رغم مضي عقودٍ على نشأة الحركات الإسلامية، وانخراطها في غمار المعترك السياسي، إلا أنَّها لم تتمكن من تقديم ما يكفي من المفكرين السياسيين، كي يساهموا في تحديد الاتجاهات وضبط البوصلة، وتوفير الإيقاع اللازم لمشاركتها السياسية والعامة، وتعاطيها مع مختلف القضايا الخِلافية في الساحات العربية، كالتعامل الحكيم مع العلمانيين؛ ليبراليين ويساريين وقوميين، أو الانفتاح الجَسور على وسائل الإعلام المختلفة، أو التصرف الذكي مع مسألة تعيين المرأة في المناصب العامة والقضاء ورئاسة الوزراء والدولة، أو إدارة مؤسسات الدولة والحكم التي تتسم بدرجة كبيرة من العلمنة كوزارة السياحة ووزارة الخارجية.. وفضلاً عن ذلك؛ لم تتمكن من تحديد معالم فكرها السياسي، ورؤيتها لإدارة الدولة وأسلوب التعامل مع الخارج، واكتفت بما ورد في الكتب القديمة أو المحدثة والمكررة، التي تناولت موضوع الدولة بشكل عام، ودولة الخلافة في الفكر السياسي الإسلامي أو العلاقات الدولية في الإسلام، وهذا ما بدا واضحاً في أدبياتها ومواثيقها ورؤاها الفكرية والسياسية، وبرامجها الانتخابية التي طرحتها خلال الفترات الماضية.
لعل الفجوة الكبيرة بين ما يكون وما يجب أن يكون من منظار الحركات السياسية الإسلامية أو حركات الإسلام السياسي قد أدَّت إلى إخفاق الغالبية الساحقة من التجارب السياسية التي خاضتها الحركات الإسلامية، كما الحال في الجزائر خلال العشرية الدامية (1990 – 2000م)، أو مصر بعد ثورة 25 يناير 2011م، والأردن وسوريا والمغرب، ومع صعود الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية إلى سدة الحكم بعد الانتخابات التشريعية في يناير 2006م، حيث دخلت المنطقة المذكورة في حصار مطبق تعزَّز بعد أحداث الانقسام في منتصف عام 2007م، لكن ما يعنينا أن فترة حكم الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية قد كشفت عن ضعفٍ مستفحلٍ في السياسة والإدارة والاقتصاد، لقد كانت شريحة كبيرة من قيادات الحركة الإسلامية على معرفة مسبقة بأنَّ حصاراً سيفرضه العالم على حكم حماس بعد اليوم الأول لأداء اليمين الدستورية، لكن - وللأسف - لم تقدم تلك الشريحة ولا الحركة الإسلامية من خلفها على وضع خطة لحكمها في الأراضي الفلسطينية، ولم تضع خططاً ولا خطة بديلة يمكن الاستعانة بها في حال فُرِض الحصار، وأشبعنا الإعلام الحمساوي حديثاً عن المؤامرة – دون أن يغفل أحد وجودها وبقوة – وعن الاقتصاد المقاوم.
الحالة فيما سبق فلسطينياً وإسلامياً لا تعني بالضرورة خلو الحركات الإسلامية من المفكرين والمفكرين السياسيين القادرين على بث الروح وتجديد الدماء وتصحيح مسار الحركات الإسلامية بما يتوافق ومتطلبات العصر والواقع العلماني الذي تحكمه المصالح والقوة ولغة البلطجة بدلاً من المُثُـل والأخلاق والقوانين. وعلى سبيل المثال، ثمَّة شخصياتٌ إسلاميةٌ لامعةٌ في هذا المجال، كالشيخ راشد الغنوشي والشيخ عبد الفتاح مورو في تونس، والأستاذ عبدالإله بن كيران والشيخ أحمد الريسوني والدكتور سعد الدين العثماني في المغرب، والشيخ عبدالحميد بن باديس والشيخ بوجرة سلطاني في الجزائر، والدكتور محمد سليم العوا، والدكتور كمال أبو المجد، والأستاذ فهمي هويدي الأستاذ محمد عمارة في مصر، والدكتور عبد الله النفيسي والدكتور طارق سويدان في الكويت، والإمام صادق المهدي والأستاذ عبد الوهاب الأفندي في السودان، والأستاذ زكي بن إرشيد في الأردن، والشيخ سعيد حوا والدكتور منير الغضبان في سوريا، والشيخ عبد الكريم زيدان والأستاذ محمد أحمد الراشد من العراق، والفيلسوف محمد إقبال والشيخ أبو الأعلى المودودي في باكستان، والدكتور أنور إبراهيم، وسيد محمد نقيب العطاس وعبدالهادي أوانج في ماليزيا، والدكتور أحمد داود أغلو والبروفيسور نجم الدين أربكان؛ أبو الحركة الإسلامية في تركيا. أما في فلسطين فهناك الكثير من الأسماء والأعلام، ولعلي هنا أخص بالذكر د. أحمد يوسف لفعاليته الفكرية والسياسة، وحيويته على مستوى الحدث الفلسطيني، وكثرة ما يشار عنه – إعلامياً – بالتغريد خارج السرب.
لقد بدأت معرفتي بالدكتور أحمد يوسف في النصف الأول من عام 2008م، حينما قررت رئاسة قسم الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الإسلامية في غزة بأن أقضي فترةً من الزمن كمتدربٍ في أروقة وقطاعات وزارة الخارجية، كُنتُ حينها طالباً في السنة الثالثة بالجامعة. في المقابل؛ كان الدكتور أحمد يوسف يشغل منصب وكيل وزارة الشئون الخارجية، وكان قبلها يعمل مستشاراً سياسياً لرئيس الحكومة الفلسطينية العاشرة (إسماعيل هنية)، حيث كان خلال تلك الفترة بمثابة القائم الفعلي بأعمال الوزارة، وحقلة الوصل الأولى بين الداخل والخارج، وقد تقاعد في نهاية عام 2010م بعد عمله لعدة سنوات بالخارجية.
كان أول موقفٍ قد جذب انتباهي بقوةٍ وأجبرني على التقرّب من الدكتور يوسف حينما سألته عن أداء الحكومة في الفترة 2006 – 2008م، فأجابني بأنَّ الحكومة أصابت في كذا وكذا بينما أخطأت في كذا وكذا. لقد لمست من حديثه صدقاً وموضوعيةً ووعياً بالغ الأثر، فأدركت حينها أنَّه شخصٌ يمكن الاعتماد عليه كمرجعيةٍ سياسيةٍ، فحاولت استكشافه والبحث عن مكوناته فوجدته متخصصاً في قضايا الإعلام الدولي والتجارب النضالية والسياسية حول العالم، ومتعمق في شئون الحركات الإسلامية.
لعل أبرز ما يميز الدكتور أحمد يوسف أنَّه كان بحق الرجل المناسب في المكان المناسب، حيث شغل وكيل وزارة الشئون الخارجية انطلاقاً من مسألتين، الأولى تتعلق بالمؤهلات العلمية، حيث كان يتقن اللغة الإنجليزية بطلاقة فائقة، وله عدة مؤلفات بالإنجليزية، وهذا جاء أثناء حصوله على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية والإعلام من الولايات المتحدة الأمريكية. أمَّا المسألة الثانية فتتعلق بالخبرات التي اكتسبها والتجارب التي خاضها الدكتور أحمد يوسف، حيث عاش قرابة عقدين من الزمان في الولايات المتحدة الأمريكية قضاها في التحصيل العلمي والعمل البحثي، وشغل خلالها منصب المدير التنفيذي للمؤسسة المتحدة للدراسات والأبحاث في العاصمة واشنطن، وقام بالعديد من الجولات الميدانية لبعض مناطق الصراع مثل أفغانستان، وإيرلندا، كما أقام في الجزائر لمدة عامين، درس فيها فترة السنوات العشر المأساوية التي عاشتها الجزائر، وله في ذلك عدة مؤلفات، كما زار عشرات الدول في أسيا وأوروبا وأفريقيا، والتقى بكثيرٍ من قادتها وزعمائها.
وهذا يعني باختصار أنه كانت لديه فرصة الاطلاع عن قربٍ على الحضارة الغربية ومشاهدة الكثير من بلدان الشرق العربي والإسلامي، واستطاع أن يُكوِّن حصيلةً معرفيةً مهولةً حول الحضارات والأجناس والسياسات والأعراق، وطُرق التفكير لدى كل منها.
خاض الدكتور أحمد يوسف عدداً من التجارب التفاوضية في أماكن مختلفة، أبرزها ليبيا، حيث فاوض الرئيس الراحل معمر القذافي من أجل التخفيف من قبضته على كوادر الحركة الإسلامية في ليبيا، وقد نجحت المفاوضات بالفعل، لكن المتغيرات الدولية؛ وخاصة أحداث 11 سبتمبر، قد أجبرت القذافي على إبقاء قبضته الحديدية على كوادر الحركة، لكنه اضطر في نهاية الأمر إلى إطلاق سراحهم جميعاً. لعل المهم في الأمر أن الدكتور أحمد يوسف قد خاض تجاربه التفاوضية بعد دراسات معمقة في العديد من التجارب التفاوضية كالتي حدثت في الجزائر ونظيراتها في فيتنام وإيرلندا.
يُذكر أن الدكتور أحد يوسف قام بنشر أكثر من 27 كتاباً، وقرابة 25 دراسةً، قام بتأليفها خلال السنوات التي قضاها في العمل البحثي والفكري خارج الوطن وبين جنباته، لكن أهم ما لمسته في هذه المؤلفات أنها قد اعتمدت على المصادر الأولية في البحث العلمي بجانب القليل من المصادر الثانوية، حيث عمد إلى إجراء المقابلات مع الشخصيات المستهدفة للدراسة، وهذا ما ظهر في مؤلفاته: "الأزمة والرجل الرشيد"، حول شخصية الشيخ محفوظ نحناح، وكتاب "الجزائر: الأزمة وسفر الخروج" مع الشيخ أبو جرة سلطاني، وأيضاً كتاب "الجزائر سنوات الدم والمحراب" مع الشيخ عبد الله جاب الله، وكذلك دراسة "حماس والحركة السلفية في قطاع غزة". وهذا يعني أن المؤلف قد عاش الحدث، وبالتالي يستطيع التنبؤ بالمآلات، على عكس الكثير من الباحثين الذين يعمدون الحصول على المعلومة من غير مصادرها الأساسية.
وأيَّاً ما كانت الظروف والأحداث؛ فقد كشفت المؤلفات عن أبرز ملامح الدكتور أحمد يوسف وعن أبرز ملامح فكره السياسي، وقد تجَّلت في سلسلة من إصدارته الأخيرة بعنوان "الإنسان موقف"، والتي تتناول مجريات الأحداث التي تمت بعد الأحداث المأساوية في يونيو 2007م، وما أعقبها من انقسام ومناكفات سياسية، وتشرذم للحالة الوطنية وتأزيم لمشروعنا الوطني.. هذه السلسلة من كتاب "الإنسان موقف"، وهي عبارة عن خمسة مجلدات تعكس مواقف د. أحمد يوسف، والتي حاول فيها أن يوضح مواقفه بوطنية خالصة، بعيداً عن اللغة الحزبية أو التنظيمية.
وهذه هي ملخص قراءاتي في شخصية د. أحمد يوسف:
1- سعة الاطلاع: لا يكاد يخلو مقال من مقالات د. أحمد يوسف من معلومة جديدة أو فائدة أو حكمة أو لطيفة من اللطائف، التي قد تجدها - في الأصل - موجودة في واحد من الكتب التي يقرأها الكاتب، وهذا مردَّه إلى سعة القراءة والاطلاع والتعمق في القضايا السياسية والإنسانية والأدب والعلوم، وقد لمست هذه المسألة بنفسي، حيث كنت أسأل الدكتور عن بعض المؤلفات فيجيبني تفاصيلها لأنه قرأها من قبل، وقد عرضت عليه بعض المؤلفات أثناء بحثي عن بعض الأمور في التاريخ الجزائري المعاصر، فأخبرني أنه قرأها واقتناها من قبل أثناء وجوده في الجزائر أو أثناء سفره إلى بيروت، هذا بجانب أنه شغوف بالمعرفة، حيث يقرأ – في الأغلب - كتاباً كاملاً في يوم أو اثنين تقريباً، وحيث إن الدوام الحكومي الرسمي يبدأ في حوالي الساعة 9 صباحاً وينتهي الساعة الثالثة بعد الظهر، إلا أنه كان يستمر بمكتبه في الوزارة إلى نحو الساعة 10 أو 11 أو 12 ليلاً، بمعنى أنه كان يقضي ما يزيد عن 15 ساعة يومياً للمطالعة.
2- الاطلاع على التجارب السابقة: لقد ساعدت سعة الاطلاع والقراءة المتواصلة والسفر الدائم في تكوين شخصية د. أحمد يوسف؛ كشخصية كثيرة البحث عن المتاعب، والتنقيب عن خبايا التجارب السابقة، وذلك من أجل أخذ العبر والعِظات والاستفادة منها فلسطينياً. ومن خلال اقترابي كثيراً من د. أحمد يوسف، وجدتُ نفسي شاهداً على جزءٍ كبيرٍ من تجربته في معايشة حركات الإسلام السياسي في الخارج، حيث كَتَبَ عن الحركة الإسلامية في الجزائر (حركة مجتمع السلم وأخواتها)، ثمَّ كتب عن الحركة الإسلامية في تركيا (حزب العدالة والتنمية وتجربة البروفيسور نجم الدين أربكان)، وكتب عن الحركة الإسلامية في أفغانستان (حركة طالبان)، وكتب عن الحركة الإسلامية الشيعية في لبنان (حزب الله)، ثم كتب عن حركة حماس والحركة السلفية.
لقد كانت كتاباته مليئة بالنتائج والدروس المستفادة من تجارب الحركات الإسلامية في بلدانها، وهو ما يمكن اعتباره خلاصات لتجارب ومعالم على طريق العمل السياسي بالنسبة لحركة حماس، خاصة إذا ما أدركنا أن غالبية التجارب السياسية للحركات الإسلامية تجتمع عند قواسم مشتركة رغم اختلاف التاريخ والجغرافيا. لكن؛ وللأسف لم تأخذ حركة حماس بما ورد في كتابات د. أحمد يوسف، وربما هناك الكثير من عناصرها لم يكلِّفوا أنفسهم حتى جهد القراءة.
لقد أصبح د. أحمد يوسف بفضل اطلاعه الواسع صاحب اختصاص بفهم الحركات الإسلامية وتجاربها، وكذلك بحركات التحرر الوطني، كما أنه يعتبر خبيراً ببعض التجارب التفاوضية، وتجارب الحكم حول العالم، لدرجة أنه أضحى قادراً على عقد محاضرات طويلة حول التجارب التفاوضية الجزائرية والفيتنامية والجنوب افريقية والإيرلندية، وإعطاء محاضرات عن تجارب الحركات الإسلامية في مشهد الحكم والسياسة في بلدان كالجزائر وتركيا ومصر والأردن والمغرب وغيرها.
3- النقد والجرأة والمصداقية: من المعلوم أن القيادة الفلسطينية تتحدث بلغتين؛ واحدة في العلن، والأخرى في الكواليس، وهذا ما اتسمت به منذ عشرينات القرن الماضي، لكن الوضع مختلف تماماً بالنسبة للدكتور أحمد يوسف، إذ أنه صاحب وجهٍ واحدٍ، وموقفٍ واحدٍ، فينتقد حماس في السر والعلن إذا ما أخطأت، وكذلك الحال بالنسبة لفتح وغيرها، ولا يُلقِ بالاً للعتاب أو التهديد الموجه له من الأصدقاء والمقربين، ولعل هذا ما سبَّب له بعض المشكلات، باعتبار أن مواقفه مبنية على قاعدة "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها".
كان الرجل صريحاً وجريئاَ في تقديم الرأي والمشورة، وهذا ما ظهر في عشرات المواقف والتصريحات العلنية، حيث طالت انتقاداته الكثير من المواقف التي كان يرى فيها إشكالية وطنية، وتوسيعاً لهوة الخلاف بين فتح وحماس، وكان ينادي منذ أن وقع الانقسام بسرعة العمل على لمِّ الشمل وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. كما أن الكثير مما كان ينادي به في بداية تشكيل الحكومة عام 2006م وتعرض بسببه لانتقادات داخل الحركة، أصبح الآن وبعد ثمان سنوات هو رأي الكثيرين من كوادر الحركة وبعض قياداتها.
لم أشك في أحد أيام تعاملي مع د. احمد يوسف بأنَّه يقول ما لا يفعل، بمعنى أدق؛ لم أسجل عليه أيةَّ كذبة، لقد صرَّح في الأشهر القليلة الماضية عن دردشات مع الاحتلال الإسرائيلي فيما عُرف حينها ب"دردشات أحمد يوسف"، فخرج أحد قيادات حركة حماس ونفى بالمطلق مثل هذه المفاوضات، راجعني حينها بعض أصدقاء العمل عن الموضوع، فأخبرتهم أن د. أحمد يوسف صادق ولا يعرف للكذب سبيلاً، وأضفتُ أن الأيام بيننا، وبالفعل أظهرت الأيام صدقه.
4- الانتماء الوطني: يتميز د. أحمد يوسف بمسك العصا من الوسط، والوقوف على درجةٍ واحدةٍ من الفرقاء الفلسطينيين، جرّاء تغليب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب أو الفصيل، فيلتقي مع قرار حماس فيما يشعر أنه لمصلحة الوطن، ويختلف معها فيما يشعر أنه ضد مصلحة الوطن من وجهة نظره الخاصة بالطبع، وكذلك كان يلتقي مع فتح ويختلف معها وفق معايير وطنية...
وربما يعترض البعض على مواقف د. أحمد يوسف انطلاقاً من حيث أنه يتحفظ على مفاوضات السلطة مع إسرائيل، في حين يتحدث عن دردشات مع إسرائيل، ولعل مرد ذلك أن السلطة ماضية في مسلسل التنازلات في حين تفاوض حماس حول ميناء ومطار ورفع حصار وتسهيل حياة الغزيين.. ولكن لمَّا فشلت تلك المفاوضات بين حماس وتوني بلير، تحدَّث د. أحمد يوسف بوضوح حول المفاوضات، والأسباب الحقيقية الكامنة خلف فشلها.
5- التفكير الجماعي والتفكير خارج الصندوق: يُعرف د. أحمد يوسف بأنَّه الشخصية الوحيدة في حركة حماس التي تغرد خارج السرب أحياناً، وتفكر خارج الصندوق وتعمل على قرع جدار الخزان الحمساوي، وله شطحات كثيرة بالمفهوم الإيجابي للكلمة أو حتى السلبي، وذلك بحسب وجهة نظر كل شخص يتلقاها، إذ لا يتقيد بالأفكار الحمساوية على مطلقها وبدون إعمالٍ لفِكرِه، وهو يطرح ما لديه من أفكار علناً، بل يقوم في بعض الأحيان بنشر المراسلات والوثائق الخاصة التي قام بإرسالها إلى بعض القيادات الفلسطينية، وخاصة الحمساوية. حيث قام بنشر عدد من الوثائق، والردود عليها، في كتابه الذي يحمل عنوان: "مذكرة النصيحة: رسائل مفتوحة إلى القيادة السياسية، 2011م".
أما بخصوص التفكير الجماعي، فيقوم د. أحمد يوسف بعقد ندوات خاصة، وهي أشبه بالصالون السياسي، حيث يجمع فيها عدداً من الباحثين والمختصين والمفكرين ويطرح عليهم التساؤلات، ويطلب منهم الإجابات، ثم يختار أفضلها، وهذا ما يسمى بأسلوب "العصف الذهني"، الذي يقود إلى تلاقح الأفكار وانضاجها، علماً بأنه يتملك إجابات كافية، لكنه بحاجة إلى إجابات أفضل وأرقى، انطلاقاً من مبدأ أن عقلين يفكران بشكل أفضل من عقل واحد، فما البال بمجموعة من النخب أصحاب العقول الفذة.
لعل هذه لمحة سريعة عن د. أحمد يوسف، كتبتُها كخلاصة لثماني سنوات من المعرفة والاحتكاك به، مضافاً إليها هذا الكم من المؤلفات الغنية والحافلة بالكثير من وجوه المعرفة، ولكن؛ يبقى أن يتقدم أحد الباحثين بتناول شخصيته بالدراسة والتحليل العميق من كافة جوانبها وأبعادها؛ السياسية والفكرية والاجتماعية والنفسية وغيرها.