خبر : الإرهاب ذلك الشيطان الرجيم ....د. أحمد يوسف

الأربعاء 30 مارس 2016 07:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإرهاب ذلك الشيطان الرجيم ....د. أحمد يوسف




على مدار عقد ونصف العقد من الزمان، ما الذي جنيناه من وراء هذه العمليات الإرهابية غير الخراب والدم واستباحة بلاد المسلمين، هل انكسرت هيبة الغرب وتراجعت سياساته تجاه أمتنا الإسلامية؟ أم هل توقفت ممارساته العدوانية واستهدافه لشعوب أمتنا؟ هل تغيرت سياسة أمريكا - مثلاً - عن تقديم الدعم العسكري لإسرائيل أو الدفاع عنها دبلوماسياً في المحافل الدولية؟ هل أعادت لنا هذه العمليات الإرهابية شبراً من الأرض السليبة أم ألبت الشعوب الأخرى ضد المسلمين في العالم؟ وهل عززت هذه العمليات الإرهابية خطاب المظلومية التي ترفعه الحركات الإسلامية والمضطهدون من شعوب أمتنا، وهل يا ترى جلبت لنا النصرة والدعم؟! ولماذا في هذا الوقت الذي تتعاظم فيه مآسي اللاجئين السوريين في البحث عن موطئ قدم ومثابة آمنة في أوروبا تأتي أعمال الإرهاب هذه لتضرب قلب الحاضرة البلجيكية بروكسل، والتي تعمل على ترتيب أوضاع هؤلاء اللاجئين وتسوية أحوالهم، والعمل على سرعة توطينهم؟!


لماذا بروكسل، تلك المدينة التي تبلغ نسبة سكانها المسلمين حوالي 24%، وينعم فيها الإسلام بكامل مظاهره كما الديانات الأخرى، كما أن الأقلية المسلمة تتمتع بحرية العبادة والاستقلالية الثقافية؟ كما أن توقيت هذه العمليات الإرهابية الآن يطرح العديد من التساؤلات.. فهل الهدف يا ترى هو قطع الطريق أمام هؤلاء النازحين وتعميق عذاباتهم؟ أم هو لسدِّ الأبواب وردع كل من يعمل على تقديم التسهيلات لهم وتحريضه عليهم؟! ربما الجواب هو الضغط على الغرب للتسريع بوقف الحرب، وفرض تسوية تستفيد منها داعش والنظام في سوريا.


نعم؛ نحن لا يخفى علينا ما تقوم به الرسمية الغربية من سلوكيات ومظالم تتناقض مع القيم التي ترفعها، وكل ما تنادي به من نشر للديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان. ولكن نحن الذين تربينا على قيم الرحمة والتسامح واحترام قدسية الدم الإنساني، هل يقبل منا السكوت والرضى عن مثل هذه الجرائم بحق الإنسانية؟! إن ما يقوم به البعض باسم الإسلام هو الجهل والضلال بعينه، فالغرب ومنذ أكثر من ستين عاماً وبلاده مفتوحة للهجرات من بلاد المسلمين هروباً من الاضطهاد والاستبداد، وطلباً للحرية والعيش الكريم، فهل يعقل أن يكون الوفاء ورد الجميل هو هذا الفعل الإرهابي، الذي يزلزل أركان الأمان والاستقرار، ويسقط معه أيضاً قتلى من مسلمي تلك البلدان؟!


أسئلة كثيرة تطرحها هذه الأعمال الإرهابية، والتي تطيش العقول في فهم الحكمة من ورائها، فهذا الإرهاب الذي يتهدد حياتنا كبشر غدا بمثابة الشيطان الرجيم، الذي تلاحقنا وساوسه في كل مكان وزمان.


                                              تفجيرات بروكسل: اللغز الغامض
على إثر العملية الإرهابية التي ضربت العاصمة البلجيكية قلنا في بيان صحفي بأن هذا الإرهاب لا يمثلنا، أو ما نمثل من دين وخلق وحضارة.. فهذا الوجه الكالح للإرهاب الذي يضرب في كل مكان لا يمثلنا كمسلمين, ونبرأ إلى الله منه؛ لأنه لا يمتُّ إلى منظومتنا القيمية والإنسانية بصلة, وأن الذي يقوم بمثل هذا الفعل الإرهابي فرد أو جماعة إنما يمثل نفسه ولا يمثلنا كمسلمين؛ ديناً وحضارة, حتى وإن صلى وصام وحج البيت الحرام.


إن استهداف المدنيين هو جريمة تدينها كل الأعرف السماوية والقوانين الإنسانية, ولذا فإننا نسجل استنكارنا لكل العمليات الإرهابية، بدءاً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, مروراً بتفجيرات لندن ومدريد وباريس وأخيراً بروكسل, وكذلك تلك السلسلة من الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخراً في أنقرا وإسطنبول وبعض الدول العربية والإسلامية, وهي بأشكالها المختلفة أعمال إرهابية مدانة بكل اللغات الدينية والسياسية والثقافية والحضارية, وأن كل من يعطي المبررات لهذه الأعمال الإرهابية يحتاج إلى مراجعة جادة لمنظومته القيمية والإنسانية والدينية.
وبناءً عليه، فإننا في الوقت نفسه الذي نسجل فيه إدانتنا لهذه الأعمال الإرهابية التي وقعت في الحواضر الغربية، فإننا كذلك نعلن استنكارنا الدائم لكافة أشكال الظلم التي يمارسها الغرب تجاه قضايا أمتنا العربية والإسلامية, وشجبنا - أيضاً - للعمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الغربي ضد المدنيين في سوريا والعراق, كما أننا نؤكد على حق شعبنا الفلسطيني المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الغاصب.
إن الإرهاب أضحى اليوم ظاهرة تتهدد البشرية، وهو يحتاج إلى جهد جمعي لملاحقته والقضاء عليه، وإن الغرب يتحمل جزءاً من المسئولية في انتشاره وتناميه حول العالم.
إن الإرهاب هو عملٌ لا أخلاقي، ولا إنساني، ولا دين له, وهو عدو لحضارتنا وقيمنا الإنسانية, وعلى الجميع التكاتف وبذل الجهد للتخلص منه، واجتثاث جذوره ودواعيه.


                                                   إسلامياً: الإرهاب عارٍ بلا سند
إن مظاهر الإرهاب وعملياته التي تضرب في كل مكان من هذا العالم هي مدانة ومحرمة، وقد نزعت عنها الشرعية أهم المنظمات الإسلامية والمجامع الفقهية، فالإرهاب الذي تمَّ تعريفه بأنه "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أعراضهم أو حريتهم أو أمنهم أو حقوقهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر..".
فقد تمَّ النظر إليه في معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي لسنة 1999 بتأكيد الالتزام بمكافحته بجميع أشكاله ومظاهره، والقضاء على أهدافه ومسبباته، التي تستهدف حياة الناس الأبرياء وممتلكاتهم وسيادة الدول وسلامة أراضيها، واستقرارها، وأمنها... وقد أكد القرار الصادر عن المنظمة كذلك إلى أن الإسلام بريء من كل أشكال الإرهاب، التي تؤدي إلى اغتيال الأبرياء، وهو أمر يحرّمه الله.... كما أن القرار يدين بشدة مرتكبي تلك الجرائم البشعة بزعم العمل باسم الإسلام أو أي مبرر آخر. 

وقد أكدت المعاهدة في ديباجتها أن إبرامها قد اقتضاه العمل بتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء، التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، خاصة ما كان منه قائماً على التطرف، وقد أعلن المجمع الفقهي الإسلامي للعالم أن جريمة قتل النفس الواحدة بغير حق تعادل في الإسلام في بشاعتها قتل جميع الناس؛ سواء كان القتل للمسلم أو لغيره بغير الحق، وأن تنفيذ الحدود والقصاص من خصائص ولي أمر الأمة وليس للأفراد أو المجموعات.


كما أهاب المجمّع بالأقليات المسلمة في الغرب أن تبذل جهدها، وتسعى طاقتها من أجل الحفاظ على دينها وحماية هويتها، وأوضح المجمع الفقهي بأن الواجب الشرعي على هذه الأقليات أن تلتزم بمقتضى عهد الأمان، وشرط الإقامة والمواطنة في الديار التي تستوطنها أو تعيش فيها، صيانة لأرواح الآخرين وأموالهم، ومراعاة للنظام العام في تلك الديار.


وقد أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن المنظمات الإرهابية هي – اليوم - أداةٌ بيد القوى العالمية المتصارعة، وجاء في سياق نقده وإدانته لهذا الإرهاب الذي يُلبسه الغرب ثوب الإسلام، قوله: "إن هناك وظيفة هامة على عاتقنا نحن كمسلمين، وهي مكافحة البيئة، التي يتّخذها داعش والقاعدة وبوكو حرام والتنظيمات الأخرى المشابهة، أرضية لها"، ونوّه بأن تلك التنظيمات تُلحِق الضرر الأكبر بالمسلمين، من خلال استغلالها المفاهيم الإسلامية، وقال: "إنها لم تنجز إلى اليوم أي شيء لصالح المسلمين في المناطق التي تسيطر عليها، سوى خلق فرص لتدخل القوى الأخرى، وفي حال لم نتمكّن من الوقوف في وجه هذا المشروع، ستتواصل تلك التدخلات في منطقتنا أمام أعيننا". وأضاف: "إن المسلمين لا يمكنهم حمل هذا الهوان أكثر، وعليهم أن لا يحملوه، وينبغي علينا أن نعمل سويّة ونبذل جهداً كبيراً، لنشر هذا الوعي وتقويته في العالم الاسلامي".


                                     هل هناك وصفة سحرية لهزيمة الإرهاب؟ نعم؛ ولكن.!!
منذ أحداث 11سبتمبر 2001 تعاظم الحديث عن الإرهاب، وأصبح مصطلح "الحرب على الإرهاب" في وسائل الإعلام الغربية وعلى ألسنة السياسيين هو سمة العصر.. وبالرغم من أن تداول مصطلح "الإرهاب الإسلامي" لاقى احتجاجاً في العالمين العربي والإسلامي وبين جالياتنا المسلمة في الغرب، بدعوى أن "الإرهاب لا دين له"، إلا أن المفكرين الغربيين وكذلك بعض السياسيين في أمريكا وأروبا ما زالوا يعتمدون استخدام هذا المصطلح، وهو ما يستدعي رفضاً إسلامياً؛ لأن الغرب لا يقبل التعاطي مع مصطلح الإرهاب المسيحي أو اليهودي على الآخرين، مما يجعل المسلمين ينظرون إلى ذلك من باب النفاق وسياسة الكيل بمكيالين.


الإرهاب اليوم يضرب في كل اتجاه، ولا يستثني أحداً من أصحاب الديانات الثلاث؛ الإسلامية والمسيحية واليهودية. وإذا أمعنَّا النظر في الدواعي والأسباب التي تقف خلف هذا الإرهاب، فإننا نجد بأن هناك ما يغذي هذه الحالة من الغلوِّ والتطرف، مسئول عنها جهات إسلامية وأخرى غربية.. نعم؛ هناك ثقافة إسلامية متطرفة تطرح لغة العداء والكراهية وتغذي رغبات الانتقام بدل التعايش والرحمة والتسامح تجاه الآخر، وترى في الغرب شراً مستطيراً لا لقاء معه ولا بقاء، وتعده مسئولاً عن كل ما يجري في بلاد العرب والمسلمين من كوارث ومجازر ونكبات، وتكريس للأنظمة الطاغية المستبدة، وتغييب للديمقراطية وحقوق الإنسان، وأيضاً بالتغطية على ما تقوم به إسرائيل من احتلال وعدوان مستمر على الفلسطينيين، والتي تعتبر قضيتهم هي القضية المركزية والهمَّ الأول للأمة الإسلامية، والتي من خلالها تتشكل رؤية العرب والمسلمين الدينية والسياسية ونظرتهم للمجتمع الدولي والعالم الغربي.


إن الوصول إلى حالة من الإجماع الأممي لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه إلى غير رجعة، توجب على الغرب أن ينهي ملف الاحتلال الإسرائيلي، ومساعدة الفلسطينيين في إقامة دولتهم الحرة والمستقلة، والثانية هي دعم مسار التحول الديمقراطي في المنطقة، وإشاعة أجواء التعايش والتسامح الديني بين الشعوب والأمم، واحترام الأديان والمقدسات وحرمة الإساءة للرموز الدينية كالأنبياء والرسل عليهم السلام.
إن الاستخدام الخطأ لمصطلح الإرهاب، وإطلاقه على تيارات إسلامية معروفة بالوسطية والاعتدال وتنبذ العنف كالإخوان المسلمين، هو ما يجعل هذا المصطلح يفقد قيمته، ويمنعنا كإسلاميين من الإيمان بجدواه.


إن القضاء على ظاهرة الإرهاب يتطلب أن يكون الإسلاميون هم رأس الحربة في محاربة الظاهرة فكرياً، وليس توجيه الاتهام لهم. إن البداية الصحيحة للتحرك هي في تولي التيار الإسلامي من أهل الوسطية والاعتدال توجيه البوصلة، عبر توعية جيل الشباب بخطورة هذا الفكر المنحرف الموسوم بالغلوِّ والتطرف على رسالة الإسلام، التي جاءت بالرحمة للعالمين، وتطالبنا بالتعامل مع الآخرين ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك الانفتاح على أصحاب التيار السلفي الجهادي، والدخول معهم في حوارات فكرية لتصويب ما هم عليه من رؤية ليس عليها إجماع بين علماء الأمة.


هذا من جانبنا كمسلمين، أما ما هو مطلوب من الغرب والمجتمع الدولي فهو عدم الاصطفاف مع الأنظمة المستبدة في منطقة الشرق الأوسط، ونزع الشرعية عن كل من لا يحترم العملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ووضع حدٍّ للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وإنهاء مظلوميتهم، والبحث عن حلٍّ عادل لقضية اللاجئين كما جاء في القرار الأممي 194.
إن غياب المعالجة الفكرية لظاهرة التطرف والإرهاب، واستمرار السياسة الغربية في تجاهلها لحل مشاكل المنطقة، وتغطيتها على مظاهر الفساد والدكتاتورية والظلم والاستبداد، فإنه سيؤدي إلى المزيد من المجازر ورغبات الانتقام، التي لن تسلم منها حواضر الغرب وعواصم الشرق. وقد أشار دومينيك دوفيلبان؛ رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، قائلاً: "أنا أؤكد بأن الإرهاب هو بسبب سياسات الغرب الخاطئة تجاه الآخرين".


ومن الجدير ذكره، هو أن الأغلبية الساحقة من المسلمين - اليوم - تتبرأ من تصرفات تنظيم الدولة (داعش)، وترفض العمليات التفجيرية بحق المدنيين في أي مكان، بل وترفض منطق كافة الجماعات المتطرفة والمتشددة وخطابها، وتؤكد أنها ليست من الإسلام، وقد أدان الإرهاب الكثير من علماء الدين المسلمين.


                                        ختاماً: الاحتلال هو الوجه الآخر للإرهاب
إن معظم من تعرضوا لظاهرة الإرهاب الشرق أوسطي بالرأي والتحليل أشاروا إلى أن أحد أسبابه ودواعيه هو الاحتلال الإسرائيلي ومظلومية الفلسطينيين، وأن كبح جماح الظاهرة يتطلب استقرار الحالة السياسية في المنطقة، وذلك بقيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة، وردع العدوان الإسرائيلي المتكررة على قطاع غزة.
إن الغرب مطلوب منه - كذلك - الوقوف إلى جانب الشعوب المقهورة، وعدم الاصطفاف إلى جانب أنظمة القمع والدكتاتورية، وعليه أيضاً تعزيز نشر الديمقراطية في دول العالم الثالث والتأكيد على الحريات والقيم الإنسانية.
إن الإرهاب غدا سلوكاً منبوذاً عند الجميع، ولا يجد لمنطقه – اليوم - قبولاً حتى في بلاد العرب والمسلمين، وإن دعم الإسلام المعتدل الذي يمثل التيار الوسطي - كالإخوان المسلمين - هو ما سيؤدي إلى تجفيف منابع الغلو والتطرف، والتعجيل بالقضاء على الإرهاب وتحجيم شعبية مناصرية.


المستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية