خبر : اضرار الصيف \ بقلم: الون بن دافيد \ معاريف

السبت 15 أغسطس 2015 03:34 م / بتوقيت القدس +2GMT



          لا رحمة له، صيف الشرق الاوسط. حر لا يطاق، رطوبة مزعجة. صحيح أنه هذه المرة اعفانا من الحرب، ولكنه جلب معه جنون التطرف، الذي يبدو في هذه اللحظة عديم التحكم.

          كان محزنا ومخيفا قراءة ردود الفعل على المقابلات التي اجريت مع رئيس الدولة في نهاية الاسبوع الماضي. فما فهم منها هو ان في اسرائيل 2015 يوجد جمهور غفير في نظره من يؤيد الديمقراطية والرسمية هو يساري منبطح، ان لم نقل خائن. وتحرص وسائل الاعلام في معظمها على الاعراب عن التحفظ والصدمة، ولكن في ذات النفس تواصل منح منصة للتحريض ونشر الكراهية على المعقبين ممن ينشرون الى جانب المضمون الصحفي.

          اجهزة الاعلام، التي في معظمها تكافح في سبيل بقائها الاقتصادي، لا تتجرأ حاليا على المساهمة بنصيبها في مكافحة التحريض وهي ستواصل ارضاء المعقبين الاكثر نذالة بالدعوى العليلة "لحرية التعبير"، بل ولن تكلف نفسها حتى عناء فرز وترشيح ردود الفعل. تعابير الكراهية والتحريض العنصري، الخوف من المثلية والتشهير بالشخصيات العامة ستواصل النشر في المواقع الالكترونية المؤطرة مستغلة المنصة الصحفية لبث السم. ولعل هذا يتوقف بعد الاغتيال السياسي التالي، التي باتت اسسه قائمة هنا منذ الان.

          المأساة هي أن كل هذا يحصل بالذات في فترة تتمتع فيها اسرائيل برفاه استراتيجي. صحيح اننا تلقينا هذا الاسبوع تأكيدا لما اشتبهنا به منذ زمن بعيد: حماس تحفر انفاقا الى اراضينا وانهت حتى الان حفر عدد كبير من الانفاق الى داخل اسرائيل. هذا مقلق ويشغل بال سكان غلاف غزة  اكثر من الاخرين، ولكن قبل لحظة من دخولنا منافسة "من يقترح القضاء على حماس بنجاعة أكبر" – يجدر بنا التوقف والتعالي لدقيقة عن خنق الصيف، والنظر الى هذا التهديد بشكل واع.

          في الجنوب يدور في هذه اللحظة سباق تسلح: حماس تحفر الانفاق تمهيدا للمواجهة التالية واسرائيل تبدأ بنصب منظومات تكنولوجية للعثور على الانفاق، والتي ستكون حتى السنة القادمة ذات قدرة عملياتية. حماس تحفر هذه الانفاق ليوم الامر. وجهتها ليست نحو المواجهة مع اسرائيل في هذه اللحظة بل العكس: تبحث عن تسوية مع اسرائيل.

          في ضوء هذا الفهم تفضل اسرائيل  انتظار استكمال منظومات العثور على الانفاق والا تعمل في هذه اللحظة ضدها. والتقدير هو ان لاسرائيل معلومات استخبارية جيدة عن مكان الانفاق والطريقة التي يستعد فيها الجيش الاسرائيلي في  غلاف غزة يمكنها أن تحتوي هجوما مفاجئا، اذا ما جاء مثل هذا الهجوم، عبر الانفاق. والبديل هو الدخول في مواجهة اخرى في غزة، بتنا نعرف ثمنه وفي نهايتها سيبدأون مرة اخرى بحفر الانفاق من غزة الى اسرائيل.

          كيف يمكن النوم في الليل مع تهديد الانفاق التي تخرج الى بواباتنا؟ بالضبط مثلما ننام مع مئة الف صاروخ ومقذوفة صاروخية موجهة الينا من لبنان. اسرائيل لم تخرج ابدا الى الحرب كي تمنع العدو من التعاظم. العكس هو الصحيح، فقد بحثت دوما عن السبيل لابعاد الحرب التالية، انطلقا من الفهم بان في نهاية كل حرب يبدأ التعاظم المتجدد.

          في حالة غزة، لا تزال هناك فرصة لابعاد الحرب التالية كثيرا. فحماس تلمح بانها معنية بتسوية وانها ستوافق على التعهد بوقف نار طويل المدى اذا ما سمحت لها اسرائيل بمخرج نحو العالم. ومع أن الجنوب يتمتع بهدوء غير مسبوق في هذه اللحظة، فان اسرائيل تواصل تجاهل تلميحات حماس. نافذة الفرص امامهم لا تزال مفتوحة ولكنها لن تبقى كذلك دوما.

          نافذة فرص أطول فتحت الان مع ايران. فمع أن حامل المسدس نتنياهو يستعد الى نزاله البطولي مع النذل الامريكي، في الجيش الاسرائيلي باتوا ينظرون الى الاتفاق مع ايران كحقيقة منتهية وبدأوا يفحصون مزاياه، الى جانب نواقصه المعروفة.

          الاتفاق سيء، وخلافا لمنشورات مختلفة لم أرَ حتى اليوم مؤيدين متحمسين له بين قيادة الجيش. ولكن كمهنيين، في الجيش الاسرائيلي يفهمون بان هذا الاتفاق يمنحهم الوقت، على الاقل في الموضوع النووي. فهو يؤجل التهديد الايراني النووي بعقد على الاقل، ما يسمح للجيش الاسرائيلي بان يوزع ويقلل استثماراته في اعداد الخيار العسكري حيال ايران. هذا الخيار ينبغي حفظه ورفع مستواه في هذا العقد، ولكن ليس بذات الحاح الاستثمار الذي رافقه في السنوات الاخيرة.

          اضافة الى ذلك، ففي هذه الفترة سيتعين على اسرائيل أن تنوع صندوق ادواتها امام ايران. فالجيش سيكون مطالبا بان يطور القدرة على توجيه ضربة سايبر للجمهورية الاسلامية، تأتي مع أو بدلا من ضربة جوية. وسيتعين على الموساد أن تشدد قدراتها العملياتية للاحباط السري للبرنامج النووي – بالتصفيات، بالتخريبات وبهجمات السايبر.

          يرى الجيش نافذة الفرص هذه ويأمل في أن تسمح له بان يستغلها لبناء جيش ذي صلة اكثر بالمهام الجديدة. ولرئيس الاركان غادي آيزنكوت الشجاعة والفهم اللازمين ليكون اصلاحيا، وبالذات لهذا السبب خسارة ان تقرير لوكر انهزم على صخرة خلاف التقاعد.

          ثلاثة أسئلة

          في الاسبوع الماضي انجرفت في اثناء الكتابة عن التقرير وأسفت في نظرة الى الوراء على الصيغة التي اصدرتها ولم تعكس نواياي. ليس عندي أي شك بان ما حرك يوحنان لوكر واعضاء اللجنة كانت الرغبة في تعزيز الجيش وتحسينه. وكان انتقادي عن الاستخدام الذي يقوم به بعض من الصحافة الاقتصادية للتقرير من اجل مناكفة الخادمين في الجيش والتشهير بهم.

          الفجوة بين موقف الجيش وتقرير لوكر ليست كبيرة. فالاغلبية الساحقة من التقرير تتطابق والخطة متعددة السنوات التي اعدها رئيس  الاركان. في  الطرفين يريدون تصفية المسخرة التي ترافق كل سنة ميزانية الدفاع ووقف طريقة العلاوات والغمزات. في الطرفين يريدون ميزانية دائمة للدفاع (الفجوة بين لوكر والجيش هي نحو مليار شيكل)، مما يتيح تخطيطا بعيد المدى.

          اذا ما وضعوا جانبا الموضوع المتفجر المتعلق بالتقاعدات، فان هذا التقرير هو اساس جيد لبجث مشترك. لوكر بالذات كان مستعدا لان يترك مسألة التقاعد جانبا وان يجري بحثا في الـ 52 توصية الاخرى له، وكذا رئيس الاركان ما كان ليعارض، ولكن وزير الدفاع لم يأتِ الى البحث.

          يفسر بوغي يعلون توصيات لوكر بالشفافية في الميزانية كمحاولة لمنح المالية السيطرة على وزارة الدفاع. قلقه مبرر. اغلبية الوزارات الحكومية يديرها الاصلاحيون الشباب في المالية. فعندما يريد وزير الامن الداخلي أن يشتري سيارات دورية جديدة للشرطة يتعين عليه أن يبعث مديره العام كي يستجدي رجال المالية.

          لكل الوزارات الحكومية، باستثناء الدفاع، لا توجد حقا قدرة على ادارة المجالات التي يتولون المسؤولية عنها. رجال المالية هم الذين يقررون كم صحة تكون لنا، اي تعليم يتلقاه اطفالنا وكم رفاه. كما ان المالية تحرص على الا تنجح الوزارات الحكومية في تحقيق ميزانيتها وان تنهي كل سنة مع فائض ميزانية، يكون ممكنا استخدامه لتلبية مطالب سياسية او سد ثقوب في الميزانية.

          يدعي لوكر بان توصياته تستهدف خلق شفافية ميزانية في وزارة الدفاع حيال وزارة المالية، ولكنها تبقي السيطرة والادارة في يد الدفاع. اما يعلون ورجاله فغير مستعدين حتى للبحث في هذا. والجيش الاسرائيلي يسير على خطهم – وهو لا يمكنه لا يعترف بان وزارة الدفاع، على المليار ونصف مليار شيكل اللذين تستهلكهما  في السنة، هي عبء آخر على ميزانية الجيش.

          ولكن فضلا  عن صراعات القوى والمكانة الخالدة بين المالية والدفاع، توجد هنا فرصة لمعالجة مسائل ملحة وضرورية: هل مبنى القوة القائم للجيش الاسرائيلي مناسب لمهامه الحالية؟ هل فكرة استخدام الجيش ذات صلة بالمحيط الجديد الناشيء هنا؟ هل نموذج الخدمة الحالية، لجيش نظامي صغير يعتمد على جيش احتياط كبير، يستجيب لاحتياطات الامن الاسرائيلية؟

          في الجيش الاسرائيلي يفهمون بان الجواب على السؤالين الاولين هو لا. كما أن لجنة لوكر فهمت هذا. الجواب على السؤال الثالث ينطوي على معان اجتماعية عميقة، تتعلق بفكرة "جيش الشعب" ومكان الجيش في المجتمع الاسرائيلي. ليس الجيش الاسرائيلي هو ما ينبغي أن يجيب عليه.

          يخلق محيط اسرائيل لها الان لحظة مناسبة. هذه فرصة للبحث في هذه المسائل، وعدم الخوف حتى من تناول مسألة شروط الخدمة، ولكن ايضا جعلها الموضوع الاساس. الجيش الاسرائيلي تواق للتغيير، ولديه ايضا من يقود مثل هذا التغيير، وهو بحاجة الان الى شراكة واسناد المسؤولين عنه.