريد للصف الفلسطيني أن يجتمع ويتوحد، وإن علينا أن نتفهم حساسية الظروف التي تمر بها قضيتنا، حيث إننا -اليوم - نلتفت يمنة ويسرة ولا نرى في الأفق إلا أننا وحدنا!!
هذا الوطن وطننا جميعاً، وعلينا أن نعمل مجتمعين لتعزيز جبهتنا الداخلية بكل فصائلنا وتياراتنا الفكرية والسياسية، وأن نشد من أزر صمود شعبنا، وألا نخذله بما بيننا من خلافات وتباينات في وجهات النظر.
اليوم، هناك أداء أفضل في تعاملاتنا الوطنية، حيث إن مساحة التفاهم والتشاور تتسع وهي مرشحة للتحسن والتقدم، وهناك قناعات تتعاظم بأهمية الشراكة السياسية والتوافق الوطني، كما أن الوعي بأن المشروع الوطني تتقاطع مساراته مع إدراك الجميع بأن أبعاد الرؤية ليس يحكمها أنت أو أنا، بل أنا وأنت، وهذا تطور نوعي في فهمنا للتحديات وكيفية مواجهة عدونا الذي يتربص بنا ويلاحقنا في كل الجبهات.
بيت القصيد: هذا الوطن نحرره معاً ونبنيه معاً.


