خبر : لا فرصة للسلام مع حكومة يقودها اليمين الإسرائيلي.. محمد ياغي

الجمعة 01 أبريل 2016 09:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT





يشير بعض السياسيين دائماً إلى أن حكومة مناحيم بيغن اليمينية هي من حقق السلام مع مصر، وأن حكومة شارون هي التي انسحبت من غزة وأزالت مستوطناتها. بناء على ذلك يدعي هؤلاء بأن اليمين الإسرائيلي قادر على تحقيق السلام مع الفلسطينيين، لأنه وبعكس اليسار أو يسار الوسط الإسرائيلي، قادر على اتخاذ خطوات قد لا تتمتع بشعبية داخل إسرائيل، لكن الإسرائيليين على استعداد للقبول بها، بسبب ثقتهم في قدرة اليمين على حماية مصالحهم الأمنية في أي اتفاق.
للوهلة الأولى تبدو هذه المقولة مقنعة، خصوصاً عندما يرددها ساسة أميركيون أو أوروبيون أو حتى عرب لإقناع الفلسطينيين بقبول التفاوض مع إسرائيل بدون شروط.
لكن هذه المقولة تفتقد للمصداقية لأسباب منها أن السلام مع مصر وحتى مع سورية كان على أجندة الحكومة الإسرائيلية منذ احتلال سيناء والجولان العام 1967.
في كتابه "السلام المفقود" يذكر دينس روس، منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، أن قرار السلام مع مصر وسورية وإعادة أراضيهما لهما اتخذ بعد عدة أيام من الحرب، ولكنه كان مشروطاً بموافقة الدولتين على الاعتراف بإسرائيل، إقامة سلام معها، وموافقتهما على ترتيبات أمنية تضمن أمن إسرائيل. ما يتعلق بالضفة الغربية وغزة، كان القرار الإسرائيلي هو العمل على تأجيل أية تسوية بشأنهما.
كامب ديفيد عام 1978 مع مصر، كان أكثر من التحقيق الكامل لهذه الأهداف لأنه كان على حساب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري. لم تعد هنالك أهمية للسلام مع سورية بعد خروج مصر من الصراع مع إسرائيل، لذلك شاهدنا عملية ضم للجولان العام 1981.
قرار تأجيل الحديث عن الانسحاب من الأراضي الفلسطينية لم يطرأ علية تغيير فعلياً. السلام مع مصر فقط عزز ان فكرة التأجيل ليس فقط ممكنة، ولكن يمكن تحويلها الي سياسة ضم للأراضي الفلسطينية غير المأهولة وهي تشكل غالبية مساحة الضفة الغربية. لذلك بعد السلام مع مصر، كان هنالك تكثيف لعمليات الاستيطان في الضفة وتهويد متسارع للقدس.
أوسلو في عقلية حكام تل أبيب ليس مشروع سلام، بل سياسة في القلب منها التخلص من المسؤولية عن الفلسطينيين بتحويلهم الى رعايا لدى السلطة الفلسطينية، بينما يتم الاحتفاظ بالمساحة العظمى من الأرض الفلسطينية لغايات الاستيطان. لذلك جرى تقسيم الأرض الفلسطينية الى (A,B,C) حيث (C) تشكل ما نسبته ستون بالمائة من الأرض في الضفة الغربية، وهي تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية الكاملة.
غالبية غزة كانت منذ البداية تحت السيطرة الفلسطينية لأنها ببساطة صغيرة الحجم ( 360 كم مربع )، ويسكنها أكثر من مليون ونصف فلسطيني، هي أكثر أماكن العالم ازدحاماً على الإطلاق. غزة كانت نقطة ضعف للإسرائيليين، السيطرة عليها مستحيلة بدون عمليات عسكرية تقود الى خسائر في صفوف الإسرائيليين والى مجازر بحق الفلسطينيين. لذلك تم الانسحاب منها، وتم حصارها في نفس الوقت بعد سيطرة حماس عليها.
الحديث عن قيام اليمين الإسرائيلي بالانسحاب من غزة وسيناء لتسويق قدرته على تحقيق انسحاب من الضفة يخفي الدوافع الاستراتيجية للانسحابات التي قام بها. عندما تتعلق المسألة بالضفة الغربية، المسألة تختلف كلياً.
الانسحاب من غزة وسيناء يجب فهمه في سياق سعي اليمين الإسرائيلي للاحتفاظ بالضفة الغربية. الانقسام الفلسطيني قدم للاحتلال ذريعة لتأجيل أية مفاوضات لها علاقة بالانسحاب من الضفة بزعم أن الانسحاب من غزة حولها لقاعدة لحركة حماس.
لكن الأصل أن هنالك موقفا أيديولوجيا لليمين الإسرائيلي ضد الانسحاب من الضفة يتلخص بأنها وفي قلبها القدس، هي مملكة إسرائيل القديمة. الساحل الفلسطيني تم القبول به كدولة لإسرائيل وفق قرار التقسيم عندما كانت إسرائيل بحاجة الى اعتراف العالم بها. اليوم لا ينازعها أحد عليه. الغرب والعرب معترفون بإسرائيل وبحقها في العيش بسلام على 78% من أرض فلسطين التاريخية. لذلك يمكن لليمين الإسرائيلي الدفع بأهدافه الأيديولوجية دون الخوف من خسارة المكاسب التي تحققت خلال العقود السبعة الأخيرة. في قلب هذه الأهداف بالطبع إنهاء الصراع على القدس بتهويدها وجعلها غير قابلة للتقسيم، وضم أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة للإسرائيل.
هذه الأيديولوجيا هي ما يفسر عمليات الاستيطان التي لم تتوقف منذ أن ضمنت إسرائيل السلام مع مصر. الاستيطان يجعل الانسحاب من الضفة مستحيلاً لأنه يخلق قوة انتخابية لليمين الإسرائيلي تمكنه من الفوز بالحكم. النتيجة أن اليمين الإسرائيلي يصبح سجيناً ليس فقط لأيديولوجيته التي تريد ضم الضفة، ولكن للمستوطن الذي ينتخبه، وللمستوطن الذي يخدم في الجيش.
المستوطن الذي ينتخب اليمين الإسرائيلي يفرض سياسة المزيد من الاستيطان. والمستوطن الذي يخدم في الجيش يفرض على حكومات إسرائيل وليس فقط على اليميني منها، عدم التفكير في إزالة المستوطنات.
أحد المختصين في الشأن الإسرائيلي أخبرني بأن أحد أسباب تردد رابين في إنهاء الوجود الاستيطاني في قلب مدينة الخليل العام 1994 بعد المذبحة التي ارتكبها متطرف إسرائيلي في المسجد الإبراهيمي، كان الخوف من أن الجيش الإسرائيلي لن ينفذ تعليماته.
إذا كان هذا هو السبب الرئيسي الذي منع سحب عدد قليل من المستوطنين المتطرفين من قلب أكبر مدينة فلسطينية، فكيف لنا أن نعتقد بأن اليمين الإسرائيلي قادر على إزالة أي منها في الضفة.
اليمين بحاجة للمستوطنين للفوز بالحكم. وبالمقابل، المستوطنون في الضفة يفرضون المزيد من الاستيطان ويفرضون على اليمين سياساته تجاه الفلسطينيين.
هذا لا يعني بأن حكومة من اليسار الإسرائيلي بإمكانها تحقيق السلام مع الفلسطينيين. هي الأخرى ستكون أسيرة للجندي الإسرائيلي الذي سيرفض إخلاء مستوطنات في الضفة، لكنها على الأقل لن تكون حكومة المستوطنين وهي بالتالي أقل عرضة لضغوطهم.