خبر : همسة عتاب إلى الصديق الأستاذ منير شفيق ... بقلم: د. أحمد يوسف

الإثنين 01 يونيو 2015 07:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT
همسة عتاب إلى الصديق الأستاذ منير شفيق ... بقلم: د. أحمد يوسف



في مقال نشره الأستاذ العزيز منير شفيق تحت عنوان: " إللي يجرب المجرب.."، قدم فيه ملاحظاته حول تجربة فلسطينية سياسية فاشلة، ثم حاول اسقاط ذلك وتكيفيه على مشهد آخر لا علاقة له بالأمر من قبل ومن بعد، وجاء في ذلك ذكر لإسمي مع مطالبات تثير الغرابة وتستدعي من طرفي التوضيح والرد. لقد حاول أستاذنا العزيز (أبو فادي) تسليط الضوء على جملة ذكرتها بخصوص تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش، ولكن بطريقة فيها الكثير من التشويه والتحريض الممجوج.

في شهر يناير الماضي، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عن استعداد حركة حماس لقبول حل الدولتين (فلسطين واسرائيل)، وقال: إن "حماس كانت ستعترف بدولة إسرائيل في إطار حل الدولتين".

جاء هذا الكشف في معرض تعليق جاويش أوغلو على الانتقادات الأمريكية للعلاقات القائمة بين أنقرة وحركة حماس، وفي سياق التخذيل عن حملة الاستهداف التي تعرضت لها تركيا أردوغان والزعم باتهامها إيواء "إرهابيين"، قال جاويش أوغلو: إن "الجميع يعلم الفرق بين خط حماس السياسي السابق والحالي". وأضاف: "إن تركيا تعتبر من أكثر الدول التي ساهمت في إحـــداث ذلك الفرق، حتى أننا أقنـــعنا حمــــاس، بأن الوقت الذي سيتم فيه التوصل إلى حل، سيتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل".

 وجاء تعقيبي على تلك التصريحات بأن التسوية السياسية إذا تمت مع "إسرائيل" فإن من يوقع عليها سيجبر على تقديم الاعتراف بها، وهذا تحصيل حاصل في السياسة. والكل يعرف بأن موقف حركة حماس - الذي نعرفه - هو رفض الاعتراف، وهذا هو أحد ثوابتها.. ربما خانني التعبير فيما قلت كتعقيب على تصريحات وزير الخارجية التركي، ولكن الذي يعرفه كل من تعامل معي سياسياً أو فكرياً أو حركياً هو أن ثوابتنا في الحركة الإسلامية غير قابلة للمساومة أو الاختراق، ومن بينها عدم الاعتراف بهذا الكيان الغاصب، فهذا بالنسبة لنا هو عين اليقين.

لقد كتبت أكثر من 27 كتاباً باللغتين العربية والإنجليزية، ومثلها أوراقاً بحثية، إضافة لحوالي ستة مجلدات من المقالات والتحليلات الصحفية، ولم يظهر فيما كتبت أن هناك تفريطاً في ثوابتنا الوطنية، وذلك على مدار أكثر من خمسة وأربعين عاماً ككادر إسلامي ملتزم بأدبيات وأفكار حركة الإخوان المسلمين، ولكن الذي أثار استغرابي فيما كتبه أستاذنا العزيز هو تلك الإدانة التي تتخطى تاريخ العلاقة التي تجمعنا به، حيث سبق لي أن التقيته بفندق آزادي في العاصمة الإيرانية طهران في أواخر التسعينيات على هامش المؤتمر الرابع لدعم الانتفاضة الفلسطينية، ودار بيننا حوار طويل اتفقنا فيه حول بعض القضايا واختلفنا في بعضها الآخر، ولكنه كان حديثاً كان فيه الكثير من العصف الذهني والتشويق الفكري؛ فالرجل صاحب تجربة في العمل الوطني، وكان له وعليه، ثم أصبح أكثر قرباً للتيار الإسلامي، وصار له مساهماته الفكرية واجتهاداته السياسية التي نحترم الكثير منها. وفي بيروت، كان لنا أيضاً لقاء آخر على هامش المؤتمر التأسيسي لمؤسسة القدس الدولية في عام 2001م، حيث تبادلنا الحديث حول قضايا فلسطينية وإسلامية، وكالعادة استمتعنا بحديث كلٍّ منَّا للآخر.

إن من حق الأستاذ منير شفيق أن يُعلق وينتقد ما جاء على لساني من تصريحات رأى فيها أو توهم مسَّاً بثوابتنا الفلسطينية، فليس في هذا ما يعيب، وكلنا نُخطئ ونصيب؛ "فما سلم الكمال لذات شخص"، ويمكن بكلمات فيها تذكير ونصيحة أن يؤوب المرء إلى رشده ويستدرك؛ حيث إن "خيرُ الخطائين التوابون"، ولكن الذي أثار التساؤل لدي وعند بعض الإخوة والأصدقاء، هو: لماذا هذا الإشارات المتكررة للحركة على ألسنة بعض الكتَّاب والصحفيين المقربين بضرورة معاقبة أحد كوادرها أو قياداتها، وكأن وراءهم من يحركهم، ويتبجحون بمثل هذا القول لحسابه، فالرواية تبدو وكأنهم يقرؤون من مزامير شيخ واحد؟!

إن هذا يذكرني بأحد الشخصيات الفلسطينية خلال فترة وجودها في سوريا، حيث  كان يتعمد – لثأر قديم - جمع مقالاتي ومقابلاتي وتصريحاتي من مختلف الصحف والمجلات، ثم يقوم بتظهير بعض سطورها باللون الأصفر وكتابة تعليقات عليها، وذلك بهدف الإساءة لشخصي والتعريض بمكانتي التنظيمية، ولكن باءت كل محاولاته بالفشل وذهبت أدراج الرياح.

أعترف أنني ربما ارتكبت خطأً أو بعض الأخطاء، فالذي يعمل لا بدَّ أن يخطئ، وأنا أعمل مع وسائل الإعلام العربية والغربية بشكل شبه يومي، وتقع أحياناً بعض الأخطاء نتيجة لتلاعب الصحفيين، ولكن - يا أستاذ منير - هل كل من ارتكب خطأً يُطلب منه الرحيل ومغادرة القافلة ؟!! لو كانت الأمور تمضي بمثل هذا الشكل الذي تريد، لما استمرت هذه الحركة العملاقة تمخر عباب البحر وتقطع الصعاب، متنامية في أعدادها وقدراتها التنظيمية والعسكرية، وكنَّا بسبب بعض الأخطاء والاجتهادات أو التفسيرات المغلوطة ألقينا بربان السفينة في غيابة الجبِّ، وتقاسمنا إرث دعوتنا العظيمة، وذهب كل منَّا إلى حاله.

أكرر، أنني قد تعلمت الكثير من قراءتي لما كتبه الأستاذ منير شفيق خلال مسيرتي الفكرية، ولكن على الأستاذ منير أن يتذكر أننا في مدرستنا الإخوانية لا نتعاطى بالأسلوب الذي اقترح؛ لأننا تربينا في علاقاتنا التنظيمية أن يجبر الواحد منا كسر أخيه، تحكم سلوكياتنا الإنسانية "ولا تنسوا الفضل بينكم"، وأن نقيل عثار ذوي الهيئات منا، لأن أيقونتا الأخلاقية وجوهر دعوتنا الإسلامية تضبطها تلك المقولة الخالدة لنبينا الكريم: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فنحن قد بايعنا على الشهادة، وتنادينا: يا خيل الله اركبي منذ أن تحركت قافلة الجهاد، وعزمنا على شدَّ الرحال لتحرير المسجد الأقصى وأكنافه، ولم نلتحق بهذه الدعوة لأجل دُنيا نُصيبها أو امرأة ننكحها.

فإذا أخطأ الواحد منا راجعه إخوانه بالحوار، وردوه بالكلمة الطيبة وأخذوه بالرأي السديد إلى جادة الصواب.

ولعلي أُذَّكِرك – يا أستاذ منير – بمكانتك كفتحاوي سابق، برواية ذكرها لي أحد الأصدقاء، وهي تدلل على حكمة ياسر عرفات، حيث جاء إليه عبد الحليم خدام في آخر لقاءاته به بعد دخول القوات السورية إلى لبنان، غاضباً بسبب تمرد الكثير من الفصائل الفلسطينية، قائلاً: "شو يا أبو عمار.. صايره عصاتك صغيرة"، فرد عليه (رحمه الله) بحكمته المعهودة: "لأنو عصاتي هيك يا (أبو جمال)، ظلت هالخيمة منصوبة".

إذا كانت هذه سياسة أبو عمار (رحمه الله)، وهو الذي قد حاز رضى الكثير من العرب، فماذا تطلب منَّا - يا أستاذ منير - ونحن مستهدفون من الجميع، والكل يطلب رأسنا، ويريد إعمال السيف برقابنا، هل تريد أن نلاحق بعضنا البعض، وتكون المقصلة حكماً بيننا.!!

إن الذي أريد أن أختم به "همس العتاب" لأستاذنا العزيز منير شفيق، يتلخص في الكلمات التالية: أنت تقدم نفسك أو يقدموك بأنك مفكر عربي، وأنا أشهد لك بذلك وأكثر، ولكن – يا أبا فادي – إن ميزة المفكر أنه يقرأ ويتابع وليس لسانَ حالٍ لأحد، وإن مثلك - بجلال قدرك - عليه قبل توجيه تلك الاتهامات، والتحريض بتلك المطالبات، أن يقرأ تاريخنا الحركي والسياسي، وأن ينظر في مسيرتنا النضالية، ثم بعد ذلك يأتينا بالرأي والنصيحة.

إن لساني صارمٌ لا عيب فيه، وعندي الكثير القول الموجع، ولكنك شخص أحترمه، وأقدر ما عنده من فكر ورشاد، ولست بصدد اختبار وطنيتي، فأنا على أرض الرباط منتصب القامة أمشي ملكاً، ووجودي في غزة هي شارة مجد أعتز بها، والعين  تكتحل بثرى الأرض المباركة، وتفتخر بما تحقق من صبر أهلها وصمودهم، ومن علو شأن كتائب الجهاد والمقاومة.. فنحن هنا – يا أستاذ منير - بصبرنا ومصابرتنا ورباطنا بانتظار الفلاح وساعة النصر.

وختاماً: لقد علمتنا دروس الحياة بأن الكلمة هي سلعة تباع وتشترى، وقد شاهدنا في السنوات الأخيرة ومع ثورات الربيع العربي - بالدليل والبرهان - أن الكثير مما يقوله أو يكتبه المفكرون العرب – للأسف - ليس وطنيةً، بل أكثره ارتزاقاً.