خبر : حذر وتشدد إسرائيلي يقابل الهرولة التركية ..اسماعيل مهرة

الأربعاء 09 مارس 2016 03:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
حذر وتشدد إسرائيلي يقابل الهرولة التركية ..اسماعيل مهرة



غزة سما أخبار المصالحة التركية الإسرائيلية التي كثر تناولها في الإعلام بالأسابيع الأخيرة، بل وحتى على لسان القيادة الأولى لحركة حماس؛ تثير فضول الفلسطينيين عامة وأهل القطاع على وجه التحديد، الأمر الذي يجعل خبرها من بين الأخبار الأكثر قراءة لارتباطه الشرطي أولًا في عقول الكثير بمسألتي رفع الحصار والميناء الذي سيؤمن حرية الوصول البحري من وإلى القطاع، وثانيًا لما تعكسه هذه المصالحة - إن تحققت - على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة إسلامية "سنية" هامة، قيل إنها تمثل أحد أهم أركان مشروع نهضة الأمة الإسلامية، وطالما تغنت قيادتها بالدور التركي الإقليمي في مناصرة القضايا العربية، ولأن هذه المصالحة تمثل تحول جيوسياسي إقليمي هام مكمل على ما يبدو للتحولات والتغييرات التي تمور بها المنطقة، والتي بدأت تفرز تحولات في مركز القيادة العربية لصالح السعودية ودول الخليج التي لم تعد تخفي التحولات في سياساتها تجاه إسرائيل؛ هذا التغير في السياسية التركية تجاه إسرائيل المتماهي مع توجهات "المحور السني المعتدل" المتمثل في دول الخليج، بالإضافة للأردن ومصر، لخصه تصريح أردوغان المتعلق بحاجة تركيا والمنطقة لإسرائيل.

ومن اللافت للنظر أن الأخبار التي تحمل التباشير عن التقدم في مفاوضات المصالحة تأتي من المسؤولين الأتراك أو الفلسطينيين، حتى إن الإعلام الإسرائيلي يستقي مصادره الخبرية عن التقدم في مسار المصالحة مما ينشره أو يصرح به المسؤولون الأتراك أو الفلسطينيون، وفي ذلك إشارة ربما تعكس تبدل الدوافع السياسية المتعلقة بالمصالحة لدولتي تركيا وإسرائيل، ففي حين كانت إسرائيل سابقًا تهرول للمصالحة مع تركيا قبل سنوات، وكانت على استعداد لأن "تقلب كل حجر" تقريبًا في سبيل إعادة الحياة الى القنوات الديبلوماسية والأمنية كما كانت في السابق؛ باتت تركيا اليوم هي الطرف المهرول للمصالحة مع تل أبيب، وتستعد للذهاب بعيدًا في تقديم التنازلات بشرط ان تستطيع ان توفي بالتزامها الكبير تجاه القطاع، فرفع الحصار عن القطاع أو أي تنازل من تل أبيب تجاه رفع الحصار يمكن تسويقه كرفع للحصار، ينظر إليه في أنقرة على انه هدف سياسي عظيم تحتاجه في هذه الظروف، وهو هدف من جانبهم يستحق ويبرر كل جهد.

وكان من المثير للدهشة والاستغراب ان يبادر وزير خارجية تركيا لأن يعلن أثناء دخوله لاجتماع الحكومة التركية عن التقدم في المفاوضات، وكان أمر إعادة العلاقة مع تل أبيب يحتل أولويات السياسة التركية، ويبدو انه فعلًا كذلك، ونحن نستبعد ان يكون حصار غزة هو العامل الرئيس الدافع لأولويات السياسية التركية تجاه تل أبيب، كما ليست تعويضات العشرين مليون دولار؛ لكن الأتراك يحتفظون بدوافعهم الأخرى "الرئيسية" سرًا باعتبارها مصالح قومية عليا.

وبعيدًا عن التخمين والغوص في الدوافع التركية للمصالحة مع تل أبيب، يمكن وبدون عين متفحصة رؤية المأزق التركي في الساحة السورية، والمتمثل بالتدخل الروسي وتقدم قوات نظام الأسد، والأهم انفجار القضية الكردية في وجه الأتراك وعلى جانبي الحدود، والعلاقات التركية المأزومة مع جميع دول جوارها تقريبًا، والتقدير التركي أن إسرائيل لاعب إقليمي مهم له تأثير قوي في الساحة السورية وله علاقات سياسية وأمنية قوية مع كردستان العراق، وهي لاعب بات يملك غازًا، ويلعب دورًا تعزيزيًا، ومساعد كبير لأعداء تركيا التقليديين قبرص واليونان، وفي ظل قطيعة العلاقات التركية الإسرائيلية تشكل حلف مقلق للأتراك بين كل من إسرائيل ومصر وقبرص واليونان، علاوة على أن تركيا ترى في إسرائيل حليفًا لها وللمحور السني العربي ضد الدور الإقليمي الإيراني، وربما تطمح تركيا أيضًا في التأثير على العلاقة "الحميمية" بين تل أبيب ونظام السيسي للتخريب على الأخير.

بينما لتركيا دافع كبيرة لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب؛ فإن لنتنياهو - يعلون دوافع لإهمال الملف التركي أو على الأقل التمهل والتروي وعصر المزيد من الليمونة التركية، ولإسرائيل شهية كبيرة على عصر كل من يأتيها ضعيفًا، وهي تجيد ذلك جيدًا، وكانت تصريحات يعلون - الممثل الأعلى للمصالح الأمنية الإسرائيلية - المنددة بالسياسات التركية في اللحظة التي كانت تركيا فيها تمد يدها للتطبيع مع تل أبيب مؤشرًا كبيرًا على تغير الأولويات الإسرائيلية تجاه تركيا، مؤشر على التحفظ الإسرائيلي من تقديم أي تنازلات كبيرة لتركيا، حيث قام يعلون - ومن على أهم المنابر الدولية في ثلاث خطابات له على التوالي - بتوجيه اتهامات لتركيا بدعم الإرهاب وتمويل "داعش" وتبني الرواية الروسية عن علاقة تركيا بـ "داعش"، والغريب ان تصريحات يعلون لم تغضب أردوغان، ولم نسمع رد أردوغاني مزمجر عليها، كما هي عادته دومًا في الرد على الاتهامات الموجهة لتركيا.

في تقديرنا ان لإسرائيل أسبابها في التحفظ من التصالح مع أردوغان بثمن سياسي ما، وهي لا تنحصر فقط برغبة الثأر والتشفي من أردوغان المكروه جدًا في إسرائيل؛ بل لأسباب كثيرة من بينها:

- الربح الإسرائيلي من عودة العلاقات مع تركيا محدود جدًا بتقدير تل أبيب، حيث ان تل أبيب تعتقد ان حزب الحرية والعدالة بزعامة أردوغان الذي يسيطر على الحياه السياسية التركية لن يسمح أبدًا بعودة العلاقات الحميمية السابقة بين تل أبيب وأنقرة، وأن الرغبة التركية في عودة العلاقات هي رغبة مؤقتة ناتجة عن ظروف ضعف تركية ربما تكون مؤقتة، وسرعان ما ستعود تركيا لسياسات أردوغان السابقة ضد تل أبيب، وأن تركيا هي المستفيد الأكبر من عودة العلاقات الرسمية.

- التمسك التركي بمطلب رفع الحصار عن غزة أو التوصل لصفقه قريبة من ذلك، أي تنازل إسرائيلي كبير لصالح حركة حماس دون ان تتلقى إسرائيل تعويضًا بالمقابل موازيًا لهذا التنازل، لا من قبل تركيا ولا من قبل حركة حماس، التي من وجهة نظر نتنياهو - يعلون لن تغير سياساتها وتوجهاتها الأمنية المعادية لإسرائيل؛ الأمر الذي سيجعل أي تنازل مهم لها سيكون له تداعيات سياسية وأمنية مستقبلية لا يستطيعان تحمل تبعاتها، بالإضافة لتأثير ذلك على مستقبلهم السياسي، هذا فضلًا عن القيود الإقليمية والدولية التي تطالب نتنياهو بالامتناع عن تقديم أي تنازل لحركة حماس يساهم في تقويض مكانة السلطة.

- أي تقارب مع تركيا سيكون له ثمن على علاقات إسرائيل مع روسيا (وعلاقة شهر العسل مع روسيا أهم بكثير من العلاقة مع تركيا) وعلى علاقات إسرائيل مع كل من مصر وقبرص واليونان.

- عودة العلاقة مع تركيا ستؤثر على علاقة إسرائيل مع الأكراد، وستقلل من حرية النشاط الإسرائيلي الكردي الذي يستهدف استنزاف تركيا.

- وفي النهاية يجب ألا يغيب عن ناظرنا ان إسرائيل تنظر الى تركيا باعتبارها قوة كامنة معادية للمشروع الإسرائيلي في المنظور المستقبلي، ومن المفيد جدًا للمصالح الإسرائيلية العليا المستقبلية تعزيز كل ما من شأنه ان يعزز استنزاف تركيا وعدم استقرارها وانشغالها بنفسها وبحروب وعداوات مع الجوار الإقليمي، كما ان تل أبيب تتحفظ من استخدام تركيا (لعودة علاقاتها مع تل أبيب) في تعزيز علاقاتها بالاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية.

لكل ذلك؛ لا نعتقد ان اتفاقًا مهمًا وجديًا بين تركيا وإسرائيل سيتحقق في الأفق المنظور، اتفاق يمكنه ان يرفع الحصار عن القطاع ويكفل فتح المجرى الملاحي البحري من وإلى القطاع، وسيضطر أردوغان الى تأجيل رغبته في التقاط صورة له في ميناء غزة قادمًا من البحر معلنًا نهاية الحصار الى أجل غير محدد؛ مع ذلك فإن اتفاقًا مبهمًا يعيد تبادل السفراء بين البلدين وعبارات غامضة عن رفع الحصار أو تشكيل لجان فنية لدراسة أمر رفع الحصار والترحيب الإسرائيلي بالجهود التركية في إعادة إعمار القطاع، الى آخر كل ذلك، هو اتفاق ممكن.

عن أطلس للدراسات