تصريحات رئيس جهاز المخابرات الخارجية "الموساد" الاسرائيلي السابق لوسائل اعلام عبرية، بأن دولة اسرائيل لا تواجه "خطرا وجوديا" في المرحلة الراهنة، يجب أن يكون محل لدراسة وتقييم، بما يحمل من رسائل أمنية وسياسية..
قد يكون تصريح المسؤول الأهم في الأجهزة الأمنية لدولة الكيان، هو أحد اخطر ما كشف عنه اي من مسؤولي الكيان، او يوازي ما قام به الموظف النووي فعنونو الذي تبرع بكشف "البرنامج النووي الاسرائيلي"، حيث يعيش الكيان دوما على نظرية "الخطر الدائم" من المحيط العربي، ما يتطلب "توفير سبل الحماية والدعم بكل ما يتاح لها من عدو يدق الباب"..
اعلان تامير باردو، يستحق الإهتمام، ليس من المؤسسة الرسمية الفلسطينية، فحسب، رغم صعوبة أن تفعل ذلك أصلا نظرا لغيبوبتها السياسية وانعزالها الذاتي، ولكن من المؤسسة الرسمية العربية، جامعة ودول..
أقوال باردو تعلن صراحة وبلا اي تضليل، ان المنطقة المحيطة بدولة الكيان، لم تعد بيئة "خطرة" بالمعني الأمني - العسكري، وأنه لا يوجد اي قوة أقليمية يمكنها أن تكون "خطرا استراتيجيا" على الكيان، وهذا يشمل فيما يشمل دولة ايران ايضا، التي استغلت مختلف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ما سمي بـ"البرنامج النووي الايراني" كـ"قميص عثمان" لكل مبيقات دولة الكيان العسكرية والأمنية، والمبرر الأهم للقيام بنشاطات نووية خارج الرقابة الدولية..
"اعلان باردو"، يستحق من مؤسسات الأمن الرسمية العربية، ان تعيد ترجمته الى أفكار خاصة، وتدرس "الأهداف المختلفة" للإعلان، الذي يعلن أنه لم يعد هناك أي قوة عربية يمكنها أن تمثل "خطرا وجوديا"،على اسرائيل..
بالتأكيد، السنوات الأخيرة، وخاصة منذ انطلاقة المشروع الأميركي العام لتقسيم المنطقة وكسر وحدتها القومية، عام 2003 بغزو العراق، ولاحقا محاولة فرض "الاسلام السياسي" بالقوة الجبرية على النظام الرسمي العربي، وما تلاه من حراكات في مختلف البلاد العربية بمسميات مختلفة، كان لبعضها آثار تدميرية للقوى الرئيسية العربية، العراق وسوريا، وارباك مصر بوضع داخلي أمني واقتصادي، وفتح الباب للدولة التركية أن تمارس حضورا يمس بالأمن القومي العربي تحت مسميات مختلفة، ونشر "جرثومة الانهاك الداخلي للنسيج العربي"..
وكان منطقيا، ان ينتج عن المشروع الأميركي حالة من التخبط والارباك والانقسام العربي - العربي، والعربي - الاقليمي، وزج مختلف المحاور في "حروب أو مواجهات" لا تنتج فائزا مهما كانت نتيجة المعركة، سوى دولة الكيان الاسرائيلي..
ولعل تصريح تامير باردو، هو الكشف الأهم للوجه الأخر للمشروع الأميركي الذي أعد للمنطقة، وان الحديث عن "الإستبداد الأمني الرسمي العربي" وغياب الديمقراطية السياسية، وحالة الإفقار العام، لم تكن سوى الحقيقة التي باتت "ذريعة" أميركية لفتح نزيف الجسد العربي لأطول فترة ممكنة، خاصة مع فشل التنفيذ المباشر لتقسيم المنطقة وفقا للفسيسفاء الأميركية، لتصبح "ديمومة الخراب الداخلي" البديل الشرعي للمخطط التقسيمي..
"اعلان باردو" يجب أن يكون أحد أهم القضايا التي تقف أمامها الأمانة العامة للجامعة العربية، لتعيد "تفكيك الإعلان" وفقا للمشهد القائم، ويمكن التعامل معه كأحد اهم "الوثائق الإسرائيلية لكشف البرنامج العدواني الاسرائيلي ليس ضد فلسطين فحسب، بل لعموم المنطقة..
مسؤولية الأمانة العامة لجامعة الدولة العربية بمختلف أقسامها، ان تتعامل مع "اعلان باردو" بما يستحق من اهتمام سياسي، وان تمنحه الوقت الضروري كما تمنح لقضايا هي أصلا منتج لمشروع أميركي، كل الوقت الذي كان..
لعل "إعلان باردو" أكثر أهمية سياسية واستراتيجية من "مهاجمة سفارة عربية"، العمل المدان والمستنكر، بكل اللغات الحية وغير الحية، لكن ما قاله "باردو" يستحق ايضا بعضا من "النخوة العربية" التي أصابت "الأمانة العامة للجامعة العربية"..
أن نطلب من الرئاسة الفلسطينية ومؤسساتها التحرك والاهتمام بذلك الاعلان الهام، قد يكون مضيعة للوقت، فهي إما عاكفة على ملاحقة "المؤامرة الداخلية المخترعة ضد الرئيس"، او مطاردة "موظف جاسوس" تم الاعلان عن اكتشافه مؤخرا، رغم كل المؤشرات لوجوده منذ تسريب وثائق سرية وخطيرة من مكتب رئيس دائرة المفاوضات عام 2011 الى قناة تلفزية، لم تقف أجهزة الأمن في حينه امام قيمة الحدث الكبير..
لكن "اعلان باردو"، سيبقى شهادة يمكنها أن تفتح الباب واسعا لملاحقة الخطر العسكري الاسرائيلي ومشروعه النووي، وأن لا ينتهي بذهابه الى أرشيف "الذاكرة المخرومة عربيا"..


