خبر : وسنعرف لماذا يلاحقنا التخلف مثل ظلنا ...عبد الغني سلامة

الأربعاء 20 يناير 2016 07:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT



مع أن أول آية نزلت في القرآن الكريم هي "اقرأ"؛ إلا أن أمة اقرأ لا تقرأ؛ وهذا ما تؤكده دراسات كثيرة صادرة عن جهات معتبرة، فبحسب "تقارير التنمية البشرية" الصادرة عن اليونسكو، فإن المواطن العربي يقرأ أقل بكثير من كتاب واحد في السنة؛ بل إن كل 80 شخصاً بالكاد يقرؤون كتاباً واحداً في السنة.
في المقابل، يقرأ المواطن الأوروبي سنويا نحو 35 كتاباً، والمواطن الإسرائيلي 40 كتاباً، كما جاء في "تقرير التنمية الثقافية" للعام 2011 الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً.
وفي تقرير آخر نشره موقع MBC جاء فيه أن كلّ 20 عربيا يقرؤون كتاباً واحداً، مقابل كلّ شخص بريطاني يقرأ 7 كتب سنوياً، وكلّ أميركي يقرأ 11 كتاباً.
وقد نشر موقع "رصيف 22" تقريراً بهذا الشأن، أظهر تفاوتا في الأرقام بين إحصائية وأخرى في معدّلات القراءة؛ وهذا التفاوت بسبب الاختلاف في نوعية ما تتم قراءته، فوفقا لدراسة أجرتها شركة "سينوفات" لأبحاث السوق، العام 2008، جاء فيه أن العرب يقضون من 30 - 40 دقيقة شهرياً في قراءة الصحف والمجلات.
وإذا أضفنا قراءة القرآن الكريم والتقارير الخاصة بالعمل، يرتفع الرقم، ليصل من 6 - 10 ساعات شهريا، ومع ذلك يبقى الرقم صغيرا جدا مقارنة بعدد ساعات القراءة بالنسبة للمواطن الأوروبي (16 ساعة في الشهر، لا تشمل المجلات والصحف).
وبحسب "تقرير التنمية الثقافية"؛ فإن عدد الكتب الثقافية التي تُنشر سنوياً في العالم العربي لا تتجاوز الـ5000 عنوان. بينما حسب إحصاءات "Worldometers" فإن مجموع ما تمت طباعته في العالم العام 2015 يتجاوز 2.5 مليون كتاب.
في أميركا، مثلاً، يصدر سنوياً حوالى 300 آلاف كتاب، في أميركا الجنوبية (42000) كتاب، في فرنسا بحدود (50000) كتاب، وفي إسرائيل، وفقا لمُعطيات المكتبة الوطنية الإسرائيلية، فقد نُشر في العام 2014، (7628) كتاباً.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي هو ألف أو ألفان، وفي حالات نادرة يصل إلى 5 آلاف، بينما تتجاوز نسخ الكتاب المطبوع في الغرب عادةً الـ50 ألف نسخة، وأحيانا تتجاوز المليون.
أما عن نوعية الكتب الأكثر مبيعا فهي الكتب الدينية أولا، تليها كتب الطبخ، وكتب الأبراج، والكتب "التجارية" التي تتحدث عن تخسيس الوزن، ثم الروايات.
وحسب تقرير نُشر على موقع "العربية نت"؛ يفترض أن يكون لكل ستة آلاف مواطن مكتبة عامة، بمعنى أن الوطن العربي من المفترض أن يضم 50 ألف مكتبة عامة، بيد أن عدد المكتبات العامة في الدول العربية مجتمعة لا يزيد عن 4500 مكتبة من كافة الأحجام.
وربما كان عدد المكتبات العامة ذات الوزن والأهمية في الوطن العربي يدور حول 1000 مكتبة فقط، وإذا تحدثنا عن عدد المسارح ودور السينما والمتاحف والأندية الثقافية فإن الأرقام ستكون أكثر من صادمة.
أما في مجال الترجمة؛ فإن العالم العربي يترجم سنوياً خُمس ما يُترجَم في دولة صغيرة مثل اليونان، وهناك تقديرات تقول إن الحصيلة الكلية لما تُرجم إلى العربية منذ العصر العبّاسي إلى العصر الحالي تقارب الـ10000 كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه "إسبانيا" في سنة واحدة، أي أن متوسط الكتب المترجمة لكل مليون مواطن عربي أقل من كتاب واحد في السنة، بينما النسبة في "إسبانيا" 920 كتاباً لكل مليون مواطن، وفي "هنغاريا" 519 كتاباً لكل مليون مواطن.
أما فيما يتعلق بإنتاج المعرفة، فيشير تقرير "التنمية الإنسانية العربية"، وهو النسخة العربية عن تقرير التنمية البشرية الذي تصدره "UNDP" بأن حجم ما ينتجه العالم العربي من أدب وثقافة لا يتعدى 0.8% من الإنتاج العالمي، أي أن جميع الكتّاب والمفكرين والأدباء العرب، وحتى الهواة ينتجون أقل من 1 % مما ينتجه العالم، علما أن العرب يشكلون 5 % من سكان العالم !!
في فلسطين، ورغم أنها أقل الدول العربية في نسبة الأمية (انخفضت من 5.1% العام 2010 إلى 3.8% العام 2014)؛ إلا أن الأمية الثقافية متفشية، وواقع القراءة لا يختلف كثيرا عن محيطها العربي، فمثلاً، من النادر أن تشاهد أحدهم في مكان عام يقرأ كتاباً، من جانب آخر، يمكن القول إن جميع القرى تقريبا بلا مكتبات عامة، ولا تصلها الصحف المحلية، عدد المسارح ودور السينما معدود على الأصابع، قطاع غزة بأكمله ليس فيه سينما واحدة.
في مجال النشر؛ وحسب إحصائيات موقع "SCImagoJR"، وهو موقع متخصص في قياس الإنتاج العلمي؛ فقد تزايد عدد المنشورات العلمية الصادرة سنويا من فلسطين من 22 العام 1996 إلى471 في العام 2013، وبذلك فإن فلسطين تحتل المرتبة (12) عربيا، والمرتبة (110) عالمياً، وتبلغ مساهمتها فيما ينشر عالمياً 0.02%.
ولفهم ظاهرة العزوف عن القراءة، يربط البعض بين الاهتمام بالقراءة وبين طبيعة النظام السياسي؛ إذ ترتفع معدلات القراءة حينما تزدهر الحريات؛ لأن المواطن في المجتمعات الديمقراطية يعتبر نفسه شخصاً فاعلاً ومهما في الحياة العامة؛ لذلك يهتم بالقراءة وبالإنتاج الثقافي والأدبي وبالمشاركة السياسية.
وبنظرة سريعة على واقعنا العربي، ومعرفة طبيعة أنظمته الفاسدة، ومكانة المواطن فيها، ونظرته تجاه الدولة والمجتمع وحتى تجاه نفسه، وإذا علمنا أن متوسط نسبة الأمية في الدول العربية 22%، وتبلغ نسبة النساء من الشريحة الأمية 60% (تقرير التنمية البشرية للعام 2015)، وإذا أضفنا إلى هذه المعطيات أن الملايين من العرب يعيشون تحت خط الفقر، وآخر أولوياتهم شراء الكتب، ستتضح بعض معالم الصورة العامة، وسنعرف لماذا يلاحقنا التخلف مثل ظلنا.