أخطر مرحلة يمكن أن نصل لها في فلسطين معادلة "إننا شركاء في الأرباح والامتيازات ولا علاقة لنا بالخسارة"، والمؤسف أننا اليوم نقف على أعتاب هذه المعادلة التي ترسخت في الذهن وبات التعبير عنها مباحاً واليوم نحن على أعتاب أن تصبح معادلة اشتراطية في الحياة السياسية والاقتصادية.
نعم هناك من بات يعلن جهاراً نهاراً قائلاً فليغرقوا وليخرق المركب وهؤلاء باتوا كالوباء المعدي ينشرون عدواهم أينما حلوا، حتى باتت هذه المسألة ظاهرة ويعبر عنها بسلوكيات غير محمودة، باتت أعراض هذا المرض تظهر على شكل عبارات الإحباط واليأس كمقدمة لأشياء أكبر، ومن ثم استغلال أي حالة للمزيد من نشر الإحباط، وعندما تبدأ الأمور تستقر قليلا ويبدأ توزيع الغنائم يأتي أولئك المحبطون ليطرحوا انفسهم جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة وأساسها.
والقول السائد هذه الأيام لا ترض ان تكون جزءا من المشكلة بل كن المشكلة كلها حتى يكون لك الجائزة الكبرى لأنك كنت وصرت المشكلة بعينها.
قد تبدو هذه المقدمة هجوماً على أناس بعينهم أو مجموعة بعينها .... أو أن تلك الكلمات قد تكون حمالة أوجه ... ولكنني أقول بوضوح إن أحداً غير معافى من هذا الداء إلا من رحم ربي، سواء أن كان مروجاً للإحباط او منتجاً فكرياً للإحباط أو مصاباً بالعدوى أو جاهزاً للإصابة ... نعم كان الحديث دائماً يدور عن صناعة الأمل لنصل إلى مستقبل مشرق نباهي به الأمم، ولكننا اليوم نبحث عن الحفاظ على الحد الادنى من مبررات العيش بالحد الممكن وهنا ليس غذاء ولا دواء ولا لباساً...
وحتى نخرج من وصف وتشخيص الحالة إلى مرحلة متقدمة لا أدعيها ارى ان مبضع الجراح يجب ان يفعل فعله للعلاج من الداء، لكي يصبح السؤال وراء ظهورنا : إلى أين نحن ذاهبون؟ نعم كانت الناس تسأل في خضم انتفاضة الأقصى وفي مرحلة عسكرة الانتفاضة وسياسة الاجتياحات الاحتلالية وتدمير المؤسسات والبنية التحتية : إلى أين؟ كان الجواب يأتيها من كوادر الحركة الوطنية وعلى رأسهم كادر حركة فتح ويقول لهم ويفسر لهم رغم الجراح ورغم الدمار ورغم ان أحداً لم يعد سالماً ولا آمناً، لذلك لم تنفض الناس ولم تصاب بالإحباط.
اليوم المؤسف والمحزن والمؤلم أن أحداً لا يمتلك جوابا، حتى المتفلسفون على مواقع التواصل الاجتماعي ورواد "الكوفيشوب" الذين يعززون من خلال تغريداتهم وتعليقاتهم منطق اننا شركاء فقط في الأرباح لا يستطيعون أن يجدوا جواباً حتى أيديولوجيا او حتى من استحضار تجارب الشعوب، اليوم بات الجميع متهماً حتى تثبت براءته، وحين تثبت براءته لن يبقى لا بحر من أمامنا ولا بر من خلفنا ولا قارب نجاة نهيم فيه على وجوهنا، اليوم بات الجميع متأمراً حتى يثبت عدم تأمره، اليوم بات الجميع حريصاً على العملية التعليمية _ التعلمية وأتحدى ان يصل ولي أمر مدرسة أبنائه "إلا من رحم ربي"، أتحدى ان يعبر شكل خروج الطلبة الذكور من المدرسة وتدافعهم وصراخهم انعكاسا لحرص حقيقي على العملية التعليمية _ التعلمية، أتحدى ان يلتئم مجلس الآباء او الأمهات بشكل منتظم في المدارس الحكومية "ولا أعمم"، ترى عن اي حرص نتحدث؟
سياسياً حدث ولا حرج ... نعم انتخب السيد الرئيس محمود عباس على أساس برنامج ملامحه الأساسية معروفة، والرجل يعلنه جهاراً نهاراً، ووقف الشعب الفلسطيني برمته وفي مقدمته "المعلمون والمعلمات" ومعهم "طلبة المدارس وكشافتها" ومعهم "رؤساء البلديات والمجالس القروية" خلف الرئيس في الذهاب للأمم المتحدة في إعلان الدولة في النية للتوجه لمحكمة الجنايات الدولية في الحث على الوحدة وإنهاء الانقسام، وخلف حكومة التوافق الوطني التي بنيت عليها الآمال، كل هذا لأن وضوحاً سياسياً كان سائداً وأملاً كبيراً كان ظاهراً.
سياسياً، اليوم لم يتغير الشعب ولم يتغير المعلمون ولا الطلبة ولا البلديات ولا الجمعيات ولا استخلاصات ولا استنتاجات ولا توصيات مراكز الأبحاث والدراسات في أوراق عملها ومؤتمراتها وورش عملها، ولكن في خضم الإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة ضد المسجد الأقصى واستشهاد الشهداء يومياً تقريباً، ولا شأن لنا إلا ان نتحول الى استقبال تلك الجثامين متى اراد الاحتلال الإفراج عنها وفي المكان الذي يحدده الاحتلال، بتنا نرى اننا حقا وصدقا لا نعرف "الى اين؟" وأتحدى ان يفتي لنا سياسي مخضرم أو قائد مغوار أو أمين عام أو صاحب مركز أبحاث ودراسات، أو كاتب لمع اسمه في المواقع الإلكترونية أو في الصحافة المكتوبة بعضاً من حالنا وشيئاً من مستقبلنا وحال إنهاء الانقسام وحال موقفنا من الحركة الأسيرة وحال رؤيتنا للحفاظ على القدس والانتصار لعوامل الصمود والثبات والبقاء على الأرض.
اقتصادياً، هل نحن ما زلنا اقتصاد السوق الحر أم أننا بتنا نذهب صوب الاقتصاد الاجتماعي "المختلط"، باختصار نحن تركنا السوق والمستهلك أسرى تغول عدد من الشركات القابضة.
لم يعد الحديث عن اعذار وتبريرات وشماعات نعلق عليها تأخر الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتأخر عقد المؤتمر الحركي السابع لحركة فتح العمود الفقري للحركة الوطنية التي يعول عليها كثيراً لغاية كتابة هذه السطور، وتعثر وتأخر إنهاء الانقسام وإعادة اللحمة للوطن، وضياع أي بارقة أمل بإعادة إعمار غزة، وتلبية متطلبات النمو الطبيعي واحتياجات التنمية والإعمار لتلبية الاحتياجات الطبيعية كاي مجتمع إنساني.
لم نعد نرضى بالمزيد من الأعذار في مرحلة التيه وضياع البوصلة وممارسات التدمير الذاتي الممنهج.
لم يعد مقبولا أن يقال لنا كمواطنين إن أجسامنا أدمنت وباتت تتأقلم مع المواد الحافظة والمضافة حتى يزيدوا من همنا هماً إضافياً.
وأعود وأكرر، السيد الرئيس ما زلتَ خيمة شرعيتنا الأخيرة في خضم الشرعيات المتآكلة في الوطن، لدينا الكثير مما نقوله لكم لا يقوله لكم الآخرون، لديكم الكثير مما تراه على الأرض في نابلس وجنين والخليل ورام الله، لدينا الكثير مما نشكوه لك اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً، لدينا الكثير مما نشكوه لكم في حالات التغول بالاسعار، واصدقك القول ان إعادة اعمار غزة ملف ليس بسيطاً وهو بانتظار بصماتكم الواضحة.


