في وسائل الاعلام حللوا لغة جسد نتنياهو واوباما، النبرة، تركيز النظرة أو الهمسة، ربطة العنق او غيابها. والسؤال الهام في الثقافة الاسرائيلية هو سؤال عاطفي. في الدولة اليهودية – الديمقراطية فان الهوية، الصورة الذاتية والشعور "الحار" هي الاساس والمصلحة "الباردة" هي الامر التافه. واعتبارات مثل حسابات الربح والخسارة هامة لنا أقل من الاحساس الحميم الذي يملأنا قبل لحظة من الكارثة. وعليه يبرز عندنا دوما قبل لحظة من كل حسم سياسي أحد ما يكون هو المذل الدوري الذي يعفينا من الحاجة المضنية لفحص تقارير الربح والخسارة.
أما لدى الامريكيين فالامور مختلفة. على الاقل في الادارة. فالسياسة الامريكية تجد تعبيرها في الاقوال المنسوبة لفرانكلين دلانو روزفيلد عن انستاسيو سموزا، حاكم نيكارغوا: "لعله ابن زانية، ولكنه ابن زانيتنا". في الولايات المتحدة لا يكون الامر شخصيا. احد في الادارة الامريكية لم يحب سموزا وأحد لا يحب نتنياهو، ولكن سياسة الولايات المتحدة لا تتقرر حسب الحب والكراهية. بل تتقرر حسب المصالح الامريكية.
لماذا إذن توشك القوة العظمى رقم واحد في العالم (على الاقل حاليا) لان تمنح جائزة لنتنياهو في صورة رزمة مساعدة معززة، رغم أنه حطم كل قاعدة سلوك ملائم بين القوة العظمى والدول المرعية؟ فبعد كل شيء أغدق نتنياهو وعودا لم يفِ بها، وقف علنا ضد الادارة بل حتى جاء كضيف غير مدعو ليخطب أمام الكونغرس، رغم معارضة الرئيس. جواب "بارد"، كما يخيل، سيرضي آذاننا أقل من القول ان نتنياهو "انتصر" على اوباما بفضل تلاعب ذكي في السياسة الامريكية. عندما يكون هذا هاما بما يكفي للرئيس الامريكي (مثل ما هو موضوع الاتفاق مع ايران) فانه يعرف كيف يتغلب على تلاعبات نتنياهو وتمرير القرارات التي يرغب فيها. الموضوع هو أن السياسة الاسرائيلية بشأن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني ببساطة ليست هامة بما يكفي له.
ان رأي اوباما في مصلحة اسرائيل الوجودية معروف. وقد عبر عنه مرات عديدة: مصلحة اسرائيل برأيه هي الوصول الى تسوية مع الفلسطينيين، يفتح امام اسرائيل ابوابا مؤصدة ويسمح لها بأن تنفذ عصف داخلي تحتاجه برأيه كي تكون دولة "متنورة". غير أنه في السنوات الاخيرة نضج لدى اوباما الاعتراف بان دولة اسرائيل غير معنية بان تنفذ الخطوات الحيوية لوجودها حسب فكره. من نواح عديدة يرى في اسرائيل دولة غير عقلانية. فلا يدور الحديث فقط عن نتنياهو، بل وايضا عن الجمهور الاسرائيلي.
لقد شهدت الانتخابات الاخيرة على أنه ليس في اسرائيل قوى معنية حقا بتغيير سياسة نتنياهو. فالمحاولات الامريكية، المباشرة وغير المباشرة، للتأثير على الجمهور الاسرائيلي باءت بالفشل. فقد تبين ان الاسرائيليين راضون عما لديهم. فما العمل؟ لو اعتقد اوباما بان حل النزاع هو مصلحة حيوية للولايات المتحدة، لكانت له غير قليل من الخيارات. فالولايات المتحدة يمكنها أن تمارس على اسرائيل ضغطا بألف وواحد من السبل. كمرعية لها، اسرائيل متعلقة بأرباب نعمتها في واشنطن أكثر بكثير مما هو مريح لنا أن نعترف.
لقد امتنع اوباما عن مثل هذه الاجراءات ليس لانه استسلم لنتنياهو، للوبي المؤيد لاسرائيل ولصناعة السلاح الامريكية الجائعة للعقود، بل لانه فقد الاهتمام. من ناحية المصالح الامريكية في عصر انهيار الدول المعادية لامريكا (العراق وسوريا) وبعد التسوية مع ايران، لم تعد التسوية السلمية الاسرائيلية – العربية المفتاح للتحالفات مع قوى أخرى في المنطقة. فهؤلاء متحمسون للمساعدة الامريكية لاسبابهم. ومثل هذه التسوية هي شأن اسرائيل. لا تريد؟ فلتغرق في خيارها.
اسرائيل معنية بان تصبح دولة ثنائية القومية؟ فلتتفضل. معنية بان تصبح دولة اكثر دينية وأقل ديمقراطية؟ فلتتفضل. للولايات المتحدة لا توجد مشكلة في الحفاظ على مصالح طيبة مع دولة دينية وفاسدة مثل السعودية (دولة اخرى تغدق الولايات المتحدة عليها بالسلاح)، على أن يحافظوا على مصالحها الحيوية.
من جهة اخرى، لا تتحدثوا أكثر عن الحلف الايديولوجي بين الدول المشاركة في الفكر. فسيكون لهذا آثار في كل تلك الحالات التي يعمل فيها الحليف انطلاق من التماثل وليس انطلاقا من المصالح. في هذه الاثناء ستواصل الولايات المتحدة ضخ السلاح. اذا كنتم ترون في هذا انتصارا، فقد انتصرتم.


