القدس المحتلة سمااطلس للدراسات مع دخول الحرب السورية عامها الخامس؛ تلوح في الأفق تطورات من شأنها ان تغير موازين القوى والوضع القائم بين نظام الأسد والمحور الشيعي الداعم له، وبين التنظيمات المتمردة المحسوبة في أغلبها على المعسكر السني، تدور معارك جدية على العديد من الجبهات، وترسم سيناريوهات محتملة فيما يخص مستقبل سوريا.
يتتبع هذا المقال خارطة التطورات، ويشرح المغازي والانعكاسات الداخلية والإقليمية للاتجاهات المتبدية، بما في ذلك تأثيرها على دولة إسرائيل.
في الفترة الأخيرة؛ تدور المعارك على أربعة جبهات أساسية (سوى القوات الكردية)، حيث تعمل على كل جبهة قوة مهيمنة من الثوار في نظام بشار الأسد، وفي مواجهة الثوار تقف القوات المؤيدة لنظام بشار الأسد؛ الجيش السوري المتفكك وقوة القدس الإيرانية (طهران هي راعية نظام الأسد المنهار) ومقاتلو حزب الله (يقاتل حوالي 5000 منهم على أرض سوريا) وكذلك آلاف المتطوعين الذين تدفقوا الى سوريا وانضموا الى الميليشيات الشيعية، وإليكم الجبهات:
1. الجبهة الشرقية: القوة المركزية الفاعلة عليها هي تنظيم "داعش" أو "الدولة الاسلامية" والتي أتمت سيطرتها على شرق سوريا، وعلى المعابر الحدودية بين سوريا والعراق، وفي الأسبوع الماضي احتلت مدينة تدمر.
2. الجبهة الشمالية: والتي في قلبها مدينة حلب، تنظيم الثوار البارز في القتال ضد قوات الأسد على هذه الجبهة هو "جبهة النصرة"، وفي الفترة الأخيرة نجح هذا التنظيم في تنظيم إطار جامع لعدد من تنظيمات الثوار الإسلاميين تحت مسمى "جيش الفتح"، ونجح في احتلال مدن ادلب وجسر الشغور والمقام على المحور الرابط بين حلب واللاذقية على الساحل؛ منطقة سيطرة الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس الأسد.
3. الجبهة المركزية: وتمتد على طول المحور المركزي حماة وحمص ودمشق، وعلى هذه الجبهة أيضًا قوة الثوار الأساسية هي "جبهة النصرة"، والتي تقاتل ضد حزب الله في جبال القلمون من أجل السيطرة على الحدود السورية اللبنانية وعلى المعابر الحدودية وطرق الامداد بين سوريا ولبنان، وكذلك من أجل السيطرة على المحور الرئيسي في دمشق بالشمال السوري وقطاع الساحل.
4. الجبهة الجنوبية: المساحة ما بين دمشق ودرعا في الجنوب والسويدة في الشرق والقنيطرة في الغرب، وقد شكل الثوار في هذا القطاع قوة مشتركة "جيش الاسلام"، والذي يضم "جبهة النصرة" و"جيش سوريا الحرة" و"الجبهة الإسلامية" وتنظيمات أخرى؛ هذه القوة، والتي تعتبر اليوم الأقوى في هذا القطاع، نجحت في وقف الهجمات المضادة التي تقوم بها القوى المتجمعة من القوات السورية وقوة القدس الإيرانية ومقاتلي حزب الله، حاليًا يتحكم "جيش الإسلام" على معظم المنطقة في هذا القطاع، ويحاول ان يؤسس لإحكام قبضته عليها من خلال السيطرة على الجيوب المحسوبة على نظام الأسد.
تمركز قوات الثوار والدول السنية الداعمة لها
في مقابل التغييرات على جبهات القتال واستعدادات تنظيمات الثوار السنية للتنسيق وضم القوات (في هذه المرحلة على أساس مؤقت ومناطقي) في إطار "جيش الإسلام" و"جيش الفتح"؛ طرأ تغيير على مصالح الدول الداعمة لقوات الثوار، العربية السعودية والأردن توصلتا الى تفاهمات مع تركيا وقطر، الداعمتين للإخوان المسلمين (وبطريقة ملتوية تدعمان "الدولة الإسلامية" أيضًا) بشأن توحيد القوات والجهود بهدف إسقاط نظام الأسد أولًا وتأجيل معالجة مشكلة "الدولة الإسلامية"، وبذلك يتم المساس بالمصالح الإيرانية الإقليمية، اتفقت الدول الأربعة فيما بينها على تدريب وتسليح جيوش الثوار على الأرضين الاردنية والتركية، بمساعدة وتمويل سعودي قطري.
وفي ذات السياق؛ تبذل الجهود لإقناع قوات الثوار السنية بالتوحد، على هذه القوات تشرف جهات محسوبة على الاخوان المسلمين والقاعدة، واللذان يهدفان الى إقامة جيش ثوار موحد ذي قيادة وعنوان متفق عليه، ومع غالبية التنظيمات المقاتلة ضد نظام الأسد، هذه القوات تعتمد على التنظيم الأقوى من بينها "جبهة النصرة" وهو مبعوث القاعدة، ولذلك فإن الدول السنية تحاول ان تدفع القطار من خلال إقامة تنظيم عسكري موحد ذي هوية سورية خالصة؛ وبذلك تموه بصمات القاعدة وتزيد من فرص تأييد العملية من قبل الولايات المتحدة.
تشوش خطط إيران وحزب الله
لغاية ما قبل شهرين؛ كان يبدو ان كفة القتال في سوريا ترجح لصالح إيران وحزب الله، وكان الاحتمال الأغلب ان تنجح قواتهما في السيطرة على الجنوب السوري وقطاع هضبة الجولان والحدود السورية اللبنانية، بتوجيه من إيران، وبقيادة قاسم سليماني قائد قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، تمركزت قوات الجيش السوري الى جانب قوات القدس ووحدات من حزب الله والميليشيات الشيعية العاملة تحت النفوذ الإيراني بهدف خلق نواة صلبة لاحتلال جنوب سوريا وهضبة الجولان من أيدي الثوار، قائد حزب الله حسن نصر الله أعلن عمّا أسماه "الاتحاد الجغرافي الاستراتيجي لجنوب سوريا وجنوب لبنان"، وأن "حكم جنوب سوريا هو حكم جنوب لبنان"، غير ان المجهود المشترك للمحور الإيراني السوري حزب الله تم إحباطه؛ إذ ان الثوار فعلًا قد استغلوا الفرصة التي أتيحت من تمركز قوات المحور في قطاع هضبة الجولان والجنوب السوري لتضاعف من القوات والجهود على جبهات القتال الأخرى، ادلب وحلب وجبال القلمون (المعابر الحدودية وطرق الامداد بين سوريا ولبنان)، شرق سوريا وحتى شرقي دمشق، حيث نفذ هناك هجوم من قبل "الدولة الإسلامية" على مخيم اللاجئين الفلسطينيين (اليرموك)، في الواقع منذ ذلك الحين بدت علامات التنسيق بين قوات الثوار السنية وإجراء الجهود المنسقة المقابلة من قبلهم على جبهات القتال المختلفة.
ونتج عن ذلك: بدلًا من البدء في جهد الهجوم في الجنوب اللبناني؛ اضطرت قوات المحور الشيعي الى الدفاع عن نفسها وتعزيز القوات على بقية الجبهات، الجيش السوري سحب قوات باتجاه دمشق ولمنطقة ادلب وجسر الشغور، وحزب الله اضطر لسحب 85% من قواته من جنوب سوريا، بل ونقل قوات من جنوب لبنان الى الجبهة المركزية واستعد مجددًا للحرب في جبال القلمون.
ومما يدلل على الضغط المتصاعد على مؤيدي الأسد؛ كان ما جاء في تصريح نصر الله "إذا سقط الأسد فسيسقط حزب الله"، وفورًا قرن هذه المقولة بالحسم بأن "لا يمكن ان يسقط الأسد"، ومن حينها يركز حزب الله على المعركة في جبال القلمون، ومن أجل ذلك فإنه يجند المقاتلين والأموال، وكذلك يخفي عدد القتلى في صفوف رجاله؛ هذه الجبهة لها أهمية خاصة بالنسبة لحزب الله، ذلك ان السيطرة عليها ضرورية للجم انتشار التنظيمات السنية السلفية، وسيما "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية" الى المناطق اللبنانية، وللدفاع عن طرق الامداد من سوريا الى لبنان وإبقاء السيطرة على محور الدعم الضروري من دمشق الى حمص وإلى شمال غرب سوريا.
هل بلغنا نقطة التحول بالنسبة لنظام الأسد؟
في هذه المرحلة؛ يبدو ان القوات الداعمة لنظام الأسد تجد صعوبة فيصد الهجمات التي تقوم بها قوات الثوار المتوحدة، ومع ذلك فمن المتوقع ان تبذل كل من إيران وحزب الله أقصى جهودهما لمنع سقوط دمشق في أيدي التنظيمات السنية، وانهاء نظام العلويين حليفهم في سوريا.
ورغم عدم وجود أغلبية شيعية في سوريا؛ غير ان إيران ترى في دمشق، وفي بيروت أيضًا، ما يشبه بغداد، خلايا استراتيجية حيوية في "الهلال الشيعي" في نظر طهران، وفيما يشبه دور الميليشيات الشيعية في العراق فإن دور حزب الله هو الدفاع عن هذه الخلايا؛ لذلك يمكن التقدير انه وفي حال استمرار مستوى نجاح جيوش الثوار السنية في سوريا فإن إيران وحزب الله سيقاتلان دون هوادة لمنع سقوط دمشق في أيديهم.
حتى وفي حال أفلح الأسد، وبمساعدة المحور، وواصل إحكام قبضته على دمشق؛ فإنه عمليًا يسيطر على حوالي ربع مساحة سوريا، ولا يمكنه ان يستعيد الحدود الجديدة التي رسمت على أطلال دولته، تنظيم "الدولة الإسلامية" لن يتنازل عن استحواذه وسيطرته في الشرق والشمال الشرقي السوري، وعن التواصل الجغرافي مع غربي العراق.
نصر الله، من جانبه، أبدى في مقابلاته رؤيته حول "لبنان الكبرى"، والتي ستضم قطاعات نظام الأسد من اللاذقية جنوبًا على طول الحدود السورية اللبنانية، وحتى دمشق والجولان السوري، بالنسبة للجنوب السوري يصعب وصف الوضع الذي تسلم فيه كل من الأردن وإسرائيل بسيطرة واقتحام قوات إيرانية وحزب الله في المنطقة، الأردن، وحتى إسرائيل ولو بشكل غامض، تفضلان سيطرة القوى السنية التي توحد تنظيمات المعارضة على المناطق التي تؤخذ من يد قوات الأسد، على افتراض ان توحد هذه القوى يساند البرغماتية على التطرف الاسلامي الراديكالي، وهو تطور يمكنه الاسهام في استقرار المنطقة، الى جانب إيجاد عنوان مسؤول واحد، بدلًا من تجمع عناوين متنازعة فيما بينها.
اتجاهات المسار
تركيز قوات الثوار السنيين، الى جانب التفاهمات المنسوجة بين الدول السنية المؤيدة لها، والتي تسعى الى إسقاط نظام الأسد؛ أدت الى تغيير في ميزان القوى في الحرب الأهلية في سوريا، وأدت الى اختراق الطريق المسدود الذي وصم القتال في السنة المنصرمة، ورغم ذلك لا يمكن بعد الحسم ان نظام الأسد سينهار قريبًا، ومن المتوقع ان يدور قتال مرير عنيف بين قوات الثوار السنية وبين قوات الهلال الشيعي.
لا يجب ان نستخلص من ذلك انه لا يوجد احتمال لحدوث تطورات، تكون خلفية لمبادرات سياسية دولية وإقليمية تتضمن وقف القتال في سوريا، يمكان ان توافق الأطراف المتقاتلة في سوريا على التوصل الى تفاهمات من أي نوع حول مرحلة انتقالية، ولكن من غير المتوقع انهم سيتنازلون عن الانجازات التي تحققت في ميادين القتال، والتي تعني تقسيم سوريا الى أربعة مساحات منعزلة: القطاع الكردي في شمال الدولة، وشرق الدولة التي تسيطر عليه "الدولة الإسلامية"، والمحور المركزي (دمشق، حمص، واللاذقية) والذي تسيطر عليه القوات المؤيدة للأسد، وبقية المناطق التي تسيطر عليها قوات الثوار السنة.
خاصية أساسية للحرب في سوريا الى يومنا هذا هو ميل تنظيمات الثوار في سوريا لتوحد المتعاونين، والانفصال على أساس حاجات محلية ومصالح آنية، الفجوات والخصومات التي بين تنظيمات المعارضة المختلفة تصعب التوحد العسكري والسياسي لوقت طويل، والأمر كذلك أيضًا على المستوى الاستراتيجي الإقليمي، من الصعب الافتراض ان تبلور تحالف الدول السنية ضد استمرار بقاء نظام الأسد وضد الهيمنة الإيرانية في سوريا، وفي المنطقة عمومًا، سيثبت جدارته لوقت طويل، فلكي تؤسس لتعاونها عليها ان تتغلب على الخلافات العميقة بشأن عدد من القضايا وتنحية الخصومة الأيديولوجية والدينية والسياسية، الجهة الرابحة من مواصلة وارتفاع وتيرة القتال هي "الدولة الإسلامية" التي استغلت الفرصة في السيطرة على مناطق فيها قوات الأسد، وعلى النقيض قوات الثوار التي طرد الطرفان بعضهما منها على ضوء الاتجاهات الناشئة في سوريا، الى جانب انعدام الوثوق.
ورغم هذا، وعلى المستوى الاستراتيجي، فمن الصواب ان تقوم إسرائيل ببناء منظومة للتنسيق مع محور الدول السنية، وبشكل أساس بهدف منع وقوع تطورات سلبية، وانزلاق الأحداث إلى حدودها في هضبة الجولان وجنوب لبنان، وفي هذا الإطار على إسرائيل ان تواصل مساعدة الاردن في وساطتها للتوصل الى تفاهمات استراتيجية مع تركيا والعربية السعودية فيما يخص لجم توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي ذات الوقت منع نشوب وضع يستغل فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" الحالة السورية في توسيع سيطرته ونفوذه.
مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي