على هامش مشاركتنا في مؤتمر عام في الأردن الشقيق جمعني لقاء هام مع اخ عزيز من قيادات حركة النهضة التونسية ورئيس كتلتها البرلمانية داخل البرلمان التونسي ،، استمعت باهتمام شديد – كنت بحاجة لشرح مستفيض – حول تجربة حركة النهضة التي حكمت تونس بعد اول انتخابات تونسية حرة ثم خرجت من الحكم بعدما فشلت في الانتخابات الثانية من الحصول على الأغلبية البرلمانية ، وكانت في حينه القوة الثانية بعد فوز حركة نداء تونس ،، هذه التجربة الهامة والانتقال السلمي للسلطة من حركة " إسلامية " الى حركة منافسة لها دونما مشاكل او إشكاليات ،، دفعني للتعرف على فكر وسياسة هذه الحركة الرائدة وقد اثلج صدري ما سمعته من هذا المسئول ومدى الرقي في التفكير السياسي والتعاطي مع النتائج ..
بدأ صديقي بالحديث حول شعار الشيخ راشد الغنوشي الذي رفعه بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة وهزيمة حركة النهضة بقوله " خسرت النهضة وربحت تونس " ، هذا الإقرار بالهزيمة يعطي فهما حديثا مهما في التعاطي الإيجابي المسئول مع نتائج الانتخابات بدون تشكيك او مكابرة ، وهو اختبار حقيقي للإيمان الصادق باللعبة الديمقراطية التي تفرض عليك ثقافتها ان تقبل بالنتائج لأنها صوت الشعب الحقيقي ،،
يقول صديقي أن حركة النهضة لم تكابر في تقييم تجربتها في الحكم قبل الانتخابات الأخيرة والاقرار بأن حكم النهضة في سنواته الثلاث فشل في تحقيق التطور والازدهار التي طمح اليها بل كان الاعتراف بفشل تحقيق الشراكة السياسية وتحقيق الاستقرار في تونس واستمرار التظاهر ووقوع بعض حالات الاغتيالات لقيادات نقابية واستمرار حالة القلق من حكم حركة النهضة ، بالرغم من وجود أصوات داخل الحركة كان لها رأي بأن الحركة أفشلت ولم تفشل ،، وبناء على ذلك فقد قررت الحركة انها لن تنفرد في الحكم مهما كانت نتائج الانتخابات لصالحها ،، وأكد ان الشعب عندما يمنح ثقته فهذا لا يعني بالضرورة ممارسة الحكم بشكل مباشر بل ان الشعب يمنحك القوة لتقرر الوسيلة الأفضل لتحقيق الحياة الكريمة وتحقيق العدالة المجتمعية .
وعلى هذا الأساس عندما فازت حركة " نداء تونس " في الانتخابات الأخيرة وحصولها على المرتبة الأولى بفارق بسيط عن حركة النهضة ، قامت حركة النهضة بالترحيب بالنتائج وتهنئة الحزب الفائز وكان الشعار الكبير " خسرت النهضة وربحت تونس " ،، ولكن بعد صدور النتائج شعرت القيادة في حركة النهضة ان بقاءها في معسكر المعارضة سيلقي عليها مهام كبيرة ليست اقل من مهمات الحكم ذاته ،، فكان القرار المشاركة بالحكومة حسب ما يراه الحزب الحاكم بالرغم من شدة الخلاف بين أطراف حزب نداء تونس وحركة النهضة ،، وكان العرض " الغير منطقي وفقا لموازين القوى داخل البرلمان " بحصول حركة النهضة على وزارة واحدة غير سيادية ،، ووافقت حركة النهضة لتكون جزءا من الحكومة وتساهم في عملية الاستقرار .. وهذا ساهم الى حد كبير من تشكيل حالة جماعية لصالح البناء التونسي ..
وقبل اشهر بسيطة حصل خلاف داخل الحزب الأكبر " نداء تونس " وانشق عنه اكثر من 20 نائبا لتعود حركة النهضة الحزب الأكبر داخل البرلمان ،، ومع ذلك توجهت قيادة الحركة للرئيس السبسي عارضة عليه ان يتصرف وفقا لمصلحة تونس ، فكان رده أن مصلحة البلاد تقضي بعدم حدوث أي تغيير في تركيبة الحكومة والبرلمان ،، ووافقت الحركة على ذلك حرصا على مواصلة حالة الاستقرار في البلاد .
وهكذا كانت هذه التجربة أساسا ومدرسة في تقديم المصالح العامة على المصالح الحزبية الضيقة ،، وان الأصل في العلاقات السياسية هو تحقيق المصلحة الوطنية العليا بعيدا عن الحصص الضيقة والاخذ بقشور العملية الديمقراطية واستخدام مصطلح " الشرعية " في غير موضعه بحجة الحصول على عدد من المقاعد في البرلمان صغيرة او كبيرة ..
ما سمعته عن هذه التجربة الرائعة يعطينا الامل ان الفهم الحقيقي للديمقراطية والحكم يمكن ان يتطور عند الأحزاب والحركات التي نجحت في التأثير والوصول الى نسبة كبيرة من تأييد الشعوب ،، الشعب عندما يعطيك صوته يمنحك ثقته في ان تتصرف وفقا لتطلعاته في الحياة الكريمة وليس شرطا ان تحكمه بشكل مباشر .
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
www.imadfalouji.ps


