هذا العنوان هو نص ما قاله رئيس تحرير مؤسسة إعلامية عربية لمراسله المقيم في دولة أجنبية، عندما لاحظ أن هذا المراسل ينشر على وسائل التواصل الإجتماعي آراءه الشخصية في مواضيع وقضايا سياسية لا تنسجم مع الخط التحريري لتلك المؤسسة.
قبل سنوات قليلة قررت إدارة CNN الأمريكية طرد المذيعة والصحفية لبنانية الأصل أكتافيا ناصر لنشرها تغريدة على تويتر فسرت بأنها نقد ل "إسرائيل"، مع أن ناصر ليست معروفة بحماسها للفلسطينيين وقضيتهم. واضطرت BBC إلى سحب مراسلتها في قطاع غزة باربرا بليدت خلال الثمانينات بعد حملة كاسحة لأنصار إسرائيل في بريطانيا على خلفية تأثر الصحفية بمشهد أطفال قتلتهم إسرائيل وظهورها على الكاميرا وقد اغرورقت عيناها بالدموع.
وعام 1999 قررت BBC أيضاً وقف صحفي في القسم العربي عن العمل وتعويضه سراً مقابل عدم اللجوء إلى القضاء، لظهور صوته في نص استخدمه موقع ألكتروني سعودي معارض. وعام 1991 أثناء حرب ما سمي ب "عاصفة الصحراء" أو حرب تحرير الكويت قررت إدارة محطة NBC الأمريكية طرد مراسلها في العراق بيتر آرنت بسبب تصريحات انتقادية لأداء القوات الأمريكية للتلفزيون العراقي قال فيها "إن الرئيس بوش يواجه تحدياً متزايداً بشأن إدارة الحرب وبسبب المعارضة للحرب من قبل الأمريكيين".
معظم المؤسسات الإعلامية تحظر على الصحفيين العاملين فيها نشر مقالات أو التعبير عن وجهات نظر أو أفكار تتعارض مع سياستها التحريرية في أي وسيلة إعلام أخرى سواء كان ذلك بأجر أم بغير أجر. وباتت المؤسسات الإعلامية تصمم عقود الموظفين فيها بحيث تتضمن شرطاً من هذا القبيل، حتى يترتب على إخلال الصحفي بهذا الشرط إيقافه عن العمل في المؤسسة دون ملاحقتها قضائياً.
ولا يوجد استثناء من هذه القاعدة سواء كانت وسيلة الإعلام عربية أو أجنبية، رسمية أو مستقلة، حزبية أم ليبرالية. هل يستطيع صحفي في فوكس نيوز مثلاً أن ينتقد الإعدامات الميدانية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين أو حتى مصادرة أراضي الفلسطينيين رغم أن فوكس نيوز الأمريكية تتخذ من عبارة (صحافة عادلة ومتوازنة) شعاراً لها؟! قد يعترض بعض الزملاء بضرب أمثلة لبعض الصحفيين الذين يكتبون في وسائل أعلام مطبوعة وهم في نفس الوقت يعملون في أجهزة إعلام ألكترونية، ويعبرون أحياناً عن آراء أكثر حدة مما يصدر عن مؤسساتهم المتعاقدين معها.
هذا الأمر موجود لكنه نادر الحدوث، ويتم بناء على ترتيب خاص توافق بمقتضاه المؤسسة على منح الصحفي استثناء خاصاً لكي يكتب أو ينشر في وسيلة إعلام أخرى آراء لا تتناقض مع خط المؤسسة التحريري. مسموح أن تكون أكثر أو أقل حدة ولكن في نفس اتجاه المؤسسة وليس بعكس سياساتها.
نادراً ما يتم مناقشة هذه القضية في وسائل الإعلام والسبب هو ذاته، الخشية من العواقب!. هذه القضية تطرح أسئلة لا نهاية لها عن حرية الإعلام، ومدى ارتفاع سقف الحرية الذي تعمل تحته الوسيلة الإعلامية، وهل الصحفيون مجرد حرفيين مستعارين من قبل المؤسسة لتنفيذ خطها التحريري والتعبير عنه و ترويجه للجمهور؟ أم أنهم أحرار في التعبير عن قناعاتهم ووجهات نظرهم في القصة التي يغطونها، وإلى أي مدى؟! كما أنها تضع مواثيق العمل الصحفي العالمية والمحلية على المحك، وهي المواثيق الأخلاقية التي تطالب الصحفي بالعمل لصالح الحق والعدل والإنسانية.
كما أنها تضع الصحفي وجهاً لوجه مع نفسه، فهل هو صاحب قضية يستخدم مهاراته المهنية للتعبير عنها والترويج لها وتقديمها للجمهور، أم أنه ترس صغير في آلة إعلامية لها خط تحريري ينطلق من سياسات غير قائمة على الأولويات السياسية والتجارية وليس على مباديء أو قيم إنسانية.


