خبر : الثورة على أبو رجل مسلوخة !! بقلم : محمد يوسف الوحيدي

الخميس 10 مارس 2016 04:05 م / بتوقيت القدس +2GMT
الثورة على أبو رجل مسلوخة !!  بقلم : محمد يوسف الوحيدي



 

الوهم و تعطيل العقل ، و إطلاق العنان للحواس و الأهواء ، و الأماني و الرغبات ، هي الحل الأمثل لكافة عوارض حياتنا ، و مشاكلها .. أعتقد أن مشرقنا العربي هو أكثر بقاع الأرض و شعوبها إصابة بهذا الداء ، بمراجعة سريعة لتراث و أغاني و قصص و فولكلور شعوبنا العربية و الشرقية ، يبدوا بشكل واضح أن هذا " الوهم " هو عارض مستفحل ، و مصاحب لنا ، يبني شخصيتنا و أسلوب حياتنا و ينعكس على مناهج إستقبالنا و تفاعلنا مع الأحداث و الأشياء من حولنا ..

و هناك نوعان من ( الوهم ) الأول للردع و التخويف ، و الثاني لبث الصبر و القوة و الأمل و التشجيع الزائف ، فهو صبر بلا طول و لا حول ، و أمل إتكالي ، و تشجيع على الإنتظار بلا عمل و لا مبادرة ، و تبدأ عملية حقن الوعي بالأوهام منذ الطفولة ، بقصص خيالية و شخصيات وهمية، و ما تلبث أن تتسرب هذه القصص و الأهازيج و أغاني التنويم ، إلى عقيدتنا  و رواياتنا  المقدسة لتخدم مصالح إجتماعية و سياسية .. فبدلاً من الأم التي كانت إما تهدد بالغول إن لم نأكل أو نغسل يدينا أو نكمل واجباتنا ، أو تهدهد و تربت علينا بقصص قبل النوم لتطمئننا بحلم جميل وردي و بالعصاة المسحورة و الفيل الطائر .. تأتي الأحزاب و التيارات السياسية ، لتقوم بنفس الدور ، ترهيب و ترغيب ، إن لم نسمع كلامها فياويلنا من حاضر معتم و مستقبل نكد ، و إن سمعنا كلامها ، فيا فرحتنا و يا رغد عيشنا في ظل عدالة و مساواة و فرح و نمو .. و ترتدي هذه الأحزاب أوجه مختلفة تتناسب و طبيعة البيئة ، إما وجه الإشتراكية و العدالة الإجتماعية و التحرر إن كان البيت ضيقاً و نحلم بالثراء ، أو ثوب الطهارة الدينية و القداسة السماوية إن كنا ننتمي إلى أسرة متدينة محافظة في الأصل .. و أحيانا بسخرية ما بعدها سخرية ، تجدهم يلسون قناعاً بكل الألوان  .. ديمقراطي ديني ، علمي لاهوتي إشتراكي .. و بما أننا مهما كبرنا نظل في عيون الأحزاب و المُتَسلطين أطفالاً ،  سنثقُ بهم و بكل ما يسردون علينا من " حكاوي " ..

فالبُعبُع و العَوْ و أبو رِجل مسلوخة و هي حكايات لاخافة و ردع الأطفال الأشقياء ، تتحول في الكبر إلى الخوف من المؤامرة ، و الإستعمار ، و التحالفات ، و الأقطاب .. و الخوف من الإنفتاح على ثقافات و عوالم ، بل و الإنكماش ليس فقط الذهني و الثقافي بل حتى المظهري القشري ، في الملبس و المأكل و المشرب ..

 

و عروس البحر الباعثة للأمل  ، و الساطور المسحور ، و بلاد العجائب و علي بابا و مغارته المليئة بالذهب و الياقوت و المرجان ، تتحول بعد سنوات و بعد أن نكبر إلى الحل الديمقراطي الذي سيأتينا من وراء الأفق و البحار ، و الثورة الإجتماعية التي ستأتينا لتغير حياتنا، و نعيش في بهجة و سرور و نخلف أولاد و بنات و نعيش في ثبات و نبات .. ومن ثم نستمرئ و نستسهل ، و نعتاد تدخل الأمريكي في شاننا و القتال لتحرير أرضنا ، و ننسخ دساتيرهم و تجاربهم و قوانينهم ، بل و أشكالهم و ملابسهم و وصفات أكلهم و شربهم .. نسخ المقلد و ليس إستمزاج المفكر ، تبعية وليس فهماً و إستفادة من تجربة ..

بل إننا طَوَّعنا  و حَقنَا حتى الدِّين بهذه الأوهام ، و الخرافات ، ليصبح الدّين خادماً لنا و لأَهوائنا بدلاً من أن نكون نحنُ خَدَماً للدِّين ، و سواء أكانت هذه الأوهام ، و التَّعلق بشخص غَيبيّ قادم ، مُخَلِّص ، أو مُنتَقِم ، أو لعنَة قادمة ، أمل أو يأس ، يتربص بنا ،من ذلك مثلاً الإعتقاد بالمهدي المنتظر ، ونرى أن منشأ هذه البدعة ( و أصلها يهودي)  ما هي إلا  تبرير و تصويغ لإستقالتنا من القيام بدورنا الإصلاحي الإعماري للدنيا  قال الله تعالى:" هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا "(61) سورة هود ، و من دورِنا التَاريخي ، عَلينا أن نجلس و أن ننتظر لأن الله تبارك و تعالى سيبعث شيئاً ،أو حالة ، أو رجلاً يتكفل بإصلاح كل شئ بالنيابةِ عنا ، أو سَيقلب الدُنيا راساً على عَقِب ( بدءاً من قصص الأطفال حول أمنا الغولة و الشبح وإنتهاءً بالدجال ) ، هذه الحالة ، اصبحت " سليقة" أصبحت من مُكونات التفكير التلقائي لدينا  ، و هي بلا شك ، من صنائع الهوى و الضرب في الغيب ، و لا أصل لها سوى الهرطقة و الهذيان و إنعدام العقل ..

نحن في حاجة إلى ثورة من نوع جديد ، ثورة تصحيح مفاهيم ، ثورة ثقافة تعيدنا إلى الجذور الصحيحة ، غير تلك التي علقت بها الأدران و تعفنت بفعل ما زحف إليها من خزعبلات و تسرب إليها من أوهام و اساطير .. وهذه الثورة ليست بالأمر الصعب ، و لا تحتاج إلى تخطيط و تنسيق و خلايا و قيادات ، إنها تحتاج إلى الفرد ، فقط الفرد منا ، أن يصحوا ، و يقرر الثورة ، أن يُعمل عقله ، و يُمارس حقه في المعرفة  ، و يسعى إلى غرض وجوده ، الإستخلاف في الأرض ، بعمارتها ، بسلطان العلم و التفكر و التدبر ، و أن يترك أمنا الغولة و ما بني عليها إلى كتب التاريخ تحاكمها ، و تنفيها بين دفافها ، و يبدأ كل واحد منا ، بفتح كتاب المستقبل ، يفتح عقله ، و قلبه  ليفهم ، و يتدبر و يحكم .