خبر : تسونامى فلسطينى .. جيهان فوزي

الخميس 28 يناير 2016 08:29 ص / بتوقيت القدس +2GMT



عندما تختلط علينا الأوضاع السياسية لحدة دراماتيكيتها، وتسارع أحداثها، يصبح تبيّن الرؤية فيها أقرب إلى العشى الليلى، الذى يضرب عصب البصر فجأة فيفقده التركيز، لم تكن السجالات السياسية الفلسطينية بمنأى عن التأثر بالمناخ العربى العام، تعانى الضعف والتمزق يكاد ينهار معها ما تبقى من تماسك واهن، بالكاد يتكئ على عكازى السلطة الشرعية الهشة، التى أنجبتها اتفاقات أوسلو، ومنظمة التحرير الأم، التى حملت «القضية الفلسطينية» فى أحشائها منذ ستينات القرن الماضى، وعرفت العالم بها.
من احتلال طال مداه، إلى انقسام طال السياسة والجغرافيا وضرب الاقتصاد والحياة الاجتماعية الفلسطينية، فى البيت والشارع والعمل والسفر، وحتى التواصل بين شقى الوطن، شأنه شأن الاحتلال لا فرق، فكانت النتيجة صفر اليدين، سلطة عاجزة ومنظمة تراجع دورها، وانقسام تفوق على مخططات إسرائيل فى تمزيق وحدة الصف الفلسطينى العالق بين المحتوى الوطنى، والصراع السياسى والشخصى.
فى هذا المناخ المشحون تتفجر شرارة الهبّة المقدسية بكل عنفوانها، شباب أرهقه عجز القادة وإحباط الجمود السياسى، فتنبأ لها البعض بتحول استراتيجى ربما يقلب معايير اللعبة، وفى هذا السياق تتوالى التهديدات، والتهديدات المضادة بين حماس وإسرائيل فى سباق محموم لإظهار مدى القوة، التى يتسلح بها كل منهما حتى إن حديثاً أصبح متداولاً يدور حول اقتناء «حماس» مؤخراً لسلاح نووى وآخر ستفاجئ به إسرائيل فى أى حرب مقبلة، نظراً للتطور الكبير فى منظومتها العسكرية والقتالية، وفى المقابل أفرجت إسرائيل عن وثيقة غير مسبوقة تنشر للمرة الأولى منذ عهد ديفيد بن جوريون، رئيس الحكومة، ووزير الدفاع السابق، تسمى «استراتيجية الجيش الإسرائيلى»، التى تتضمن رؤيته القتالية للفترة المقبلة، حيث حدد فيها التهديدات التى تتطلب من إسرائيل مواجهتها والاستعداد لها كالدول البعيدة، مثل إيران، والقريبة مثل لبنان وغزة، فالحرب التى ستخوضها إسرائيل فى المستقبل لا تشبه حرب غزة 2008، أو حرب 2014، أى بمعنى آخر أنها ستكون أكثر تعقيداً من الحربين السابقتين.
ونرى أن إسرائيل تهدد بشكل مكثف بالحرب والتلويح بها من حين لآخر، فتتحدث عن استعداداتها للحرب المقبلة التى ستخوضها سواء ضد حركة حماس فى قطاع غزة، أو حزب الله فى لبنان، عبر التصريحات التى يدلى بها مسئولون فى الحكومة، أو وسائل إعلامها، تلك التهديدات دأبت على إطلاقها بإيعاز من دوائر أمنية وتسريبات استخباراتية عسكرية ضد قطاع غزة ولبنان، ومؤخراً بدأت تلعب على وتر انهيار السلطة، وتنسج خيوط ما بعد سقوطها من سيناريوهات وبدائل، فلا يكاد يخلو تصريح لمسئول إسرائيلى أو مقال فى صحيفة من الإشارة إلى دنو أجل السلطة الفلسطينية، وما سيترتب عليه من فوضى فى الضفة الغربية، وتشديد قبضة حماس فى غزة، وما سيؤول إليه من صراع دموى بين كافة الأطراف، وهو المسعى الذى تخطط له إسرائيل وتتمناه، إذ تخطط أولاً لسقوط الرئيس محمود عباس، وتخليه عن السلطة، ومن ثم انهيارها الأمر الذى ينذر بالفوضى، ويضعف من هبّة الأقصى، التى ما زالت تؤرق مضجع إسرائيل.
هذا الانهيار المنتظر للسلطة والرئاسة الفلسطينية فى ضوء الصراع والانقسام القائم يشى بالمزيد من التفاعلات الإقليمية التى تبسط أذرعها بصلابة فى المنطقة، مثل قطر، تركيا، إيران، كل وفق مصالحه التى لا تخلو من تواطؤ وتكالب على السلطة، التى تعيش أسوأ حالاتها مع انعدام التقدم فى مفاوضات السلام، إلى خلو برنامجها من أى أفق سياسى ينتشل الأراضى المحتلة من مستقبل مجهول، فى الوقت الذى يغض فيه المجتمع الدولى الطرف عن خطورة الوضع الفلسطينى، لانشغاله بحربه الدائرة على الإرهاب، الذى ضرب بلدانه وبات يهدد أمنها واستقرارها.