الصورة التي تفطر القلب لجثة الرضيع على شواطيء تركيا، الذي غرق عندما كانت عائلته تحاول الهرب من سوريا، تجسد بشكل دراماتيكي المسار التراجيدي لملايين الناس، ضحايا سفك الدماء الذي يغرق الشرق الاوسط – قريبون جدا منا، ومع ذلك هم بعيدين عن مسقط رأسهم. في محاولة الهرب من الموت الذي في وطنهم وايجاد ملجأ في اوروبا الهادئة والمتقدمة. هم يخاطرون بحياتهم وحياة أبنائهم. هذه القضية المحزنة تُذكر بأزمة لاجئين آخرين في أزمان اخرى – ليست بعيدة كثيرا.
قبل سبعين عاما عندما ازداد الخنق والمطاردة ليهود المانيا بدأ البحث عن ملجأ. عندما احتلت المانيا النمسا، وبعد ذلك بوهاميا وموربيا في التشيك، كان عدد اليهود الذين بحثوا عن ملجأ ازداد، واكتشفوا أن حدود معظم الدول مغلقة في وجوههم. في حينه كان الالمان لم يتحدثوا بعد عن الابادة بل عن طريقة للتخلص من اليهود، ولم يقتلهم أحد. الجهود الدولية لمساعدة اللاجئين تركزت في مؤتمر أفيان التي دعا اليه فرنكلن روزفلت في 1938، الذي لم يكن إلا خدعة حيث أن الابواب بقيت مغلقة.
بعد دخول المانيا الى الاتحاد السوفييتي في 1941، وجدت أن الطريقة الوحيدة للتخلص من اليهود هي ابادتهم، وهنا بدأ القتل الجماعي. الجهود الدولية لمعالجة ازمة اليهود اقتصرت على مؤتمر برمودا الذي دعت اليه الولايات المتحدة وبريطانيا في 1943، والذي كان ايضا خدعة لأنه لم يتقرر فيه اتخاذ أي اجراء يؤدي الى انقاذ اليهود.
الجالية الوحيدة التي كانت على استعداد لاستيعاب اللاجئين اليهود هي فقط يهود ارض اسرائيل، لكن بريطانيا أغلقت طريقهم الى هنا مثل اللاجئين السوريين والليبيين الآن. اليهود الهاربين من اوروبا أبحروا في سفن قديمة في محاولة للوصول الى شواطيء ارض اسرائيل والاسطول البريطاني قام احيانا بقصف هذه السفن. السفينة الاخيرة التي خرجت من اوروبا كانت "ستروما" التي أبحرت من رومانيا في كانون الاول 1941، حيث كانت الكارثة في ذروتها. وعندما وصلت الى تركيا منع الاتراك اللاجئين من السفر براً، إلا اذا منحتهم بريطانيا تصاريح الدخول الى ارض اسرائيل. البريطانيون رفضوا ذلك خشية هرب يهود آخرين من اوروبا والوصول الى ارض اسرائيل. وقد تم سحب السفينة الى البحر الاسود في كانون الثاني 1942 وهناك غرقت وغرق معها 768 شخصا، منهم 103 اولاد. بعد "ستروما" لم تخرج أي سفن اخرى للاجئين يهود من اوروبا حتى انتهاء الحرب.
نتيجة الصراع اليهودي العربي في ارض اسرائيل، الذي كانت ذروته في هجوم الجيوش العربية في 15 أيار 1984، هرب 625 ألف عربي من بيوتهم وتحولوا الى لاجئين. بعض الدول العربية سمحت لهم بدخول اراضيها، لكنه تم منعهم من الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فهم لا يريدهم أحد، وقد أخذت الامم المتحدة المسؤولية عنهم على عاتقها. في كانون الاول 1949 أنشئت وكالة تشغيل وغوث اللاجئين "الأونروا".
قامت الامم المتحدة بتمديد انتدابها حتى 2017، وهي ترعى اليوم 5 ملايين لاجئي فلسطيني، وميزانيتها أكثر من ملياري دولار سنويا. الامم المتحدة لم تفعل أي شيء من اجل حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بل العكس، خلّدت المشكلة. 57 بالمئة من ميزانيتها خصصت للتعليم في المدارس الخاصة بها حيث يتعلم الاولاد هناك كراهية اسرائيل والحلم بالقضاء عليها والعودة الى البيوت التي تركها أجدادها في 1948. مشكلة اللاجئين بعيدة في الوقت الحالي عن الحل أكثر مما كانت في 1948.
توجد لدول اوروبا الآن فرصة لمعالجة لاجئي الشرق الاوسط الذين يصلون الى شواطئها. فهل سيصمد الاتحاد الاوروبي في وجه هذا التحدي الانساني الكبير.


