خبر : أنا و زيدان و الشك !! بقلم : محمد يوسف الوحيدي

الثلاثاء 12 يناير 2016 02:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
أنا و زيدان و الشك !! بقلم : محمد يوسف الوحيدي



الشك ، هو أعلى مراتب التسامي الفكري ، و أعمق دروب التفكير و التأمل . وهو درجة منطقية ضرورية وحتمية الحدوث عندما تخلو النفس من المقدمات المثبِتة لأحد البديلين (حقيقة) (وهم).
بل أنني أزعم ، أن الشك و الظن ، على إختلاف تراتبهما ، و منطقهما ، و على إختلاف التفاسير و التأويل في درجتيهما و فلسفة معانيهما ، أرى أنهما مترادفان مرتبطان بحالة اليقين التي تصل إليها النفس البشرية بعد رحلة طويلة من التأمل و التدبر في مظاهر و مكنونات الأشياء و الذات . إذا يممنا وجهنا نحو اللغويين، وجدناهم انقسموا فريقين من حيث دلالة مادة (ظن): الأول: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق حقيقي، بمعنى أن (الظن) قد يُطلق ويراد به اليقين من حيث الوضع اللغوي. ومن هذا الفريق: الأزهري. والفريق الثاني: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق مجازي، بمعنى أن (الظن) من حيث الوضع اللغوي لا يفيد معنى (اليقين)، وإنما إفادته لذلك تحصل على سبيل المجاز لقرينة تدل عليه. ومن هذا الفريق: الجوهري، وابن سيده، والفيروزابادي. حيث إن لفظ (الظن) في القرآن الكريم ورد بمعنى اليقين في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم}، قال أبو حيان: "معناه: يوقنون، قاله الجمهور؛ لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه، ويؤيده أن في مصحف عبد الله بن مسعود: الذين يعلمون". وقال ابن كثير في معنى الآية: "يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة، معروضون عليه، وأنهم إليه راجعون". ونحو هذا قوله تعالى: {وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} (الجن:12)، قال القرطبي: "الظن هنا بمعنى العلم واليقين ". وبحسب هذا المعنى يُفهم قوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} (الحاقة:20)؛ وقوله سبحانه: {وظن أنه الفراق} (القيامة:28) .
قال الطبري ما معناه: العرب قد تسمي اليقين ظناً، والشك ظنًا، نظير تسميتهم المغيث صارخاً، والمستغيث صارخًا... قال: والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين، أكثر من أن تحصر.
و الشك و الظن دأب العقلاء و العارفين و الفلاسفة و المفكرين ، و العلماء ، فلا عالم يصل إلى درجات عالية من المعرفة و الإرتقاء إلا بالتجربة و الشك و الظن ، حافزه دائما اليقين بالوصول لنتائج ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) فاطر-28. و الأمثلة في الشك و الظن كثيرة و لا حصر لها من سيدنا إبراهيم في بحثه عن القادر الخالق ، و دافعه اليقين ( بوجوده ) و الشك في ( كونه ) ، وحتى بعد إبتعاثة و الوحي له ، حين سأل ربه كيف يحيي الموتى ؟ و سؤال سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام ربه و طلب رؤيته .. و غيرها . ليس هنا معرض الإسهاب في تناولها .

و هنا أريد أن أقف و لو قليلاً عند ما أثاره الدكتور يوسف زيدان مؤخراً ، من شكوك حول مكان الإسراء ، و هل المسجد الأقصى هو مسجد إيلياء ( القدس ) أو هو مسجد في طريق الطائف- مكة ؟ و هل العروج كالمعراج ، و هل أعرج بسيدنا محمد بالفعل أم لا ، و ربما هنا يجب أن نقدر للرجل تفكره و ظنونه المبتدأة و المرتكزة على يقين و إيمان ، ناهيك عن وجوب إسترجاعنا و إستدعائنا لقيمة الرجل البحثية و التأريخية و العلمية و الفلسفية ، و رصيده من المعرفة و التأليف ، و نسأل بدورنا أيضاً في هذا المجال هل كان العروج إلى خارج نطاق المحدود من الكون المعروف و ما هي أساساً تلك الحدود للكون ، و هل هناك فواصل بين ما هو معروف لدينا و ممكلوك لله ، بمعنى ، هل هناك فواصل حسية مدركة و تخضع للقياس بين ما هو مادي و ما هو غيبيّ ، حتى نقرر بناءً عليها مكان العروج ؟
تابعت مثل الملايين من المسلمين و غير المسلمين التراشق الفكري اللذيذ ، و النقاش الدسم الدائر و ما زال حول طروحات الدكتور يوسف زيدان ، و ردود الدكتور عدنان إبراهيم ، التي كانت أكثر حصافة و دقة من ردود الشيخ علي جمعة – في رايي المتواضع - ولكني في النهاية " و حتى الآن " لا أرى سبباً غير الحمية ، و ردة الفعل العاطفي العصبي إن جاز هذا التعبير ، على ما قاله زيدان .
الرجل ، و إن كان أسلوبه وطبيعته في التواصل ، تتسم بكثير من البرود ، الذي يستفز المتلقي العربي أو الشرقي النزق الساخن العاطفي بطبعه - من أمثالنا - إلا أنه لم يقل ما يمكن تصنيفه بأنه " شذوذ " أو بأنه غير منطقي .. اللهم إلا في بعض النقاط التي لم يراعِ فيها الفصل بين اليهودية كدين ، و الإسرائيلية كعرق و سلالة . معتبراً أن سيطرة سيدنا داوود عليه الصلاة و السلام ، ملكاً على ما يسميه اليهود " يهودا و السامرة " أو الضفة الغربية لنهر الأردن في فلسطين ، بأنه سيطرة لليهود ، و أعتقد أنه هنا أخطأ ، فداوود و سليمان ، و إبتداءً من سيدنا إبراهيم ، لم يكونوا يهوداً ، بل إن " العقيدة " الإسلامية هي أن كل الأنبياء و كل الرسل جاءوا برسالة واحدة ، هي الإسلام ، و أن ما جاء به محمد عليه الصلاة و السلام ، خاتم الأنبياء ، و ختام و تمام الرسالات ، و إتمام الدين كله ، دين واحد ، رسالة واحدة ، لأتباع النبي الخاتم ، الذي ، و بإرادة الله ، و حكمه ، جعلهم الوارثين ، لفلسطين – كنعان – يبوس أو الأرض المباركة و غيرها . و حتى لو كانت القدس هي أور سالم ، أو بيت المقدس ، و فيها الهيكل أو المعبد الذي بناه سليمان ، و تربت فيه مريم العذراء عليها السلام و السيد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام ، و زكريا عليه الصلاة و السلام ، و غيرهم ، فهو مكان مقدس ، لذكر الله و توحيده ،هو مسجد ، و هو لمن اسلم وجهه لله ، و هو مسجد إسلام ، للمسلمين الموحدين . و لا أرى داعياً ، للتقزيم و التسخيف من قدر و قداسة المكان ، الذي بارك الله حوله كما جاء في التص القرآني ، هذا التسخيف الذي ذهب إليه الدكتور زيدان ، بحجة أن المسيحيين كانوا يلقون القمامة على صخرة داوود ، أو ما تبقى من هيكل سليمان ، أو على تلك البقعة المشرفة ، يرى زيدان أنه بذلك غير مقدس ، و أنها بذلك ليست الأرض التي بارك الله حولها ،و هنا لابد لي أن أسال بدوري ، ما بال الدكتور زيدان بما كان يفعلة العرب في حرم الكعبة المشرفة ؟ وهل يعرف قصة المعبودين اللاّتَ و العُزى ؟؟ و حادثة الزنا ؟؟ و هل حقيقة إمتلاء بيت الله ( الكعبة) بالأصنام ، أخل بقدسيتها و حقيقة بركتها ؟ و هل إلقاء الكفار القمامة على راس نبي الله محمد عليه الصلاة و السلام ، و إيذائه و مهاجمته و رجمه و سبه و لعنه ، ووصفه بالساحر و المجنون نال من بركته أو قلل من طهارته ؟؟
أنا هنا اريد أن أقول ، أن الشك والتفكر والظن ،المبني على يقين بحتمية الوصول إلى الحقيقة المطلقة ، إبتداءً و إنتهاءً ، و أن التدبر قد يصيبه بعض الخلل ، جراء عوامل إنسانية بحته ، وقع فيها الدكتور زيدان ، ووقعت أنا فيها في ردات فعلي الأولى ، ووقع فيها غيري ، إلا أن الأمر يتطلب منا جميعاً ، أن نصل إلى كلمة سواء ، و أن نضع نصب أعيننا دائما ، قول الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) – و التي جاءت للمصادفة هنا ، في سورة الإسراء ذاتها ، موضع الجدل و النقاش . و قول الله تعالى في سورة المدثر (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ.) صدق الله العظيم .