خبر : في دوافع وحسابات الصفحة الجديدة في العلاقة بين مصر و»حماس» ...حسين حجازي

السبت 02 أبريل 2016 07:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في دوافع وحسابات الصفحة الجديدة في العلاقة بين مصر و»حماس» ...حسين حجازي




يمكن مقاربة هذه الموضوعة على النحو التالي:
في عمرها التاسع مبكراً والخير في الابكار دخلت، فتح في هذه التجربة او المرحلة والتي عنوانها او مفهومها المؤطر: الفصل او فض الاشتباك التاريخي والفلسفي بين المثالية والواقعية، بين المخطط الكبير والاستراتيجية، المرحلية والتكتيك. فهل نحن اليوم وفي عمرها الثامن والعشرين إزاء دخولها، أي حركة حماس من هذه العتبة؟ واننا اليوم شهود على هذه النقلة النوعية او السياسة الكبرى في مسار هذه الحركة؟ في ذروة واضحة من فض هذا الاشتباك بين الأيديولوجيا والواقع؟.
والجواب هو نعم اذا كانت المصلحة الحيوية للناس، فإن هذا هو المنفعة السياسية، وان هذه المنفعة او ما هو نافع فهو الخير، وان العمل بمقتضى هذه المنفعة فهو العقلانية، والعقلانية هي السياسة، والسياسة هي فن مداورة الواقع وعمل المستحيل على تحاشي الفشل.

ويمكن مقاربتها على النحو التالي:
بعد عشر سنوات متواصلة من حصار للمدينة هو أشبه بحصار المدن القديمة في حروب القرون الوسطى الظلامية، بدا كما لو أن الدول المحاصرة قد تعبت من حصارها. لقد انتظروا طيلة هذا الوقت ان تنهار الحصون ومعها المدينة من الداخل، وحاولوا الضغط بعنف اشد بشن ثلاث حروب وحشية لا مثيل لها في قسوتها، ولكن أهل المدينة اظهروا قوة بأس واحتمال لا نظير لها، وفاجؤوا العدو المتوحش بتكتيك حربي جديد اسقط في يده وأجبره على تغيير حساباته، حين باغتوا قواته في حيلة بارعة بمهاجمتها من تحت باطن الأرض والالتفاف عليها.
وحدث هنا التحول في الموقف وقرر العدو تغيير المقاربة والوسيلة، وتحت عزلة لا سابق لها من الضغط الدولي حتى من اقرب حلفائه السابقين أوروبا وأميركا نفسها ومقاطعة عالمية، تعيد الى الأذهان حملة المقاطعة الدولية ضد دولة جنوب إفريقيا، قرروا استبدال الحصار واعتماد القوة القاسية بفك هذا الحصار وانتهاج القوة الناعمة. وبدلا من ان تكون الغاية تدمير قوة حركة حماس القوة الصلبة المدافعة عن المدينة، الدخول في عملية احتواء وترويض لهذه النمرة على المدى الطويل لقلع شوكتها بعد أن أظهرت منعة وشدة بأس. وهنا وعند هذا المفترق أٌعطيت الإشارة بتغيير قواعد اللعبة القديمة، وهذا التحول هو الذي عبرت عنه الإشارة المصرية.
ويمكن مقاربة هذه القصة في فتح الصفحة الجديدة بين حماس ومصر على النحو التالي أيضا:
يتضح الآن ان فتح البوابة المصرية أمام قادة حماس للدخول الى مصر آمنين، ولكن دون ان تفرش لهم السجادة الحمراء، انما ينطبق عليه القول في الحكمة الشعبية « مكره أخاك لا بطل «. اذا كانت ضغوط معقدة داخلية وخارجية هي التي أملت على القاهرة تغيير قواعد اللعبة مع هذه الحركة، وإحداث هذه النقلة في العلاقة معها، والتي تشبه تجرع الكأس المرة.
فبعد حملة إعلامية ضارية لم تتوقف على مدى ثلاث سنوات من محاولة شيطنة الحركة في غزة باعتبارها الفرع الغزي من جماعة الإخوان المسلمين، وصلت الى حد اتهام الحركة بالإرهاب واغتيال النائب العام السابق. ها هو المعبر في رفح المغلق منذ سنة وعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية الا أياما قليلة، يفتح فجأة هكذا أمام الوفد القيادي الحمساوي وبقوة سحرية كما في الخرافة القديمة، بكلمة السر الشهيرة «افتح يا سمسم».
وأشرنا هنا في حينه قبل أسبوعين الى ان كلمة السر هذه ليست سوى ضغوط مزدوجة لأجل إتمام هذه الصلحة على الطريقة المشرقية، والتي تقوم على المداراة وإبقاء ما في القلب في القلب حتى يغير الله أمراً كان مفعولاً. هيا اذن لإزالة الشعارات القديمة في غزة استجابة للفرصة السانحة، وحيث لا مطلب لمصر لا يمكن الرد عليه بالإيجاب كما قال محمود الزهار. وهكذا سوف يتم عقد القران او دفع مقدم الصداق، ولا بأس في ذلك اذا كان ما هو نافع للجماعة ومصلحة فإنه لا يتعارض مع الشرع.
ولقد كانت هذه استجابة ذكية وسريعة وعاقلة من جانب حماس المضغوطة هي الأخرى، لفرصة بدت سانحة وغير متوقعة ألقيت أمامها كنتيجة غير مباشرة وجانبية أسهمت فيها تعقيدات الصراعات الإقليمية، وذلك للخروج والنجاة من طنجرة الضغط التي كانت محشورة فيها.
أما هذه الفرصة غير المتوقعة فإنها تكونت من ثلاثة عوامل متداعمة كانت تصب في مصلحة حماس وتضغط على إسرائيل ومصر على حد سواء، لإعادة النظر في مقاربتها السابقة تجاه حماس والمسألة الغزية:
1- إن العامل الأول هو ترافق الاستنتاجات التي توصلت اليها إسرائيل بعد حربها الأخيرة على غزة، باعتماد القوة الناعمة وإصرار تركيا على شرط فك الحصار عن غزة لإتمام حفل الزفاف والمصالحة مع إسرائيل، وأمام المعارضة المصرية لإنشاء الميناء جاء الضغط الإسرائيلي على القاهرة لتغيير موقفها.
2- أما العامل الثاني فهو مصري خالص ويتعلق بحسابات النظام داخلياً وخارجياً.
3- ولكن بقدر ما بدت المصالحة الإسرائيلية مع تركيا ضاغطة، فإن التوتر الخفي مع السعودية ودول الخليج على خلفية عدم المشاركة المصرية بقوة في عاصفة الحزم السعودية في اليمن، والخلاف إزاء الموقف الموحد من الأزمة السورية. فقد بدا ان المصالحة مع حماس من الجانب المصري وهو مطلب سعودي كعربون تقدمه مصر لاعادة كسب ود السعودية.
اما هذه الأخيرة التي يطرح ملكها ما يمكن تسميته بمبدأ او مذهب الملك سلمان، فإنها ترى في تجميع وحشد الموقف السني يبدأ بنبذ هذا الشقاق والتفكك، كمدخل لاستعادة توازن قوة إقليمي وعروبي إسلامي جديد، في مواجهة التخلي الأميركي والمحور الروسي الإيراني. وبموازاة ذلك تمهيد الظروف للمصالحة الفلسطينية الداخلية ومنها الانتقال او التقدم لعقد السلام مع إسرائيل وتحقيق المصالحة الكبرى التاريخية مع إسرائيل، عبر حل القضية الفلسطينية بانهاء الاحتلال.

وفي الاستنتاج العام:
لقد كانت هذه مساومة حقيقة جرت بين الطرفين تحت غطاء من التكتم بعيداً عن الإعلام، ولنا أن نفترض أنها جرت في جو من الصراحة وكانت بناءة ومثمرة، لأنه ما كان بمقدورهما معا التسبب بإفشالها مسبقاً. وإذ تحاشى كلاهما الإفصاح علناً عن الأشياء التي حصل عليها كل منهما من الآخر، فإن المؤكد ان هذه كانت مساومة تكتيكية ولم تجر في اطار من بناء أرضية تحالف يرقى الى اعتباره تحولا استراتيجياً، ولذا فربما او الأرجح انه دار حول مطالب محدودة تؤدي الى تفكيك الأزمة وإحداث انفراجة في العلاقة بينهما، اكثر ما تؤدي الى التوصل لتفاهمات شاملة.
انها مزيج من المطالب المقرون تحققها بالنوايا ووعود يقترن تطبيقها بحسن هذه النوايا على الأرض، وربما كان الهاجس المصري الى جانب سيناء فك حماس الارتباط من كونها الامتداد المصري في غزة لجماعة الاخوان المصرية. اما هاجس حماس فك الحصار السياسي والمادي واللوجستي عنها وعن غزة، وإعطاء الموافقة على انشاء الميناء الغزي. ولكن يبدو ان السرية لم تكن المؤشر الوحيد على ان هذه الأمور بحثت بصورة جدية وإيجابية، ولكن بنفس القدر لأن أمورا أخرى لم يعلن عنها بحثت بهذه الجدية، ولعل قضية تبادل جديد للأسرى صفقة أخرى لهذا التبادل بين حماس وإسرائيل كانت في رأس هذه الموضوعات، الى جانب الاتفاق على هدنة طويلة الأمد.