القدس المحتلة / سما / منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الثالثة، لا ينفّك الإسرائيليون عن محاولة سبر غور ظاهرة الطعن بالسكاكين، ويُحاول صنّاع القرار في تل أبيب تحديد الأسباب التي تدفع بالشباب الفلسطينيّ لتنفيذ عمليات طعن، مع علمهم التّام بأنّ مصيرهم هو الموت، علاوة على ذلك، يستمرّ الخبراء ومراكز الأبحاث في دراسة هذه الظاهرة الغريبة-العجيبة، وفق أقوالهم، ولكنّهم يعجزون عن وضع الإصبع على الجرح النازف، الكلّ يتهّم الكلّ، ولا أحد يجرؤ على توجيه أصابع الاتهّام إلى الاحتلال، الذي يُحاول بشتّى الطرق والأساليب تركيع الشعب الفلسطينيّ دون نجاح.
وتُقّر دوائر صنع القرار في تل أبيب، من المُستويين الأمنيّ والسياسيّ بأنّه على الرغم من الإعدامات الميدانيّة والعقوبات الجماعيّة، فإنّ الانتفاضة لم تخمد، بل تزيد وتيرتها يومًا بعد يوم، الأمر الذي أدّى إلى اندلاع خلافٍ شديدٍ وتراشق اتهّامات بين وزير التربيّة والتعليم، نفتالي بينيت، وبين وزير الأمن، موشيه يعلون، حول الفشل الإسرائيليّ المُدّوي في وأد الانتفاضة الثالثة، التي تختلف عن الانتفاضتين السابقتين بعدم وجود قيادة موجِهة، وبعدم تمكّن التنظيمات الفلسطينيّة المُختلفة من رسم أهدافها وتنفيذ عمليات عسكريّة فدائيّة ضدّ إسرائيل.
علاوة على ذلك، بينّت المُستجدات الأخيرة، أنّه على الرغم من أنّ التنسيق الأمنيّ الوطيد والوثيق بين سلطات الاحتلال الإسرائيليّ وبين الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة لم يُحقق أيّ نجاحات تُذكر، كما أنّ تل أبيب اعترفت بأنّ احتجاز جثامين الشهداء في الثلاجات الإسرائيليّة لم يردع الفلسطينيين بتاتًا، بالإضافة إلى ذلك، أقرّت على لسان كبار المسؤولين أنّ سياسة هدم بيوت مُنفذّي العمليات لم تؤدّ إلى تراجع العمليات من طرفي ما يُطلق عليه الخّط الأخضر، بل بالعكس، العمليات ازدادت، الأمر الذي أدّى إلى فقدان الأمن والآمان لدى قطعان المُستوطنين في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وأيضًا داخل الخّط الأخضر، حيث كشفت العملية التي نفذّها نشأت ملحم، من قرية عارة في المثلث الشماليّ، عن فشل المخابرات الإسرائيليّة من ناحية، وعن هلع وفزع الإسرائيليين، الذي اختبئوا في بيوتهم، خوفًا من ملحم، الذي تمكّن على مدار 8 أيّام من الاختفاء.
وفي هذا السياق، حاولت دراسة جديدة في المنظومة الأمنيّة نشرتها إذاعة الجيش الإسرائيليّ للمرّة الأولى أنْ ترسم دوافع “فتية السكاكين” في موجة العنف الفلسطينية الحالية. وأجرى منسق أعمال الحكومة في الأراضي مؤخرًا تحليلاً عميقًا وحاول أنْ يُحدّد دوافع الـ”إرهابيّ” الصغير، الذي يخرج إلى الشارع بهدف الطعن والقتل.
وكشفت المعلومات التي تمّ جمعها أنّه خلافًا للرؤية التقليدية في أوساط الكثيرين، فإنّ الأسباب الشخصية-الأسرية تكون الدافع لدى الشبان بنسبة أكبر مقارنة بالمحتويات في مواقع التواصل الاجتماعي أوْ من الدافع الديني. من بين أسباب عمليات السكاكين أو الطعن الفردي، يظهر الاغتراب والعنف في الأسرة، الانتقام لموت صديق أو قريب وعدم الاعتراف بالتنظيمات التقليدية – حماس وفتح.
وذكرت إذاعة الجيش أيضًا أنّ هؤلاء الفتية يشيرون إلى أنّهم لم يلتقوا بإسرائيليّ، وإنمّا بحواجز ويتم ذكر المكوّن الديني والمسجد الأقصى على الهامش فقط. ويظهر من التحقيق أنّ معظم الفتية هم ليسوا فتية هامشيين: إنهم يتواجدون في أطر، يتعلمون، ويعيشون في أسر بدائية. وأوضحت الدراسة أيضًا أنّ معظمهم عامة لا يعرفون أنْ يشرحوا ما هي إسرائيل، بل ولم يلتقوا مع يهود أو يزوروا إسرائيل.
وفقا للدراسة، فإنها ليست رؤية دينية عميقة، ولا يوجد أيديولوجيّة مؤسسة تدفعهم أبدًا. ويقدّر محللون إسرائيليون،أنّها ظاهرة جديدة، جيل من الفلسطينيين ليس ملزمًا بأي أحد. لا يوجد هنا علاقة بالدين ودوافعهم هي اجتماعية-علمانية أو دوافع شخصية: قريب تم قتله ويريدون الانتقام لموته.
تظهر الدراسة أنّ الفتية يعبّرون عن مشاعرهم بطريقة خطيرة. الخطر الأكبر في هذا السلوك هو تعزز أيديولوجيات مثل داعش في أوساط الشباب مع خطر كبير من هذا النوع. من ناحيته، تناول مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيليّة، أليكس فيشمان، عمليات الطعن الأخيرة في الأراضي المحتلة، في أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي لطالما تخوفّ منها فيشمان وحذّر، حيث قال في وقتٍ سابقٍ إنّ الظروف اللازمة لاندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية قد نضجت، وكلّ ما تبقّى هو الشرارة التي ستُشعلها.
وتابع قائلاً إنّ السكاكين التي طعنت الإسرائيليين منذ 4 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، نجحت في الكشف عن الحقيقة المؤلمة أمام الأجهزة الإسرائيليّة وهي البطن الضعيفة لدولة إسرائيل، على حدّ قوله. ولفت إلى أنّ الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة قابلة للإصابة أكثر ممّا اعتقدنا، فالحديث لا يدور فقط عن الخوف الذي تسببت به السكاكين للإسرائيليين بشكلٍ كاملٍ، وتأثير هذا على مجريات الحياة ومعنوياتهم وحسب، بل أيضًا الخوف الذي عكسه رؤساء الأجهزة الأمنية من انكشاف نقاط الضعف في الجاهزيّة الإسرائيليّة للجبهة الداخليّة. وانتقد فيشمان القدرات الإسرائيليّة في الجبهة الداخليّة، حيث رأى أنّه يجب على المسؤولين تقويتها، كي يستطيعوا إلى جانب القوات الإسرائيليّة قمع المقاومين الفلسطينيين.
ولفت فيشمان إلى أنّ هذه الانتفاضة لم تولد في هذا الشهر، بل ظهرت شرارتها في الحربين الأخيرتين على غزة، “عملية الجرف الصامد” و”عمود السحاب”، وفق المُسّمى الإسرائيليّ.
وأوضح أنّ انتفاضة الشباب الحالية تتمثل في إغلاق الشباب الشوارع وتصادماتهم مع القوات الإسرائيليّة، مُتخوفًا من أنّه في حالات الطوارئ، حيث يفترض أنْ يتّم نقل وسائل عسكرية ثقيلة بسرعة إلى منطقة الشمال أوْ إلى غزة، ستعلق ساعات طويلة في الشوارع بسبب إغلاقها من الفلسطينيين، وهذه وفق فيشمان مشكلة إستراتيجيّة.


