يعتقد نائب رئيس الأركان، الجنرال يائير غولان، الذي تولّى في السابق منصب قائد المنطقة الشمالية، أنّ إسرائيل تعيش اليوم وضعًا استراتيجيًا مريحًا أمام القطاع الشمالي، بسبب القتال العنيف في سوريّة ولبنان، والذي أدّى إلى إضعاف الجيوش هناك. وقال الجنرال غولان أنْ يستثمر حزب الله الآلاف من مقاتليه في سوريا، ولم يعد الجيش السوري موجودًا في الواقع.
وساق قائلاً إنّه من الناحية الإستراتيجيّة ربما يكون وضع إسرائيل أفضل من أيّ وقتٍ مضى في الساحة الشمالية، يُشار إلى أنّ أقوال الجنرال غولان جاءت في مؤتمر بمناسبة مرور 30 عامًا على استعدادات الجيش الإسرائيليّ في القطاع الأمني في جنوب لبنان. ومع ذلك، فقد قال اللواء جولان أيضًا إنّ الوضع الحالي يتضمّن عددًا غير قليل من المخاطر على إسرائيل، من قبل حزب الله ومن قبل تنظيم الدولة الإسلاميّة، ولفت في سياق حديثه إلى أنّ هناك نشاطًا حثيثًا لتنظيمات الجهاد العالمي في منطقة سوريّة ولبنان.
إنهم لا يعملون ضدّنا اليوم، فهم مشغولون بالقتال ضدّ قوات الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد وعناصر شيعية، ولكننا نعرف هذه الأيديولوجية، ونفهم أنّ مشاعر تلك العناصر، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلاميّة، سلبية تجاه إسرائيل، حسبما ذكر. وفيما يتعلّق بحزب الله اللبنانيّ، أعرب الجنرال غولان عن قلقه من قوة التنظيم وقال: لا شكّ أن لدى حزب الله قدرة لم تكن لدى أي تنظيم “إرهابي” سابقًا. لديه قدرة على تهديد المراكز السكنية في إسرائيل، وهذا أمر مثير للقلق ويُلزم الجيش الإسرائيلي بالاستعداد.
كما لفت إلى أنّ الواقع هو واقع ديناميكيّ، أكثر من أي وقت مضى خلال هذه الفترة، وشدّدّ في سياق حديثه على أنّ هذه اللحظة هي لحظة تغييرات كبيرة، وهذا يُلزمنا باستعدادات مناسبة وحكيمة، على حدّ قوله. وبخصوص تورّط الجيش الإسرائيلي في لبنان في الماضي، أطلق الجنرال غولان تصريحات مفاجئة، تضمّنت انتقادات خفية ضدّ السياسة الأمنية التي مارستها إسرائيل في سنوات تدخّلها في لبنان، وقال في هذا السياق: الوجود في لبنان، والذي استثمرت فيه أفضل سنواتي وبفرح عظيم، هو بالتأكيد قضية يجب قراءتها، هل كان صحيحًا وهل كانت هناك بدائل أخرى؟
وتابع قائلاً: إستراتيجيًّا: يجب أنْ نسأل ماذا كان سيحدث لو انسحب الجيش الإسرائيليّ مباشرة إلى الحدود الدولية؟ هل كان صائبّا أن نستمرّ بالوجود في لبنان على مدى 15 عامًا؟. في السياق ذاته، رأى المُستشرق الإسرائيليّ المختّص بالشأن السوريّ، البروفيسور إيال زيسر، إنّ إمكانية سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة وجبهة النصرة على سوريّة يجب أنْ تُقلق إسرائيل. ولكن السؤال هو ما هو البديل.
وتابع قائلاً إنّ السياسة الإسرائيليّة كانت على مدى السنين وكذلك بعد اندلاع ما أسماها بالثورة في سوريّة بأنّ الرئيس السوريّ بشار الأسد هو شريك مرغوب فيه بصفته “الشيطان الذي نعرفه”، أيْ حاكم عقلانيّ وبراغماتي، اعتدنا عليه على مدى السنين ومع تعلمنا كي نتدبر أمرنا.
ولفت زيسر إلى أنّه بعد كل شيء فإنّ بشار، مثل أبيه من قبله، حرص على حفظ الهدوء على طول الحدود الإسرائيليّة ـ السوريّة على مدى الأربعين عامًا الأخيرة، منذ أنْ وضعت حرب أكتوبر من العام 1973 أوزارها، على حدّ قوله. وأضاف البروفيسور الإسرائيليّ إنّه عندما غرقت سوريّة في الحرب الأهلية المضرجة بالدماء كان في إسرائيل من تمنّى النجاح للطرفين المتقاتلين في الدولة المجاورة من الشمال، سواء لبشار أمْ للثائرين عليه. وذلك، بالمناسبة، على أمل أنْ يبقى الرئيس السوريّ قويًا بما يكفي كي يضمن الهدوء على طول هضبة الجولان، ولكنّه، أضاف زيسر، بات اضعف من أنْ يُهدد إسرائيل أوْ أنْ يرد في كل مرة تعمل فيها ضد إرساليات السلاح من أراضيه إلى حزب الله.
علاوة على ذلك، أشار المُستشرق الإسرائيليّ إلى أنّ الحرب في سوريّة من شأنها أنْ تنتهي بأسرع ممّا قدّرت الأجهزة الأمنيّة في تل أبيب، وحتى لو تطلبّ الأمر أشهرًا طويلة حتى يسقط الرئيس السوريّ الأسد، وقال زيسر أيضًا إنّ الأسوأ من ذلك، فإنّ تجند السيّد حسن نصر الله وإيران لنجدة بشار الأسد، يدل على أنّ المعضلة التي تقف أمامها إسرائيل ليست الرئيس السوريّ أمْ تنظيم الدولة الإسلاميّة، بل نصر الله أمْ تنظيم الدولة الإسلاميّة، على حدّ قوله. كما رأى أنّ التدّخل المتعاظم من حزب الله فيما يجري على طول الحدود الإسرائيليّة السوريّة، وكذلك التجريء المتصاعد له إمام إسرائيل، من شأنهما أنْ يُشيرا إلى أنّ العدّ العكسيّ باتجاه جولة قتال أخرى قد أصبح في ذروته، على حدّ تعبيره.
وخلُص المُستشرق الإسرائيليّ إلى القول إنّ غرق حزب الله في الوحل السوريّ لم يمسّ بمستوى تصميمه على مواجهة إسرائيل، بل على العكس، فقد راكم التنظيم تجربة عملية ثمينة، وأصبح مقاتلوه وقادته واثقين من أنفسهم.


