تمهيد:
يحاكي الاحتلال، وعبر العديد من نوافذه الإعلامية، وتصريحات الخبراء والمحللين، وحتى التدريبات الميدانية، احتمالات كثيرة ليس أقلها اندلاع مواجهة على واحدة من الجبهات الساخنة؛ الجولان السوري المحتل، أو جنوب لبنان، أو قطاع غزة.
هذه الاحتمالات التي قد يُنظر لها على أنها مجرد تصورات أو رؤى لخبراء ومراقبين، إلا أن الاحتلال ومن خلال منظومته الأمنية يبعث برسائل ومؤشرات تدفع باحتمالية تفعيلها وإخراجها على أرض الواقع، أو على الأقل واحدة منها.
فالإعلام العبري، كثف خلال الأيام الأخيرة من طرحه لسيناريوهات حول مصير الأحداث في سوريا، وركز بشكل مباشر على احتمالية زوال نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السنيّة السيطرة على الميدان؛ وهو ما قد يشكل احتمالية تطور النظرة الميدانية إلى تشكيل زعزعة للأمن "الإسرائيلي".
من ناحية أخرى، وجّه الاحتلال رسالة إلى حزب الله اللبناني، عبر إعلامه العبري، وهو ما نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت في عددها الصادر يوم 4-6-2015 تشير إلى أن الرد على أي خروقات قد يقوم بها الحزب سيكون استهداف الملايين من اللبنانين بين لاجئين وقتلى، ورغم أن هذه الرسالة قد تأتي من باب التخويف والتهويل، إلا أنها قد تكون واقعية في ظل المعطيات على الأرض.
على المحور الثالث، وهو قطاع غزة، ورغم رسائل الاحتلال الميدانية والسياسية والتي كان أهمهما حديث رئيس الكيان "رؤوفين ريفلين" عن إمكانية التفاوض مع حركة حماس، أو حديثه عن أن الإسراع في إعمار غزة يمكن أن يجلب الهدوء لـ"إسرائيل"، إلا أن الكلمات التي تحدث بها وزير خارجية ألمانيا في زيارته لغزة، وقال فيها إن "الإعمار والتنمية مقابل الأمن"، وكذلك الخروقات المستمرة من الاحتلال بين الحين والآخر، كلها تضع ملامح أخرى لما قد يفكر به الاحتلال، واحتمالية اقتراب ساعة الصفر.
مبررات التصعيد
يمكن الحديث عن احتمالية تصعيد الاحتلال؛ أي من الجبهات الثلاث، من خلال وجود مبررات "إسرائيلية" قد تدفع باتجاه ذلك، والتي تتمثل في:
* القلق "الإسرائيلي" من التطورات الميدانية في سوريا، والتي تأخذها من بعدين؛ الأول وهو انتهاء نظام بشار الأسد، وهذا بات الحديث فيه كثيرا في أروقة الساسة الغربيين، وبعض المؤشرات الميدانية، وبالتالي إما سيطرة فصائل المعارضة المسلحة السنية، والتي قد تجد في الاحتلال هدفا لمشروعية وجودها من خلال المنطلقات التي تحملها في عقيدتها القتالية. أو محاولة تنفيس الضغط من قبل الذي يتعرض له النظام السوري، وبالتالي يمكّن ذلك من دفع بعض الجهات أو التنظيمات لتنفيذ بعض الهجمات ضد الاحتلال، والتي تكون بمثابة إعادة خلط الأوراق بعد تنفيذ رد "إسرائيلي" على مصادر الهجوم.
البعد الثاني في القلق "الإسرائيلي" من التطورات الميدانية في سوريا، نابع من انعكاس هذه التطورات على حزب الله اللبناني المنخرط في مجريات الأحداث في سوريا، وهو ما قد يدفع الحزب في حال شعوره اقتراب نهاية نظام الأسد إلى محاولة إشعال جبهة الجنوب بهدف التغطية عما يجري في سوريا، ومحاولة استعادة المكانة الشعبية التي بات يفقدها نتيجة اشتراكه المباشر في هذه الأحداث.
وما يعزز الحديث عن البعد الثاني، ما طرحته "يديعوت أحرنوت" يوم 4-6-2015 عن تقارير سرية وردت إلى "إسرائيل"، تفيد بأن حزب الله اللبناني يعاني من حالة ضغط كبيرة، نتيجة التطورات الميدانية في سوريا، وهو ما قد يدفع باتجاه أي تصرف من الحزب.
* عدم الاستقرار التام على الحدود مع قطاع غزة، وهذا نابع من بعدين؛ الأول عدم توقيع اتفاق تهدئة بشكل ثابت وبوساطة عربية أو دولية، وبالتالي بقاء حالة من عدم الاستقرار الواضح، وسيكون خاضعا لأي تطورات ميدانية، سواء استهداف الاحتلال لأيٍّ من الشخصيات البارزة في المقاومة، وهذا أمر جرى الاحتلال على استغلاله في حال كان الهدف المتوفر يمثل فرصة قد يصعب تكرارها.
أو اضطرار المقاومة للرد على الخروقات التي تحدث بين الفترة والأخرى من الاحتلال. خاصة أن ملف التهدئة في ظل الوساطة المصرية لن يتاح له مزيدٌ من الوقت والجهد نتيجة الانشغال المصري بواقعه الداخلي، وقد تستمر حالة المماطلة في رفع الحصار وتلبية احتياجات القطاع الإنسانية، وهو ما قد يشكل حالة من الضغط على انفجار الأوضاع باتجاه الاحتلال.
البعد الثاني، والمتمثل في محاولة استغلال الاحتلال لأيٍّ من الانفعالات غير المحسوبة من بعض الأطراف في إطلاق صواريخ من قطاع غزة تجاه الأراضي المحتلة عام 48، كما حدث مؤخراً، وهو ما قد يشكل ذريعة من الاحتلال في استهداف بعض الشخصيات أو الأهداف التي قد تجعل المقاومة تتحرك للرد عليها بقوة، وبالتالي توفر شرارة جديدة.
* تشكيلة الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة، تمثل تحديًا آخر؛ ففي حالة التشكيلة التي جاءت بعكس التوقعات كلها، هناك رؤية في إمكانية عدم صمودها لأكثر من عامين من تاريخ تشكيلها، وهذا نتيجة عدم الانسجام التام في تشكيلة الائتلاف الحكومي، مما يعني إمكانية بحث الحكومة عن منافذ متعددة بهدف تعزيز قوتها ووجودها وإن كان ذلك على حساب تصعيد الأجواء المحيطة، أو إبقاء مبرر وجودها من منطلق المخاوف الأمنية المحيطة.
هذا المبرر، سيكون أقرب للتطبيق في حالة محاولة الائتلاف الحكومي، اختيار هدف أو طرف يمكن التصعيد من خلاله مع ضمان تحقيق ضربة واحتواء الرد، وقد يكون ذلك في احتمالين؛ الأول هو الاستهداف على صعيد الحدود السورية. أو الحدود اللبنانية مع اقتناص فرصة يكون فيها حزب الله أقرب إلى عدم الرد على مثل هذا الاستهداف.
واقعية السيناريوهات
* السيناريو الأول: تصعيد على جبهة الجولان السوري المحتل، هذا السيناريو يتمثل في شقين؛ الأول في تنفيذ ضربات استباقية من الاحتلال تجاه أهداف يعتقد أو يرى فيها خطورة ممكنة خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة في ظل الحديث عن ضعف في الجيش السوري واحتمالية انهيار نظام بشار الأسد.
والهدف من هذه الجولة من التصعيد، تحقيق إضعاف لبعض التحركات التي قد تشكل خطرا مقبلا على الاحتلال.
أما الشق الثاني، فيتمثل في إيصال رسائل إلى أطراف معينه بهدف منع أي تفكير أو محاولة لاستهداف مواقع الاحتلال على حدود الجولان السوري المحتل من جانب فصائل المعارضة، أو رسائل إلى أطراف أخرى كما حدث في استهداف الطيران "الإسرائيلي" لقادة في حزب الله بينهم جهاد مغنية و4 ضباط إيرانيين في يناير 2015، وهو ما قد يدفع الاحتلال لتنفيذ ضربات مشابهة ضد أهداف تتبع لحزب الله أو ضباط إيرانيين داخل الأراضي السورية كرسائل لهذه الجهات من أي محاولات تصعيد مقبلة.
هذا السيناريو، في شقيه، ومن خلال متابعة الاهتمام "الإسرائيلي" الكبير إعلاميا وسياسيا، قد يكون الأكثر واقعية في الحدوث؛ إذ إن "إسرائيل" ستكون أقرب إلى إيصال الرسائل، والعمل على تحقيق أهداف مرحلية من خلال استهداف مواقع أو تحركات تختارها بدقة فائقة.
* السيناريو الثاني: على صعيد جبهة الجنوب، وتنطلق القراءة في هذا السيناريو من احتمالين أيضا؛ الأول في تنفيذ ضربات استباقية من الاحتلال لمعالجة بعض الأهداف التي يرى فيها احتمالية تشكيل خطر أمني، وتكون في غالبها معالجة موضعية ذات أهداف مرحلية لن تطيل من وقت التصعيد لعدم رغبة الطرفين في ذلك.
والاحتمال الثاني، ينطلق في مسعى حزب الله إلى تصعيد الجبهة الجنوبية مع الاحتلال بهدف تخفيف حالة الضغط التي يمر بها الحزب، وفقا للتقديرات الميدانية، على الجبهة السورية، وفي هذه الحالة قد يكون هناك متنفس للحزب بهدف إعادة تغيير في النظرة الجماهيرية له من جانب، ومن جانب آخر تشكل له مخرجًا للانسحاب من ميدان الأحداث في سوريا في حالة حصوله على مؤشرات كبيرة بقرب نهاية نظام الأسد.
هذا السيناريو، قد يكون أقل واقعية مما سبقه، إلا أنه لن يكون مستبعدا في شقّيه، إذ إن لكل طرف حساباته التي قد تدفعه إلى تنفيذ تحرك مشابه يحصل من خلاله على أيٍّ من الأهداف التي تخدم رؤيته لهذه المرحلة، إلا أنه رغم ذلك، فإن هذا السيناريو وخاصة في الشق الثاني، سيكون ذا كلفة أكبر تجاه حزب الله والمجتمع اللبناني، وهو ما قد يجعل من الحزب يفكّر كثيرًا قبل الإقدام على أي تحرك له، فانخراطه في الحدث السوري غيّر الكثير من المعطيات الشعبية المحيطة بالحزب، وكذلك في قدراته القتالية بعد انضمام آلافٍ من مقاتلية للأحداث في سوريا.
* السيناريو الثالث: على صعيد جبهة قطاع غزة؛ يتمثل في قيام بعض الأطراف، وبالتحديد مجموعات لا تتفق مع الرؤية التي تجمع عليها المقاومة وحركة حماس، خاصة تلك المجموعات التي تنبثق في رؤيتها الفكرية من الحركات الجهادية السلفية أو المتأثرة بفكر داعش، بحيث تقوم هذه المجموعات بعملية استغلال لظروف التهدئة المرحلية وإطلاق بعض الصواريخ أو القذائف تجاه مواقع "إسرائيلية"، كما حدث في الأيام الماضية.
وفي هذه الحالة، يدرك الاحتلال الجهات التي تقف خلف هذه التحركات، وبالتالي سيعمد إلى حالة من الرد أو الاستهداف لمواقع معينة، قد يكون الهدف منها إيصال رسائل للمجتمع الداخلي، أو لقطاع غزة وفصائل المقاومة. وسيكون الشق الأضعف في هذا السيناريو محاولة استهداف الاحتلال لشخصيات أو أهداف وازنة في المقاومة، إذ إنها تدرك أن أي خطوة من هذا القبيل سيكون الرد عليها بما لا يحتمله الشارع الداخلي للاحتلال في أعقاب نتائج الجولة الأخيرة من الحرب على غزة صيف 2014.
أما الشق الثاني من هذا السيناريو فسيكون نابعا من استمرار انغلاق الأفق فيما يخص تثبيت التهدئة، وبالتالي الاندفاع باتجاه التصعيد سواء من فصائل المقاومة المقاومة الفلسطينية أو من الاحتلال، وفي هذه الحالة قد يكون الهدف من التصعيد لتحقيق أهداف مرحلية أو محاولة ضغط كل طرف من الأطراف على الطرف الآخر بهدف الدفع باتجاه تحريك المياه الراكدة فيما يخص متطلبات تثبيت التهدئة.
هذا السيناريو، في شقيْه، قد يكون الأقل احتمالية في الوقت الحالي، لعوامل وأسباب عدة؛ سواء لعدم رغبة الاحتلال في خوض مغامرة جديدة في وقت زمني لا يتعدى العام من آخر مواجهة، ولن يكون هناك للمقاومة الفلسطينية ما تخسره في هذه المواجهة، إذ إن حالة الإعمار لم تتم، وكذلك الحصار موجود، وبالتالي ستدفع باتجاه اهتمام المقاومة إلحاق مزيد من الخسائر بحق الاحتلال من منطلق الضغط الإضافي لتحقيق أهداف المقاومة المطروحة في أعقاب حرب صيف 2014.
هذا إلى جانب أن هناك جهوداً تبذل ومن أطراف عدة، في سبيل السعي لتثبيت التهدئة أو الحصول على تهدئة تصل إلى 5 سنوات على أقل تقدير، وهذا سيكون بمثابة مطلب يسعى الاحتلال له في الوقت الحالي.
وعلى صعيد المقاومة الفلسطينية، وفقا للشق الأول من السيناريو، لن تسمح لبعض الأطراف، أو الجماعات التي لم تنخرط في يوم من الأيام ضمن المواجهات السابقة، ولم يكن لها دور في مواجهة الاحتلال بتولي زمام المبادرة هذه المرة من "المنطلق الكيدي" وليس البعد الوطني.
في نهاية المطاف، فإن الظروف والمعطيات الميدانية على جميع الجهات، وتحركات الاحتلال من خلال الأذرع السياسية والإعلامية كلها تضع مؤشرات لواحد من السيناريوهات السابقة؛ إذ لم يكن هناك أي تطورات عاجلة من شأنها فرض أجندتها على الميدان.
قسم الدراسات - المركز الفلسطيني للإعلام (خاص)