خبر : المقاومة والإرهاب والصراع على النفوذ ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 08 مارس 2016 07:01 ص / بتوقيت القدس +2GMT




أثار قرار مجلس وزراء الخارجية العرب الذي اعتبر حزب الله اللبناني «منظمة إرهابية» جدلاً ساخناً في الأوساط السياسية والشعبية العربية، وقد توزعت الآراء بين مؤيد ومعارض وغير مكترث.
المدارس الفكرية والسياسية أعادت تكرار استقطابها مع وضد دون أن تضيف أو تنقِص شيئاً من رؤيتها برغم المعطيات والتطورات الهائلة.
ثنائية مانوية، ارتهان لأسود أو أبيض، خير أو شر، وطنية أو خيانة، وينعدم البعد الثالث في قضايا شائكة من نوع دور حزب الله ومكانة أنظمة مستبدة بعد اندلاع انتفاضات شعبية كبرى ضدها.
الإشكالية الأولى في قرار مجلس وزراء الخارجية العرب، تكمن في أن الدول المبادرة بوسم حزب الله بالإرهاب، لها باع طويل في دعم منظمات إرهابية بالسلاح والمال سابقاً والآن، حدث ويحدث في سورية والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن وغيرها.
وإذا ما أضيف إلى ذلك مساهمة هذه الدول في تحويل النضال السلمي الشعبي إلى العسكرة، بالتشارك مع النظام الأسدي الذي بطش بالنضال السلمي ولم يطرح غير الحسم العسكري والحل الأمني للحراك الشعبي الضخم، ضمن هذه المواصفات، فإن الطرف الذي يضع حزب الله في خانة الإرهاب هو نفسه ضالع في دعم الإرهاب، وبهذا المعنى لا يمكن البناء على هذا القرار ولا تأييده بالطبع.
ومن المؤسف أن تصوت فلسطين مع القرار وهي البلد المنكوب الذي ليس له مصلحة في الانحياز للمحاور التي تخوض صراع نفوذ، وفي الوقت نفسه لا يعني أن حزب الله بمواقفه وتدخلاته كان أميناً على سياسة وأهداف ومضامين المقاومة والتحرر.
إذا كان موقع ومكانة حزب الله لا يقررها وزراء الداخلية العرب ولا مجلس التعاون العربي بقراراتهم، فهل نجحت تنظيمات اليسار والتنظيمات والقوى القومية في الدفاع عن مكانة حزب الله؟
إن التدقيق في البيانات الصادرة عن تلك التنظيمات تتفق على أن «القرار يصب في خدمة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية ويدعم استمراره»، ويعبر عن الانحياز للاستعمار الحديث والصهيونية في مواجهة قوى التحرر والروح الوطنية للشعوب العربية»، «ويأتي رداً على فشل المخططات الاستعمارية والرجعية في سورية».
القرار سيضعف من قدرة الشعوب العربية الشقيقة على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه التوسعية»، «ويُمَكِّن إسرائيل من تصفية المقاومة»، «وكان الأجدى التركيز على إدانة الإرهاب الذي يمارسه جيش الاحتلال والمستوطنون» «واعتبار إسرائيل هي العدو الأول للامة العربية».
القرار سينعكس سلباً على نضال الشعب الفلسطيني». ويساهم في توتير الأوضاع الداخلية الهشة في لبنان ويفاقمها»، «و يوسع دائرة الصراع الديني المذهبي ويعمق الانقسامات». القرار يهدف إلى نقل الصراع إلى لبنان».
يلاحظ أن المواقف المدافعة عن المقاومة لا تتطرق من قريب ولا من بعيد لمواقف وسياسات حزب الله ما بعد عامي 2000 و2006، أي ما بعد المقاومة الظافرة، بل إن كل المواقف المعلنة تُثَبِّت حزب الله على تلك المرحلة وتتجاهل ما حدث بعدها، قافزة عن ديالكتيك، «إنك لا تنزل النهر مرتين فإن مياها جديدة تتدفق».
«التثبيت» أحد أخطر أعراض المرض النفسي، أما التثبيت السياسي فهو أسوأ من تثبيت المرض النفسي. لماذا؟ لأن التثبيت كما فعلت البيانات يُظهر قوى اليسار في وضعية التوافق والانسجام والتطابق مع مواقف حزب الله.
كل البيانات والتصريحات خلت من نقد أو عتب أو مناشدة وتمني على الحزب أن يتراجع أو يتوقف، ومن موقع رفاقي.
حزب الله يتدخل في العراق بتدريب تنظيمات شيعية متعصبة ارتكبت مجازر ومارست التنكيل بالمدنيين والأبرياء على خلفية مذهبية، هل تقبلون يا رفاق تدخل حزب الله في العراق؟ وما الذي يضيركم لو طالبتم الحزب بالتوقف عن التدخل؟
وحزب الله يدعم الحوثيين اليمنيين على أساس مذهبي ويدعم تحالفهم مع على عبد الله صالح الذي قال فيه الشعب اليمني بأكثريته الساحقة على امتداد عامين قولته الشهيرة (ارحل)، هذا التحالف الذي بادر إلى الانقلاب وقمع الاحتجاجات السلمية التي اعترضت على الانقلاب.
هل تؤيدون يا رفاق تدخل الحزب في اليمن بهذه الصيغة المذهبية فضلاً عن التحالف مع زمرة قبلية مستبدة وفاشية؟ وماذا لو طالبتم حزب الله بفسخ تحالفه المشين مع «بينوشيه اليمن».
وحزب الله يتدخل في سورية ويقاتل إلى جانب نظام ديكتاتوري مستبد في مواجهة أكثرية شعبه، ويشارك في محاصرة بلدات وأحياء سورية. ذلك الحصار الذي أدى إلى موت أطفال ومسنين كما تشير تقارير المنظمات الإنسانية. إن تدخلات حزب الله من موقع طائفي مذهبي أدت إلى زج لبنان في الصراع بشكل وبآخر على أساس الاستقطاب الطائفي والمذهبي، وكانت مصلحة لبنان تستدعي النأي بالذات عن تلك الصراعات التي عصفت بدول وشعوب.
إن النقد يساعد في كبح أو الحد من التدخل وتصويب السياسات، وتشجيع حزب الله على تركيز الجهود والطاقات على الداخل اللبناني الذي يعيش أزمات حادة تهدد وجود الدولة وأدوارها، أما التأييد غير المشروط والذيلي فله نتائج عكسية أقلها تشجيع حزب الله على الإمعان بالتدخل.
إن تفرغ حزب الله للتدخلات الخارجية وانصرافه عن الهموم اللبنانية الضاغطة لم يكن خطأ فنياً عابراً، بل ينسجم مع أولويات المركز الإيراني – مرجعية حزب الله - الذي يهمه توسيع نفوذه ومكانته ومصالحه في الإقليم، وهذا من شأنه أن يحد من اندفاعة وحماسة قوى اليسار لحزب الله. فالحزب ليس له استراتيجية مقاومة مستقلة تدعم تحرر الشعوب من الاحتلال والاستبداد.
استراتيجية المقاومة المتبعة هي استخدام تراث المقاومة المهيب في دعم النفوذ الإيراني.. هذا النفوذ الذي يتعزز من خلال التحالف مع «الشيطان الأكبر» في أفغانستان سابقاً والعراق سابقاً وراهناً وسورية الآن، ولم يكن من باب الصدفة « حذف إيران وحزب الله من قائمة التحديات الإرهابية التي تواجه أمريكا» في العام 2016 بحسب التقرير السنوي الصادر الاستخبارات الوطنية الأميركية.
إن استراتيجية المقاومة التي يتحدث عنها حزب الله تقول إنه في حالة اعتداء إسرائيل على لبنان سيرد بقوة دمار يصعب على الوصف.
ولما لم تعتد إسرائيل منذ 10 سنوات وقد لا تعتدي في العشر سنوات القادمة واللاحقة فإن استراتيجية المقاومة يمكن تسميتها بأي شيء ما عدا المقاومة.
وأي مقاومة تلك التي تنحاز لأنظمة في مواجهة شعوب. أخلص للقول: يمكن تفهم موقف عموم الشعب الفلسطيني الذي يستقوي بأية قوى تعمل ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تقوض وجوده. يستقوي بالأقوال الراهنة، ويستقوي بالأفعال السابقة، أما أن تقوم القوى التي من أهم وظائفها إزالة الغموض وقول الحقيقة، بالتذيل والتبعية لأنظمة ثيو قراطية ودكتاتورية ولأحزاب دينية فهذا هو العجب العجاب.
Mohanned_t@yahoo.com