منذ أن وقع الانقسام في يونيه 2007 والمحاولات لرأب الصدع لم تتوقف، مقالات كثيرة كتبتها شخصيات وازنة تحذر من مخاطر استمراره على مستقبل مشروعنا الوطني ونسيجينا الاجتماعي، ومبادرات فصائلية عدة تم طرحها دون جدوى، والرسميات العربية والإسلامية دخلت هي الأخرى على خط المصالحة، ولكننا لم نساعدها على النجاح، حيث ركب كل طرف رأسه، واعتمدت كل جهة أسلوب التخطئة للجهة الأخرى، وسادت لغة المناكفات أحاديثنا الإعلامية، وبصراحة "مفيش حد حاطط واطي لحد"، كما نقول في أمثالنا الشعبية.
إن سنوات الانقسام تمر بطيئة بأوجاعها وأحزانها، حيث الحالة الإنسانية والحياة المعيشية تزداد تعقيداً وبؤساً، والمعاناة تضرب أطنابها في كل مكان بقطاع غزة، ولا أمل – على مستوى الوطن - يلوح في الأفق لمخارج أو حلول، فإسرائيل تعمل على تأبيد الانقسام، والغرب لم يعد لديه ما يلتفت إليه غير محاربة الإرهاب، وعمقنا العربي والإسلامي - كان الله في عونه – فهناك ما يشغله من الصراعات الداخلية أو مع دول الجوار، حيث أصبح تنظيم الدولة (داعش) هو اليوم عنوان المرحلة، وتأخرت بذلك القضية الفلسطينية إلى ذيل القائمة في الاهتمامات الإقليمية والدولية.
ومع كل هذا التراجع والأوجاع وأنين الشارع الفلسطيني لا يبدو أن قياداتنا السياسية تعي مخاطر هذه الحالة وعقابيلها، وتتصرف وكأن كل شيء - للأسف - يمضي طبيعياً، وما علينا إلا التكيّف مع واقع الحال وأحزان المآل!!
مجموعة المائة: محاولة متواضعة لتحريك الوضع
منذ يونيه 2007، كانت هناك أكثر من لجنة وهيئة ومجموعة وطنية حاولت أن تلعب دور "حلف الفضول"، لإصلاح ذات البين بين خصوم السياسة في فتح وحماس، وكانت هذه الهيئات المتعددة التي تحمل عناوين تشير إلى طبيعة مهمتها الهادفة إلى جسر الهوة وجمع الصف، ومنها هيئة الوفاق الفلسطينية، والتي جمعت في صفها شخصيات وطنية وإسلامية معتدلة، وحاولت عبر مساعيها الحثيثة تقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة، ولكنها عادت بخفي حنين. ومع أجواء الاحباط، فقد فضل بعض تلك المجموعات الاستسلام والتنحي جانباً، وذلك بعد إدراكه أن القضية غدت أكبر وأعقد من أن تأتي حلولها على أيدٍ فلسطينية، حيث صارت لها ذيولاً إقليمية وتتطلب موافقات دولية، وأضحى لكل طرفٍ حساباته ومرجعياته التي تحركه في السر والعلن.
في ظل تعقيدات الحل هذه، ومع اشتداد أزمة غياب الحكومة، وحالة الانسداد القائمة، يتحرك البعض بأمل تقديم اعتذار إلى الله واعتذار إلى الناس، بأننا نحاول ونبذل الجهد لتحريك الأمور وجمع الصف، وهذا هو الحد الأدنى من العمل بدل النقد وتوجيه الاتهامات. من هنا، جاءت هذه المحاولة لمجموعة المائة (الحكماء سابقاً) لتنشيط بعض الشخصيات الاعتبارية للقيام بواجبها والتحرك بجهد الاستطاعة والكلمة الطيبة لتوصيل نبض الشارع لقيادات الفصائل - وعلى رأسها فتح وحماس - بأن الحالة بلغت درجة الغليان، وأن الحزام بلغ الطُبيين، والانتظار على هذا الحال معناه الانفجار.
إن مجموعة المائة ليست أكثر من صوتٍ ناصحٍ أمين لإخواننا في حركتي فتح وحماس بأن الانتظار بات يشكل خطراً على الجميع، وأن القضية الفلسطينية بدأت تفقد زخمها، وهذا يمنح إسرائيل اليد العليا لممارسة مخططاتها الاستيطانية، والتوسع على حساب ما تبقى لنا من أرض نتطلع لإقامة دولتنا الفلسطينية عليها، إلى أن يتحقق العدل والفتح المبين.
إن أهداف مجموعة المائة وكما جاء في وثيقة الانطلاقة يتمحور حول النقاط التالية:
- العمل مع فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني على اختلاف توجهاتها للانخراط في عملية الضغط على طرفي الانقسام .
- التنسيق مع المؤسسات العلمية والمجتمعية كالجامعات والمعاهد ومؤسسات المجتمع المدني، لتطبيق برنامج لقاءات مباشرة لطلبتها، لتعزيز الوحدة الوطنية، وضرورة العمل على استعادتها باعتبارها الضامن لمستقبل وطني لتلك الشريحة الهامة.
- العمل مع الفصائل والقوى السياسية لتقريب وجهات النظر بين طرفي الانقسام .
- التوضيح للرأي العام مخاطر الانقسام على المشروع الوطني .
- التواصل مع أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني والشتات لتعزيز دورهم في مشروع الوحدة الوطنية، وإعادة الهيبة لمشروعنا الوطني وحفظ ثوابتنا الوطنية.
- التواصل مع أصدقاء الشعب الفلسطيني ومؤسسات التضامن مع قضيتنا لتعزيز الوحدة وانهاء الانقسام .
- التواصل مع متضرري الانقسام، وحثهم على لعب دور متقدم في المصالحة المجتمعية، والوقوف إلى جانبهم وحمل مطالبهم العادلة .
ختاماً: إشارة تنبيه للفت الأنظار
إن مجموعة المائة هي مجرد محاولة لقرع أسماع طرفي الانقسام بأن استقرار الوضع لن يدوم مع تردي أحوالنا السياسية والمعيشية وتشظي جغرافيا الوطن، نحن كمجموعة تمثل الكل الوطني والإسلامي عبارة عن إشارة تنبيه للتحذير من مخاطر ما هو قادم، فقطاع غزة - في النهاية - هو اليوم برميل بارود قابل للانفجار.


