لنبدأ بالطرفة: يهوديان، احدهما يرتدي قلنسوة سوداء وبيده سكين حاد، والآخر يرتدي قلنسوة محبوكة وبيده قنبلة مولوتوف، يلاحقان يهوديين آخرين، الاول مثلي الجنس والأخرى يسارية. فجأة يتوقف مثلي الجنس واليسارية امام من يسعيان الى قتلهما، ويقول لهما مثلي الجنس: "يا أصدقاء، إذا لم تتوقفا عن هذا العمل المنحرف، فسندعو إلى مظاهرة حاشدة ضد العنف"، وتضيف اليسارية، "وسنحضر القيثارات، ونضيء الشموع ونغني". وعلى الفور يلقي المنتميان الى الأعشاب الضارة بالسكين وقنبلة المولوتوف بين الأعشاب، ويعودان إلى بيتيهما بخجل.
المشكلة هي ان هذه الحكاية هي ليست طرفة. فالوضع هو كذلك فعلا، طبعا باستثناء العبارة الأخيرة، التي تعتبر طرفة حقا. وهذا لا يحدث الان فقط، حين تخرج قطعان "اليساريين" وطهارى "حقوق الانسان" علنا وغضبا ضد فرض الاعتقال الاداري على اثنين ونصف من الاعشاب القاتلة، وانما يحدث ذلك منذ سنوات. هم يقتلون وانتم تغنون.
اليمين المتدين، المتعصب والتبشيري، يقوم منذ سنوات بجهود ضخمة، في جوهرها المستوطنات وراء حدود 1967، من اجل منع والغاء أي امكانية لتحقيق السلام بواسطة تقسيم البلاد بيننا وبين الفلسطينيين، والتسبب بأن تكون اسرائيل، في نهاية الطريق التي يقودوننا جميعا فيها، خاضعة من البحر وحتى النهر، للسيادة اليهودية -الدينية - القومية المطلقة، بينما يصبح ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون فيها – وهنا الخلاف بين المتعصبين الذين يتظاهرون بالاعتدال وبين المتطرفين – اما عبيدا لليهود، او يتم طردهم كلهم من "الارض الموعودة" لليهود فقط، او ان يتم ابادتهم بهذه الطريقة او تلك.
المستوطنات هي الوسيلة الرئيسية لتحقيق "ملكوت إسرائيل الكاملة" – التي تعني اعلان حرب شاملة مع العالم الاسلامي والعالم كله وخراب دولة اسرائيل – ولكن المتعصبين التبشيريين لا يستثنون الوسائل الاخرى.
ونشير في ما يلي الى بعض العينات، كي نوضح ان المقصود هنا ليست اعشابا ضارة كما يدعون، وانما طريقة مدروسة ومنتظمة: قطع أرجل رؤساء بلديات، قتل طلاب جامعات، تفجير باصات على ركابها، تفجير المساجد في الحرم القدسي (هذه كانت مخططات بعضها لم ينفذ، والتي اعدتها العصابة السرية اليهودية التي ضمت خيرة ابناء الحركة الاستيطانية وليس اعشابها او حمقاها)، ذبح عشرات المصلين (نفذها الرقيب باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي)، قتل رئيس الحكومة (بأيدي يغئال عمير)، والان احراق الفتية والاطفال (بأيدي اعشاب ضارة من نوعيات مختلفة).
اذن، ان اليمين الديني المتعصب يفعل كل شيء، وكل ما يستطيع، وكل ما يعتقد انه ضروري حسب نظريته المخبولة – حسب القانون، ومن خلال الالتفاف على القانون، وهذا لا يهمه – من اجل الاثارة وانشاء "دولة تشريعية" يهودية، تلغي حرية ومن ثم حياة كل من لا يتقبل ديانتها وقوانينها. هذا هو هدف اليمين الديني القومي، التبشيري المتعصب كله. انهم يقومون علينا، كل من ليس متدينا مثلهم، لقتلنا وابادتنا.
وانتم، المرشحون للربط والذبح، كيف تردون وما الذي تفعلونه؟ انتم تنظمون تظاهرات، ترفعون لافتات، تشعلون الشموع وتنشدون الاغاني. يمكن لمن يأتون لقتله ان يقوم ويرد على الحرب او يهرب كالمجنون طالما امتلك القوة على ذلك. ولكن الغناء امام البنادق والسكاكين؟ لقد اضحكتم ربهم.


