إلــــى
من فقدوا بوصلة التوجيه الصحيح في الدين الإسلامي.
من آمنوا بأدلجة الدين، و صاروا لا يرون إلا الظلام، فصدقوا أن ما يرونه هو عين الدين.
من فرضوا وصايتهم على الدين على انه ظلام لا يتحرك فيه إلا خفافيش الظلام.
من يصح أن نسميهم بخفافيش الظلام لحرصهم على صيرورة الدين الإسلامي ظلاما.
من اجل العودة إلى الذات و مساءلتها.
من اجل اعتبار الدين الإسلامي خروجا من الظلمات إلى النور.
من اجل جعل نور الإسلام انفتاحا على العصر و استيعابا لمستجداته.
حتى يصير الدين الإسلامي صالحا فعلا لكل زمان و لكل مكان.
محمد الحنفي
1) كثيرا ما نصادف على صفحات الجرائد، أو في العديد من الكتب التي تملأ الأرصفة بأبخس الأثمان و التي يتهافت على اقتنائها الأميون و أشباه الأميين الذين يعملون على ترديد مضامينها الهزيلة، و كثيرا ما نرتاد المواقع الإلكترونية المختلفة على شبكة الانترنيت لنجد قيئا من الأفكار الملوثة بالإيديولوجية التي يسمونها الإسلام. و كثيرا ما نبتلى في بيوتنا بمداخلات مشوهة لصورة الإسلام، لنجد أن كل ذلك يصدر عن مدعين ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين الإسلامي تأييدا للأنظمة القائمة في بلدان المسلمين، أو سعيا لبسط النفوذ و فرض السيطرة على أجهزة الدولة باسم الدين الإسلامي، لإكساب الشرعية الدينية إما للسلطات الرجعية و المتخلفة القائمة، و إما للسلطات التي يحتمل أن تحل محلها حتى تكون تلك الشرعية مبررا لاطلاق يد الحاكم للنيل من رقاب المسلمين و توجيه عملهم لخدمة مصالح السلطات القائمة و المحتمل قيامها مستقبلا باسم الدين الإسلامي البريء من السلطة الدنيوية براءة الذئب من دم يوسف كما ورد في سورة يوسف.
و لجوءنا إلى كتابة هذا المقال، إنما هو للرد على أولئك المتفيقهين الذين يسعون إلى بسط سيطرتهم على الدين و احتكار الكلام باسم الدين الإسلامي و اعتبار أن الإسلام الحقيقي هو ما يتقيأونه على مسامع و أنظار المسلمين الحقيقيين الذين لا يملكون الإمكانيات الضرورية لمواجهة هذا السيل العارم من القيء المؤدلج للدين الإسلامي، و الذي يعتبر أن ما يقوله المؤدلجون هو الإسلام الحقيقي الإسلام الطبقي، الإسلام المعبر عن مصالح الطبقات التي ينتمي إليها مؤدلجوا الدين الإسلامي الذين يأخذون على عاتقهم احتلال صفحات الكتب و الجرائد و المجلات و مواقع الانترنيت، و القنوات الفضائية لجعل المتلقي ينخدع بما يتقيأونه بعيدا عن حقيقة الإسلام، و عن حرص المسلمين الحقيقيين على سلامة الدين الإسلامي من الادلجة. فالإسلام الحقيقي ليس إيديولوجية، و ليس تعبيرا عن الاصطفاف الطبقي، و ليس رغبة في الوصول إلى السلطة كما يقضي بذلك ما جاء في القرءان ، إنه الدين الذي يجب أن يكون لله وحده لا شريك له فيه مؤدلج أو زعيم ديني أو سلطة قائمة، أو سلطة يحتمل قيامها، كما توحي بذلك الآية " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا" و لذلك فنحن نعتبر من يقتنع بأيديولوجية دينية إسلامية. إنما هم مجموعة من المشركين لأنهم لا يعبدون الله وحده، و إنما يعبدون إلى جانبه مؤدلجي الدين، و زعمائهم الذين يسمون أنفسهم بالأولياء. و هؤلاء المشركون الجدد هم الذين ينخرطون في التيارات و الأحزاب المؤدلجة للدين و الموظفة له لتحقيق أغراض حزبية ضيقة لا علاقة لها بالدين الإسلامي بقدر ما لها علاقة بالأهداف التي يسعى مؤدلجو الدين إلى تحقيقها باسم الدين الإسلامي.
فهل يمكن تخليص الدين الإسلامي من هذه الهجمة الأيديولوجية الرسمية، و المضادة الساعية إلى جعل جميع المسلمين مشركين لله في عباداتهم التي يجمعون فيها بين عبادة الله و عبادة مؤدلجي الدين، و عبادة الزعماء الدينيين في الوقت الذي تنص فيه النصوص الدينية الثابتة و الصحيحة على أن الدين لله، و أن لا وجود لشيء اسمه الوصاية على الدين. و أن العلماء الذين لهم الأفضلية في خشية الله إنما هم مجرد إفراز لواقع فرض وجود النخبة المتعلمة التي تفرض وصايتها على الدين. و أن هذه النخبة المتعلمة التي عانت منها مجتمعات المسلمين كثيرا و لازالت تعاني منها إلى حين سيتراجع دورها مع انتشار التعليم في أوساط أبناء المسلمين، و عندما يتصدى المتنورون للكشف عن الخلفيات الحقيقية التي تستهدف ادلجة الدين الإسلامي، و مع تعميم التعليم ستختفي هذه النخبة، و بصفة نهائية مع تحقيق حرية الشعوب، و تجسيد الممارسة الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و بناء نظام سياسي تكون مهمته تحقيق العدالة الاجتماعية، و حينذاك يمكن أن نتحدث عن إسلام حقيقي، لا علاقة له بالادلجة، و لا بالأهداف الحزبية الإيديولوجية و السياسية الضيقة لأنه ستختفي و بصفة نهائية المبررات التي يعتمدها مؤدلجوا الدين، و يصير الناس أحرارا في معتقداتهم و في أداء شعائرهم، و دون وصاية من أحد.
2) فما هو مفهوم الدين الإسلامي ؟
فقد جاء في الحديث " المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده " و من هذا الفهم الدقيق و المتطور لتعريف المسلم و منذ ظهور الدين الإسلامي يمكن أن نقول أن الدين الإسلامي هو الدين الذي تتحقق في إطاره سلامة المسلمين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية انطلاقا من القيم الدينية المبثوثة في النصوص الدينية الصحيحة، و خاصة تلك التي جاء بها القرءان كأصح نص وصلنا بطريق التواتر. فالقيم الدينية الحقيقية التي جاء بها الدين الإسلامي هي قيم تسعى باستمرار و على مدار العصور التي تلت ظهور الإسلام إلى بناء إنسان يسعى إلى تحقيق سلامة المسلمين على جميع المستويات، و في جميع مناحي الحياة، و من منطلق أن الدين لله، و أن من يقدس سواه ليس إلا ممارسا للشرك به.
فعلى المستوى الاقتصادي يسعى أولو الأمر إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة حتى لا يكون هناك قاهر اقتصادي، و مقهور بسبب الاستغلال الاقتصادي. و حرص الحكام الذين يسميهم الدين الإسلامي بأولي الأمر الذين يختارهم المسلمون بكامل حريتهم و باحترام إرادتهم في إطار انتخابات حرة و نزيهة يتمثل في سعيهم إلى تحقيق العدالة الاقتصادية سواء كانت التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية، إقطاعية أو رأسمالية، لأنه يمكن لهؤلاء إحداث أنظمة الحماية الاجتماعية بضمان دخل اقتصادي يتناسب مع متطلبات الحياة و مع تكاليف العيش الكريم، إما عن طريق توفير مناصب العمل، أو عن طريق إحداث صندوق للتعويض عن البطالة، أو عن طريق توفير المعاش اللازم للعاجزين عن العمل مهما كان السن الذي يبلغونه لضمان سلامة المسلمين على المستوى الاقتصادي، و سعيا إلى جعل الأموال دولة بين الناس حتى لا تصير محتكرة في أيدي قلة من المستغلين الذين يلحقون الأذى بالمسلمين بسبب استغلالهم للمسلمين.
و على المستوى الاجتماعي يسعى أولو الأمر إلى تعميم الفرصة أمام المستعدين للتفرغ للبحث العلمي الدقيق و الإنساني و التاريخي و الفلسفي حتى يتحول مجتمع المسلمين إلى مجتمع بدون أمية، و مجتمع للمعارف المختلفة في تصورها و في شيوعها بين مختلف أبناء المسلمين، و يسعون إلى توفير مناصب الشغل لابناء المسلمين حتى لا يكونوا في حاجة إلى غيرهم، و حتى يضمنوا لأنفسهم استقرارا اجتماعيا باعتبار العمل وسيلة لذلك الاستقرار، كما يسعون إلى توفير السكن الصالح لكل المسلمين مهما كانت الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها حتى لا يصيروا عرضة للتشرد، و حتى لا يصير السكن وسيلة لاستغلال المسلمين في بلدان المسلمين، و حتى يسلم المسلمون من مالكي العقارات الذين يستغلون حاجة المسلمين إلى السكن للاستحواذ على ثرواتهم، و تركهم فقراء لا يملكون شيئا. و يسعون إلى توفير الصحة للجميع حتى لا يبقى العلاج حكرا على طبقة معينة، و يتم ضمان السلامة الصحية لجميع المسلمين حتى يساهموا مساهمة فعالة في بناء مستقبلهم و مستقبل أبنائهم، و يعملوا على تقديم جميع الخدمات الاجتماعية إلى جميع الناس على أساس المساواة فيما بينهم سعيا إلى تحقيق السلامة الاجتماعية.
و على المستوى الثقافي يعمل أولوا الأمر على ضمان إشاعة القيم الثقافية النبيلة التي تسعى إلى بناء شخصية الإنسان بصفة عامة، و شخصية الإنسان المسلم بصفة خاصة حتى تكون في مستوى مواجهة التحديات الثقافية المفروضة التي تستهدف تخريب الشخصية الإنسانية لصالح سيادة قيم الاستغلال الإقطاعي أو الرأسمالي أو هما معا في ظل عولمة اقتصاد السوق. و للتمكن من ذلك يعمل أولوا الأمر على تشجيع تنشيط الأدوات الثقافية كالجمعيات المختلفة و الفرق المسرحية و إنشاء وسائل الإعلام الثقافية التي تساعد على إنتاج القيم الثقافية، و تقويم ما هو قائم منها على ارض الواقع، و تسليط سلاح النقد الثقافي على القيم الثقافية التي لم تعد صالحة للاستمرار في الاعتماد بما فيها قيم ادلجة الدين الإسلامي التي أصابت مجتمعات المسلمين بالكثير من الكوارث التي لازالت تتوالى على هذه المجتمعات منذ مقتل عثمان، وإلى يومنا هذا، ودعم كل التوجهات التي تسعى إلى إقامة ثقافة تنويرية ديمقراطية تقدمية تساهم في جعل الناس بصفة عامة و المسلمين بصفة خاصة يعملون على التماس القيم التي تساعد على رفع مكانتهم بين الناس، و تفرض احترامهم بين الأمم، مما يحقق التواصل و التفاهم بين الشعوب المختلفة بما فيها شعوب المسلمين. و هو ما يؤدي إلى إيجاد مناخ يسود فيه سلام المسلمين في كل أرجاء الأرض، و يجعل المسلمين يقفون وراء إشاعة السلام في جميع أرجاء الأرض، باعتبار السلام قيمة إسلامية صرفة تدخل في صلب ثقافة المسلمين كما ورد في القرءان " و إن جنحوا للسلم فاجنح لها، و توكل على الله " فثقافة المسلمين الحقيقيين إذن هي ثقافة السلام، أما ثقافة الظلام و الإرهاب التي يدعيها المتفيقهون في الدين الإسلامي فماهي إلا ثقافة أدلجة الدين الاسلامي التي لا علاقة لها بهذا الدين لا من قريب و لا من بعيد.
و على المستوى المدني فإن أولي الأمر يسعون إلى تحقيق المساواة بين الناس في الحقوق و في الواجبات و أمام القانون حتى لا يشعر أي فرد بالقهر و الظلم و الاستعباد، و حتى يسود الإخاء و المساواة بين الناس كما جاء في الحديث الوارد عن الرسول " لا فرق بين عربي و عجمي، و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى" فتحقيق المساواة بين الناس بصفة عامة و بين المسلمين بصفة خاصة سوف لن يزيد المسلمين إلا قوة و صلابة على جعل السلام سائدا بين المسلمين فيما بينهم و بينهم و بين غيرهم من البشر. لأن الدعوة إلى خرق السلام و عدم المحافظة عليه ستنعدم مبرراتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية نظرا لسيادة المساواة بين البشر كقيمة سامية يلتمسها المعانون من كل أشكال القهر و الظلم و الاستعباد في ظل سيادة أنظمة الاستبداد في بلدان المسلمين بصفة خاصة.
و على المستوى السياسي، فأولوا الأمر يسعون إلى إقامة دستور ديمقراطي، و إجراء انتخابات حرة و نزيهة لإيجاد مؤسسات تمثيلية في كل بلد من بلدان المسلمين. و إقامة حكومات من أغلبية تلك المؤسسات تقوم بحماية مصالح المسلمين على أساس المساواة فيما بينهم لأن المسلمين حينذاك يكونون قد اختاروا من يحكمهم بأنفسهم و دون وصاية من أحد، و تطبيقا لما جاء في القرءان " و أمرهم شورى بينهم " خاصة و أن الأمور السياسية هي أمور لها علاقة بالمجتمع و بالصراع الطبقي الدائر فيه. و هو ما يقتضي إقرار صيغة للتداول على السلطة يساهم فيها جميع المسلمين ، و من جميع الطبقات الاجتماعية و في إطار من التمتع بالحق في الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
و بذلك يتجسد على ارض الواقع مفهوم الإسلام بتكريس واقع السلام بمعنى الأمن بمفهومه الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، و كل من يسعى إلى سيادة هذا الأمن على مستوى بلدان المسلمين فهو مسلم. و كل من وقف وراء فقدان هذا الأمن و بهذا المفهوم فهو ليس بمسلم انطلاقا من منطوق الحديث " المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده".
و الإسلام عندما يصير سلاما قائما على الأرض و مناخا لممارسة الصراع الاجتماعي بشكل طبيعي على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، يصير امتدادا لمفهوم الدين لا يعني إلا إخلاص العبادة لله دون سائر البشر فإخلاص العبادة لله يعني الإمساك عن ممارسة الاعتقاد بغير الله معبودا حتى و إن كان هذا المعبود بشرا، زعيما دينيا أو قائدا سياسيا مؤدلجا للدين من اجل إعطاء الشرعية الدينية للحكم القائم الممارس للاستبداد في كل بلد من بلدان المسلمين. لأن تقديس الزعماء الدينيين أو القادة السياسيين المؤدلجين للدين الإسلامي ما هو إلا ممارسة للشرك و دعوة إلى عبادة غير الله من البشر، و هو ما جاء الإسلام من اجل استئصاله من الفكر و من الممارسة على حد سواء.
و كون الإسلام المجسد للسلام امتداد للدين بالمعنى الذي أشرنا إليه يجعله وسيلة لتحرير الإنسان من التبعية للإنسان، و التعامل معه على أساس المساواة بين جميع المسلمين، و بين المسلمين و سائر البشر من غير المسلمين " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" كما قال عمر بن الخطاب.
3) فما هو مفهوم الادلجة الدينية ؟
إننا بوقوفنا على مفهوم الإيديولوجية سنجد أنها هي مجموع الأفكار المعبرة عن المصالح الطبقية لطبقة اجتماعية معينة، مع إيهام باقي الطبقات أن تلك المصالح هي مصالحها أيضا لوضع حد للتناقض القائم بين الطبقة صاحبة الإيديولوجية، و باقي الطبقات الاجتماعية القائمة في الواقع، و حسب التشكيلات الاقتصادية-الاجتماعية التي عرفها التاريخ فإننا نجد أن كل تشكيلة اجتماعية عرفت طبقتين رئيسيتين متناقضتين. فالتشكيلة العبودية عرفت إيديولوجية الأسياد و إيديولوجية العبيد. و التشكيلة الإقطاعية عرفت إيديولوجية الإقطاع و إيديولوجية الأقنان. و التشكيلة الرأسمالية عرفت إيديولوجية البورجوازية، و إيديولوجية الطبقة العاملة. و في كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية توجد طبقة وسطى لا هوية إيديولوجية لها. و لذلك نجد أن هذه الطبقة الوسطى تستعير ما يناسبها في مختلف الإيديولوجيات المتناقضة، و مما يروج في المجتمع من أفكار، و ما يتفاعل من اجل بلورة تركيبة إيديولوجية تتناسب مع طبيعة و تلون و نفاق وانتهازية الطبقة الوسطى.
و من المظاهر الملفتة للنظر، و المؤثرة في الواقع بشكل جلي و واضح، قيام شرائح من الطبقة الوسطى في بلدان المسلمين بما فيها البلدان العربية بالسطو على الدين الإسلامي، و تحويله إلى مجرد إيديولوجية معبرة عن مصالح تلك الفئات التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى و التي صارت تعطي لنفسها الحق، و بسبب ذلك السطو الممنهج في فرض الوصاية على الدين الإسلامي، و الدين الإسلامي براء منها، لأنه لا يعبر عن مصالحها، لأنه دين الناس جميعا و منذ عهد إبراهيم الخليل الذي جاء في حقه في القرءان " ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس " فالدين الإسلامي باعتباره آخر الأديان لا يمكن أن يعتبر إيديولوجية لطبقة معينة أو لحكم معين أو لدولة معينة. لأنه يجب أن يكون في متناول جميع من يعتنقه و يقتنع به و يومن بما جاء به. و الذين يمارسون السطو عليه، و يدعون انهم أهل لأن يصيروا أوصياء عليه، أو انهم أوصياء عليه، إنما يرتكبون جريمة في حق الإنسانية التي تحرم من أن يكون دينها خالصا من الشوائب، و تعمل على تحريفه بجعله مجرد دين معبر عن مصالح تلك الفئات المؤدلجة له منذ قيام الشيعة و الخوارج و بني أمية و آل الزبير. و منذ قيام ذلك الصراع الدامي بين تلك الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي الذي أودى بحياة الكثير من المسلمين الذين فرض عليهم الوقوف إلى جانب هذا أو ذاك. فكانت سنة الادلجة التي لازالت تحصد الأخضر و اليابس، و تودي بالكبير و الصغير و في كل بلد من بلدان المسلمين. و سنة كهذه لا يمكن اعتبارها إلا سنة سيئة، انطلاقا من الحديث النبوي الذي يقول "من سن سنة حسنة فله اجرها و اجر من عمل بها إلى يوم القيامة، و من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة" و المقياس الذي يمكن اعتماده للتمييز بين السنة الحسنة و السنة السيئة، هو المصلحة الإنسانية لجميع الناس بمن فيهم المسلمون. و المصلحة الإنسانية تقتضي العمل على تمتيع جميع الناس بجميع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و النضال من اجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. أما عندما تنتفي هذه المصلحة و بهذا المفهوم، فلا يمكن أن تكون إلا سنة سيئة. و ما دامت ادلجة الدين الإسلامي لا تؤدي إلا إلى إحداث شقاق و نفاق بين المسلمين فهي سنة سيئة، و من يقوم بها يرتكب جريمة ضد الإنسانية في حق المسلمين لأنه يقف وراء إحداث النعرة الطائفية في إطار الدين الواحد، و بين الأديان المختلفة التي دعا القرءان إلى فتح حوار معها على أساس المساواة فيما بين الأديان " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله".
و انطلاقا من هذا التحليل يمكن أن نسجل أن ادلجة الدين الإسلامي هي ممارسة تهدف إلى السطو على معتقدات المسلمين التي تصير في خدمة طبقة معينة، أو فئة معينة، أو دولة معينة، و هو ما يمكن اعتباره سنة سيئة تقود إلى :
أ- إحداث فتنة طائفية بين المسلمين.
ب- فرض الوصاية على الدين و احتكار الكلام باسمه.
ج- تأويل نصوصه بما يتنافى مع المقاصد الحقيقية للدين الإسلامي.
د- إحداث فتنة طائفية بين المسلمين و غير المسلمين من معتنقي الديانات الأخرى.
ه- الوقوف وراء الإرهاب الذي صار يستهدف البشرية في جميع أرجاء الأرض.
و- تفسير الأحداث حسب هوى مؤدلجي الدين الإسلامي من اجل الإعداد لفرض الاستبداد بالبشرية.
و انطلاقا من هذا الفهم العميق لأدلجة الدين الإسلامي، فإننا نرى أن الادلجة في حد ذاتها كارثة إنسانية لوقوفها وراء سيادة الظلام في الكفر، و سيادة النمذجة في الممارسة، و لإحداثها هذا الرعب الذي يهز العالم و لوقوف الرأسمالية العالمية، و الرجعية المنحطة وراء وجودها و نموها لمحاربة الحركة التقدمية في العالم. و لذلك نرى أن الواجب الإنساني و الديني معا يستلزم مناهضة ادلجة الدين الإسلامي حتى يبقى الدين الإسلامي خالصا لله " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا" بالإضافة إلى أن مؤدلجي الدين الإسلامي يتحولون إلى مشركين لعبادتهم لزعمائهم بسبب التحريف الذي يحدثونه بسبب تأويلاتهم المغرضة للنصوص الدينية.
3) فما مفهوم الوصاية ؟ و ما علاقتها بالرهبانية ؟
إن الوصاية على شيء معين معناه التكفل به، و القيام بحفظه و رعايته. و العمل على تتبعه في حركاته و سكناته و توجيه سلوكه في أفق تبلوره في صورته النهائية التي تصير ثابتة في الأذهان و في الواقع في نفس الوقت لتزول بذلك مهمة الوصاية، و نحن عندما نستحضر هذا المفهوم، نستحضر في نفس الوقت مفهوم القصور الذي يصيب الفئات العمرية التي لم يكتمل نضجها بعد، و التي تفتقد من يرعاها، و من يحفظ صيرورة نموها، و ما يؤول إليها من ممتلكات حتى يكتمل نضجها.
و هذا المفهوم هو الذي نجده مدرجا في الفقه الإسلامي و في مختلف القوانين المدنية، و في قوانين الأسرة بالخصوص سعيا إلى حماية القاصرين من الضياع المؤدي إلى التشرد، و إلى فقدان التوازن النفسي و العقلي و الجسدي.
و عندما يتعلق الأمر بالنسبة للأديان المختلف من غير الإسلام و نظرا لطبيعة الشروط الموضوعية المختلفة و المتخلفة في نفس الوقت. فإن تلك الشروط اقتضت وجود أوصياء على الدين ممن عرفوا برجال الدين الذين لهم وحدهم الحق في تأويل النصوص الدينية و توجيه الناس الى ما يجب عمله من اجل اعتبارهم متدينين وإلا فإنه يجب اعتبارهم غير متدينين .فالأوصياء على الدين وحدهم يتكلمون في الدين، و يعرفون عنه كل شيء، يعلمون السر و أخفى، و يعتبرون أنفسهم أوصياء على العلاقة بين الله و بين المومنين به، فهم الذين يسجلون هل المومن من أهل الجنة، أو من أهل النار ؟و هم الذين يقررون إثبات الذنوب أو غفرانها كما هو الشأن بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، حيث كان الأوصياء على الدين المسيحي يوزعون صكوك الغفران على كل من يدفع اكثر، و لا أحد كان يجرؤ على مناقشة ذلك، لأنه حينئذ سيكون مستهدفا بالكفر و الإلحاد و يجب الاقتصاص منه بالقتل أو بأي شكل من أشكال العقاب الأخرى. و قد تعود المومنون بتلك الأديان من غير الإسلام أن يوجد عندهم أوصياء على الدين، و طقوسهم لا تؤدى إلا بحضور أولئك الأوصياء حتى يضمنوا قبول تلك الطقوس أو يعملوا على رفضها. و قداسة هؤلاء الأوصياء تتساوى مع قداسة الله، أي أن إخضاع ممارستهم للنقد غير واردة، و ما يصدر عنهم هو من الله نظرا لقيام التطابق بينهم و بين الله في أذهان المومنين بها.
فهل تقوم وصاية على الدين الإسلامي أسوة بالديانات السابقة على الدين الإسلامي ؟
إننا عندما نبحث في عمق النص الديني فإننا نجد أن ذلك النص، و ما يرتبط به من نصوص موضحة و مكملة لا يتضمن ما يفيد بإقرار وجود وصاية على الدين الإسلامي. و اكثر من هذا فإن هذا النص يتضمن ما يفيد أن الله هو الذي تكفل بحفظ الذكر " انا نحن نزلنا الذكر، و انا له لحافظون " كما يتضمن اعتبار الرسول محمد مجرد إنسان عادي إذا أدى مهمة الرسالة " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى " و قد قال الرسول في نفس السياق " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى" و جاء في حق الناس جميعا " لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى " و قد جاء في حق الحكم الديني " إن الحكم إلا لله ". ولذلك يصعب القول بوجود الوصاية على الدين الإسلامي، إلا إذا تأدلج هذا الدين ليصبح مؤدلجوه أوصياء على تأويلاتهم الإيديولوجية. و معلوم أن التأويل الإيديولوجي هو ممارسة تحريفية للدين الإسلامي تقود إلى تقديس مؤدلجي الدين الإسلامي. هذا التقديس الذي يمكن اعتباره مصدرا لممارسة الشرك بالله، و إذا ترتب عن ذلك قيام حزب أو تيار على أساس تلك الادلجة، فإن المقتنعين بتلك الادلجة، و المقدسين للمؤدلجين سيقدسون ذلك الحزب، أو ذلك التيار، ليصير عدد المقدسين ثلاثة : الله و المؤدلجون و الحزب، و ليصير المقدسون كاليهود و النصارى الذين قال في حقهم " قالت اليهود عزير ابن الله، و قالت النصارى المسيح ابن الله" كما قال في حقهم " إن الله ثالث ثلاثة " و ممارسة كهذه ليس إلا ممارسة للشرك بالله، الذي جاء الدين الإسلامي لمحاربته، و العمل على استئصاله كما جاء في القرءان " إن الله لا يغفر أن يشرك به، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء" و مادام هؤلاء، و حسب هذا المستوى من التحليل يحرفون القرءان و سائر النصوص الدينية بتأويلاتهم الإيديولوجية و يصيرون بسبب ذلك التحريف مشركين بالله، فإن مواجهتهم بفضح ممارستهم التي تقود إلى الاستبداد بالمجتمع و فرض الوصاية على الدين الإسلامي صارت ضرورية حتى نعمل على حفظ الدين من الادلجة ، و من الوصاية في نفس الوقت.
و قد يقول البعض أن "العلماء يصير لهم فضل على غير العلماء" نظرا لما ورد في القرءان "إنما يخشى الله من عباده العلماء" و " هل يستوي الذين يعلمون، و الذين لا يعلمون". فإن ذلك الفضل يكون حاضرا فعلا في مجتمع تسود فيه الأمية كما هي الشروط التي نزل فيها القرءان. و كما هي شروط بلدان المسلمين في جميع القارات في عصرنا. أما عندما تسود دولة الحق و القانون، فإن الناس جميعا سيتحملون مسؤولية الحرص على التمتع بحقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و بناء على هذا الحرص، فإن الناس جميعا سيتعلمون فيفقد بذلك العلماء كونهم يتمتعون بالأفضلية لأن الناس جميعا يصير في إمكانهم امتلاك المعرفة بأمور الدين، و تسقط الأولوية في الأفضلية التي تصير مشتركة بين جميع الناس على أساس المساواة فيما بينهم في الحقوق و الواجبات فيصيرون كما يقول الحديث " لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى " و التقوى في نظرنا لا يمكن أن تعني إلا الإخلاص في القيام بالواجب و احترام حقوق الآخر التي يجب أن يتمتع بها.
و هكذا نجد أن الوصاية على الدين الإسلامي ساقطة و ممارسوها ليسوا إلا مؤدلجين لهذا الدين لصالح الطبقات الحاكمة، أو سعيا إلى الوصول إلى السلطة لفرض استبداد بديل للاستبداد القائم. و لذلك كان لزاما على حركة التحرر الوطني و جميع التقدميين و المخلصين للإنسان العمل على الكشف على الخلفيات القائمة وراء ادلجة الدين الإسلامي، ووراء ادعاء أن الناس لا يعلمون شيئا عن أمور دينهم و دنياهم، و أن مؤدلجي الدين وحدهم هم الذين يقومون بذلك.
و إذا قمنا بإسقاط ادلجة الدين الإسلامي من حساب الدين الإسلامي، فإن الوصاية المرتبطة بالادلجة ستسقط، و يبقى الدين لله، و يصير الناس أحرارا في العلاقة بينهم و بين ربهم، و دون واسطة، و بعيدا عن الوصاية على الدين الإسلامي. و بالتالي فالدين الإسلامي لا يصير دينا للناس جميعا إلا بتحرره من الادلجة و هذا التحرر لا يمكن أن يأتي بين عشية و ضحاها، إنه نتيجة لنضال مرير يخوضه كل المناضلين الأوفياء، لجعل الناس يهتمون بالاستقرار الروحي الذي يتغدى من القيم الدينية، التى تجعل الإنسان المستهدف بالتشبع بتلك القيم التي تكسبه شخصية متميزة بالصفاء الروحي الذي يجعلها مؤهلة للانخراط الإيجابي في بناء الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى تصير الحياة مناخا لإشاعة الدين المتحرر من الادلجة. لأن الصفاء الروحي لا يقبل التلون، و لا يسعى إلى قيام دين مؤدلج. لأن كل ذلك يحول دون قيام دين حقيقي بعيدا عن كل وصاية لا وجود لها في الدين الإسلامي، و في الصفاء الروحي " فليتنافس المتنافسون" كما جاء في القرءان.
5) و إذا كانت الوصاية على الدين الإسلامي غير قائمة في حقيقة الدين الإسلامي، و في طبيعته، فهل يمكن أن تقوم فيه الرهبانية ؟
إننا نعرف انه في اليهودية و المسيحية و في العديد من الديانات الوثنية نجد أن هناك تلازما بين الوصاية على الدين و الرهبانية، التي تعني التفرغ للعبادة و إعطاء المثل المقتدى بها في التدين، و الرهباني وحده يربط الصلة المباشرة بالمعبود " الله " أو غيره مما يعبده الوثنيون ، وبسبب تلك الصلة المفترضة فإن الرهباني يعرف عن المعبود و عن الدين ما لا يعرفه غيره من البشر المومنين بدين الرهبانية. و لذلك فهو مصدر المعرفة الدينية التي يرجع إليها الناس دائما للاطمئنان على مصيرهم و حتى لا يتحول الناس إلى عارفين بالدين، فإنهم يحتكرون تلك المعرفة، و لا يخرجونها للناس إلا بالقدر الذي يخدم مصالح الرهبان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى يتمكن الرهبان من فرض وصايتهم على المجتمع الذي يجب أن يكون في خدمتهم.
و بالنسبة للدين الإسلامي، و انطلاقا من النصوص الثابتة، فإننا نجد انه لا وجود لشيء اسمه الرهبان، و أن هؤلاء تم تعويضهم بما صار يعرف ب"العلماء" الذين تزول أهميتهم بانتشار المعرفة بين الناس، و صيرورة مجتمع المسلمين مجتمعا عالما. و لذلك، فالعلاقة بين المسلمين و بين الله هي علاقة مباشرة لا وجود فيها لوسيط، و لا لرهباني، و لا لمختص بالمعرفة بالدين. فالواسطة الواحدة و الوحيدة هي الإيمان كما ورد في الحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله و أن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم و أموالهم" أما الشعائر الدينية فشأن كل مسلم بينه و بين الله. و لا يمكن محاسبته عليها إلا يوم القيامة حسب ما جاء في القرءان " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره" و بذلك يختلف الدين الإسلامي عن بقية الأديان بانتفاء الرهبانية منه، و زوال الواسطة بين المسلم و بين الله. و لكن عندما يتأدلج الدين الإسلامي و ينحرف عن حقيقته، فإن مؤدلجيه يتحولون إلى رهبان و يصيرون أوصياء على تأويلاتهم الإيديولوجية التي تحل محل الدين الإسلامي الحقيقي. و بالتالي فإن هؤلاء الرهبان الذين سميناهم ب"المتنبئين الجدد" يعتبرون أنفسهم رهبانا، و أوصياء على الدين الإسلامي الذي ترسم خطوطه من خلال تأويلاتهم الإيديولوجية، و يصيرون عالمين بالغيب بكل مظاهره، و بما يجري في القبور، و بحكم الله يوم القيامة على خلاف ما ورد في القرءان " إن الله عنده علم الساعة، و ينزل الغيث، و يعلم ما في الأرحام، و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا، و ما تدري نفس بأي ارض تموت" و على خلاف ما ورد فيه أيضا "إن الله علام الغيوب". و هؤلاء عندما يخالفون نصوص القرءان إنما يصرون على فرض وصايتهم على الدين الإسلامي. و الدين الإسلامي من وصايتهم براء و هم بذلك يخرجون أنفسهم منهم، و يفرضون على المسلمين أمورا لا علاقة لها بالإسلام بقدر ما لها علاقة باليهودية و المسيحية المحرفتين أصلا.
6) فهل يتحرر الدين الإسلامي من اسر الادلجة ؟
إن الأصل في الدين الإسلامي هو التحرر من اسر الادلجة " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا" و هذا الفهم هو الذي حكم ممارسة المسلمين الأوائل، إلى أن قام النزاع بين علي و معاوية، فادعى الشيعة انهم أهل لحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي، و ادعى الأمويون أن الله اختارهم لحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي " انا نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، و نذوذ عنكم بفيئه الذي خولنا" و ادعى الزبيريون انهم أحق بحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي بسبب قرابتهم من عائشة زوجة الرسول، و بنت أول خليفة بعد موت الرسول، و ادعى الخوارج أن الحكم باسم الدين الإسلامي، هو من حق كل مسلم حتى و ان كان عبدا حبشيا ثم توالى عبر العصور توالى حكم المسلمين بالقوة و باسم الدين الإسلامي. و بالتالي فجميع الدول التي عرفها تاريخ المسلمين اعتبرت نفسها دولة إسلامية، و الذين يحاربون من اجل الوصول إلى الحكم في تاريخ المسلمين كانوا يدعون انهم الأحق بحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي. و في عصرنا هذا جميع الطبقات التي تحكم في بلدان المسلمين تدعي أنها تحكم باسم الدين الإسلامي، و جميع مؤدلجي الدين الإسلامي يدعون انهم الأحق بحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي، و جميع هؤلاء لا يستحضرون ما جاء في القرءان " و أمرهم شورى بينهم" كما لا يستحضرون الحديث الذي يقول " إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم ".
و لذلك فأدلجة الدين الإسلامي ليست من الدين الإسلامي في شيء، لأن الدين الإسلامي لم يأت من اجل السلطان، بل من اجل جعل الناس يعتنقونه و يعبدون الله بناء على شعائره، و يتشبعون بالقيم النبيلة التي ترفع مكانة الإنسان كما جاء في القرءان " و لقد كرمنا بني آدم " و التكريم لا يكون إلا بضمان العدالة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و قيمة العدالة من القيم النبيلة التي جاء بها الدين الإسلامي. و نحن كمسلمين في تعاطينا مع الواقع في مختلف التشكيلات الاقتصادية و الاجتماعية نسعى باستمرار إلى تحقيق العدالة. و سنسعى إلى تحقيقها بمضامينها الحقيقية التي لا تتأتى إلا بتحقيق مجتمع ديمقراطي، و متحرر و عادل. لأن المجتمع المستبد و المستعبد و الذي يسود فيه الظلم و القهر، لا يمكن أن يعمل على تحقيق العدالة. و لذلك فالمسلمون الحقيقيون هم الذين يعملون على تجسيد القيم النبيلة المتمثلة في تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، و عمل من هذا النوع و في هذا الاتجاه، يقتضي استحضار مواجهة مؤدلجي الدين الإسلامي الذين يسعون إلى تكريس الاستبداد القائم، و العمل على استئصال الممارسة الديمقراطية، و القضاء على إمكانية تحقيق الحرية و جعل الناس لا يفكرون في تحقيق العدالة الاجتماعية و مواجهة المؤدلجين تقتضي المعرفة العلمية الحقيقية بالدين الإسلامي، و بالشروط الموضوعية التي ظهر فيها، و بالتطور الذي عرفه مجتمع المسلمين منذ ظهور الإسلام و إلى يومنا هذا و باستغلال الدين الإسلامي في الأمور الإيديولوجية و السياسية، و بما يجب عمله لتجنب هذا الاستغلال الإيديولوجي و السياسي للدين الإسلامي. بالإضافة إلى المعرفة الكاملة بأساليب مؤدلجي الدين الإسلامي و بتأويلاتهم الإيديولوجية المختلفة. و العمل على تفنيذ تلك التأويلات حتى يتطهر الدين الإسلامي من الادلجة و يصير المسلمون أحرارا في دينهم منفتحين على الآخر و متفاعلين معه، و فاعلين فيه، منفعلين به في إطار التعاطي الجدلي معه، سعيا إلى جعل واقع المسلمين غير مختلف عن واقع الآخر، إن لم يكن افضل منه بالحرص على سلامة الدين من الادلجة و في نفس الوقت بالحرص على تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التي هي أساس البناء و التطور السليمين للمسلمين و لواقعهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي.
7) فهل هناك علاقة بين ادلجة الدين الإسلامي و الوصاية على هذا الدين ؟
و ما دام الدين الإسلامي خاليا من ادلجة الدين و ما دام خاليا من الرهبانية، و ما دام لا يقبل الوساطة بين الله و عبده، فإنه بالضرورة لا يقبل الوصاية على الدين الإسلامي، فإن علينا أن نعلم أن من يقوم بتلك الوصاية ليس إلا مؤدلجا للدين الإسلامي، لأن العلاقة بين ادلجة الدين و الوصاية عليه هي علاقة تطابقية و كل علاقة من هذا النوع لا تستهدف إلا تضليل المسلمين، و جعلهم يفقدون بوصلة التمييز بين حقيقة الدين الإسلامي و بين حقيقة ادلجة هذا الدين.
فمؤدلجو الدين لا يمكن أن يستمروا في ادلجتهم للدين ما لم يحرصوا على فرض تأويلاتهم التي تخدم مصالحهم الطبقية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، باعتبارها هي الدين نفسه، و جعل الناس يقتنعون بها على أنها كذلك، و اعتبار أصحاب تلك التأويلات الإيديولوجية قيمين عليها، و مرجعا يرجع إليه الناس في أمور دينهم ليصيروا بذلك موجهين للدين، و عاملين على جعل الناس ينساقون وراء شعاراتهم الإيديولوجية و السياسية. و الشروع في تنظيمهم و تجييشهم على هذا الأساس، و توظيفهم في أفق السيطرة على أجهزة الدولة لتجييش المجتمع ككل. و هذه المسألة لا تتم إلا بالتطابق بين ادلجة الدين من جهة، و بين الترهبن و بين الوصاية على الدين من جهة أخرى. ليصير التطابق بين ادلجة الدين و الوصاية عليه من باب تحصيل الحاصل. و هو ما يعني فضحه و تعريته، و إخضاعه للنقد و التشريح انطلاقا من الدين الإسلامي نفسه، وصولا إلى انعتاق الدين الإسلامي من الادلجة، و من الوصاية عليه حتى تتحرر معتقدات المسلمين من التحريف الذي يتسرب إلى الدين الإسلامي عن طريق الادلجة.
و الخلاصة التي نخلص إليها أن ادلجة الدين، و الوصاية على الدين وجهان لعملة واحدة. و هذه العملة هي تحريف الدين الإسلامي عن مقاصده الحقيقية المتمثلة في تحرير الإنسان من التبعية لغير الله لأنه " من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين "و في الإسلام لا وجود لشيء اسمه الادلجة، و لا وجود لشيء اسمه الرهبانية، و لا وجود لشيء اسمه الوصاية على الدين الإسلامي. لأن قيام هذه المسائل معناه أن الإسلام صار دينا آخر غير الإسلام، و هو ما تجب محاربته حتى لا يصير وسيلة لتضليل المسلمين عن واقعهم كما هو حاصل في بلدان المسلمين في هذا العصر الذي نعيشه.
8) فهل يملك المسلمون الحق في الاجتهاد في فهم الدين ؟
إن الذي يمكن أن نقف عليه بعد تحرر الدين من الادلجة و من الرهبنة، و من الوصاية على الدين أن المعتنقين للدين الإسلامي سيتحررون من التبعية لغير الله، و هم بذلك يملكون القدرة على التفكير و إعمال العقل في أمور دينهم و في الواقع في نفس الوقت. و يملكون الحق في نفس الوقت في الاجتهاد في فهم دينهم على حد قول الشاعر :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم و تأتي على قدر الكرام المكارم
و الذي يعطي لكل مسلم هذا الحق هو اختلاف الشروط الموضوعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي يعيشها كل مسلم على حدة بالإضافة إلى الشروط الجغرافية، و التاريخية، و الذاتية التي ترجع إلى التفاوت في القدرات و في الإمكانيات الفكرية و الطبقية. و هذا الاختلاف في الشروط الموضوعية و الجغرافية و التاريخية و الذاتية هو الذي يؤدي بالضرورة إلى فهم مشروع مادام يخص صاحبه، و ما لم يتحول إلى ممارسة إيديولوجية و سياسية تستهدف تكريس الاستبداد بالمجتمع، أو العمل على فرض استبداد بديل. و الضرورة كما يقولون لا يرتفع عليها، و هي التي أعطتنا هذا الثراء الهائل من العطاء الفكري و النظري، و العملي لدى المسلمين الأوائل، و هو الذي أتاح الفرصة أمام ظهور ما صار يعرف بالمذاهب الأربعة التي تحولت إلى ممارسة إيديولوجية للعديد من دول المسلمين التي تفرض بالقوة الالتزام بمذهب معين على انه الإسلام مما يفرض الاجتهاد في فهم الإسلام من خلال ذلك المذهب المالكي أو الشافعي أو الحنبلي أو الحنفي. و هذا الاجتهاد أدى بدوره إلى وجود مذاهب فرعية داخل كل مذهب على حدة. و كأن ذلك المذهب هو الإسلام، و الواقع غير ذلك، فالإسلام كل و المذهب جزء، و الإسلام اصل و المذهب فرع. و لذلك فالمسلمون الحقيقيون هم الذين يرتبطون بالأصل و يعملون على فهمه انطلاقا من الشروط الذاتية و الموضوعية التي يعيشونها لأن ما صار يعرف بالمذاهب الإسلامية ليس إلا قوالب جاهزة جنت على الدين الإسلامي اكثر مما أفادت المسلمين الذين تمزقوا على المذاهب التي انغلقت على نفسها بإغلاق باب الاجتهاد بمعناه الواسع الذي يعطي لكل مسلم الحق في الفهم الخاص انطلاقا من الشروط الموضوعية كما يذهب إلى ذلك القرءان نفسه باعتباره اصح ما وصلنا. فقد جاء فيه "أفلا يتدبرون القرءان". و جاء أيضا " وفي أنفسهم، أفلا يبصرون". و إغلاق باب الاجتهاد هو الذي أدى بالمسلمين إلى الدخول في دوامة الانحطاط الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الأدبي و العلمي و الفكري واعتماد سياط الاستبداد وسيلة لمنع الاجتهاد في فهم الدين الذي تحولت مذاهبه التي صارت تردد مقولاتها و كأنها قرءان، إلى مجرد إيديولوجيات للحكام الذين صارت لهم مصالح اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية يريدون استدامتها بتأبيد الاستبداد، و منع أي فهم متطور للدين الإسلامي.
و لحد الآن، إذا استثنينا الاجتهاد في التأويل الإيديولوجي الظلامي المتطرف للنصوص الدينية الإسلامية فإن باب الاجتهاد الحقيقي الذي يصير من حق المسلمين جميعا على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم غير موجود و هو ما يعني الاستمرار في التخلف أو العمل على فرض التخلف المضاد لصالح الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين، و خدمة للمراكز الرأسمالية العالمية أو سعيا إلى خدمة مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي الساعين إلى الاستفراد بالسلطة، و فرض استبداد بديل. و لوصول المسلمين إلى مستوى استعادة امتلاك حقهم في الاجتهاد في فهم الدين، نرى انه من الضروري انخراط المسلمين في النضال من اجل الحرية بكل دلالاتها و أبعادها ومضامينها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى ينعتق المسلمون من التخلف، و ينطلقون في أفق الإبداع في مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية من اجل صياغة وجه جديد للمجتمع المتكون من المسلمين و غير المسلمين الذين يشملهم قول الرسول "لا فرق بين عربي و عجمي، و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى " و حينها سينطلق المسلمون أحرارا في فهمهم لدينهم ، و يقطعون الطريق أمام المتجرين و مؤدلجي الدين الإسلامي، و المتفيقهين و المدعين، و المتاجرين بالدين، و الموالين للطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين، ليستعيد الدين الإسلامي بذلك عافيته التي تتجسد فيما جاء في القرءان "لا إكراه في الدين" لأن الله الذي بعث محمدا لم يكلف أي شخص أو أي نظام سياسي بالقيام بدور الشرطة الدينية التي أعطت لهؤلاء الحق لقطع العديد من الرؤوس باسم الدين في كل زمان، و في كل مكان. و يسعون إلى الاستمرار في ذلك مادامت البشرية على وجه الأرض.
و باستعادة الدين الإسلامي لعافيته ينطلق المسلمون في اتجاه التطور بكل أبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، لأنهم بذلك يطرحون أرضا كل القوالب الجاهزة التي تقف سدا منيعا أمام إبداع المسلمين في فهم دينهم، و يذهب بذلك المتفيقهون، و المؤدلجون، و المدعون إلى الجحيم. أما الجنة فلا سبيل إليها بسبب تحريفهم للدين الإسلامي الذي يقودهم إلى عبادة الأشخاص أو الأحزاب التي يسمونها أحزابا دينية، لأن الله لا يقبل أن يعبد إلى جانبه شخص آخر أو حزب آخر باسم الدين كما جاء في القرءان " إن الله لا يغفر أن يشرك به، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء "
9 ) فهل يتم تجريم الوصاية الأيديولوجية على الدين الإسلامي ؟
إن الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين تعرف جيدا إنها تؤدلج الدين الإسلامي لاعطاء الشرعية الدينية لنفسها، و لذلك لا نستغرب إذا وجدنا أنها لا تعمل على تجريم ادلجة الدين. لأن ذلك يقتضي أن تتخلى هذه الطبقات الحاكمة على ادلجتها للدين الإسلامي و أن تعترف أمام شعوب المسلمين بممارستها لتلك الادلجة لمدة غير قصيرة. و أن تلك المدة كافية لانتاج أجيال من المؤدلجين للدين الإسلامي الذين تستأجرهم الطبقات الحاكمة، أو يسعون إلى الحلول محلها بقيامهم بالادلجة المضادة.
و لفرض تخلي الطبقات الحاكمة عن ادلجتها للدين في بلدان المسلمين، و تجريم كل من يسعى إلى ذلك من اجل الوصول إلى السلطة لابد أن تتحمل الحركة التقدمية و الديمقراطية مسؤوليتها في قيادة النضال الديمقراطي من اجل فرض دساتير ديمقراطية في مجموع بلدان المسلمين، و انتخاب مؤسسات تمثيلية تعكس إرادة شعوب المسلمين، لفرز حكومات تمثل أغلبية تلك المؤسسات حتى يتأتى قيام تلك الحكومات بفرض ديمقراطية حقيقية من الشعب و إلى الشعب سعيا إلى فرض توزيع عادل للثروة في كل بلد من بلدان المسلمين، و توفير إمكانية تقديم الخدمات الاجتماعية لجميع المواطنين على أساس المساواة فيما بينهم بما في ذلك توفير الشغل لجميع العاطلين كل حسب ما يتوفر عليه من مؤهلات لجعل الجميع يساهم في بناء الاقتصاد الوطني. و العمل على إيجاد ثقافة ديمقراطية تتكافأ فيها الفرص أمام قيام ديمقراطية حقيقية في العلاقة بين مختلف المكونات الثقافية التي تزخر بها الساحة الثقافية في كل بلد من بلدان المسلمين. بالإضافة إلى العمل على تحقيق المساواة فيما بين الناس في الحقوق و الواجبات، و أمام القانون كما يقضي بذلك الدين الإسلامي "لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى" و كما تقضي يذلك المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و كما يجب أن تقضي به الدساتير الديمقراطية. و بعد ذلك فليكن الدين لله، و لتكن الدولة للبشر، و من شاء أن يخلط بين الدين و الدولة فمآله الخسران كما يقولون، لأنه سيكون قد ارتكب جريمة في حق الإنسانية. و القانون المتبع في كل بلد من بلدان المسلمين يجب أن ينص على هذه الجريمة و على مستوياتها و على وسائل ردعها، و على عقاب كل مستوى على حدة، حتى يرتدع مؤدلجوا الدين و يمسكوا عن ممارستهم التي تقود إلى السعي إلى إقامة الدولة الدينية التي تقف وراء فرض الاستبداد على بلدان المسلمين.
و الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين التي تدعي تقويض الله لها في الحكم في الأرض لا يمكن أن تفكر في تجريم الوصاية على الدين الإسلامي، و من يسعون إلى العمل من اجل فرض استبداد بديل يعتبرون أن من حقهم الوصاية على الدين الإسلامي، و من سواهم من التقدمييين و الديمقراطيين لازالوا بعيدين عن أن يقوموا بالدور الإيجابي لصالح تجريم الوصاية على الدين الإسلامي. و لذلك، فالتجريم الذي يستهدف الوصاية على الدين الإسلامي، لازال بعيد التحقق، و النضال من اجل الديمقراطية لازال طريقه طويلا، و هو غير وارد في معظم بلدان المسلمين لأن هذا النضال يعتبر جريمة في العديد منها. و هو ما يعني استمرار الطبقات الحاكمة في استبدادها و في وصايتها على الدين الإسلامي، و في إنتاج الأوصياء الجدد على الدين الإسلامي، ليستمر ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية،و لينتفي بذلك كون الدين الإسلامي جاء هدى و رحمة للناس جميعا، و ليتحول إلى إيديولوجية و إلى مجرد شعارات سياسية تعمل على قولبة الواقع و التحكم في حركته و توجيه تلك الحركة لخدمة مصالح الطبقات الحاكمة في كل بلد من بلدان المسلمين، و لاعطاء الفرصة للأدعياء الجدد المتفيقهين المؤدلجين للدين الإسلامي للسعي إلى فرض استبداد بديل كما يحصل في كل بلدان المسلمين، و في غير بلدان المسلمين.
و نظرا لأن الوصاية على الدين ا