خبر : عاصفة الحزم وملء فراغ القوة العربية ..بقلم: د. ناجى صادق شراب

الخميس 02 أبريل 2015 08:17 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عاصفة الحزم وملء فراغ القوة العربية ..بقلم: د. ناجى صادق شراب



لا يمكن فهم عملية عاصفة الحزم إلا فى سياق نظرية فراغ القوة ،ومحاولة العديد من القوى الدولية والإقليمية محاولة ملء فراغ القوة المزعوم، والنظرية تعود إلى الخمسينات من القرن الماضى فى أعقاب إنسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربى ، وتبنى الولايات المتحدة هذه النظرية لمحاولة ملء فراغ القوة ، وفى الوقت ذاته حاول الإتحاد السوفيتى الوصول للمياه الدافئة ، ولعل أبرز قوة حاولت أن تستفيد من الإنسحاب البريطانى وتستغل حالة البناء السياسى ، وبناء القوة لدى دول المنطقة هى إيران فى عهد الشاه، والتى تبنت سياسة إمبراطورية ، وقامت بإحتلال الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارت وهى جزرابو موسى وطنب الصغرى والكبرى ، وما زالت تحتل هذه الجزر بالقوة . ولم يكتفى الشاه وقتها والذى لعب دور شرطى الخليج بذلك بل اصر على تسمية الخليج بالفارسى دلالة على تبنى سياسة أن كل المنطقة تقع فى نطاق دائرة المجال الحيوى لإيران. ومد سياسة الهيمنة ومحاولات ضم البحرين لم تكن بعيدة عن هذه السياسات، وفى مقابل هذه السياسات تبنت دول المنطقة سياسات وديبلوماسية حسن الجوار، ومحاولة تسوية الخلافات بالحوار، إلا أن هذه الدبلوماسية فشلت أمام تبنى سياسة القوة من قبل إيران على إعتبار ان المنطقة تدخل فى دائرة ألأمن الإيرانى وليس الخليجى أو العربى . والمفارقة ان هذه السياسة لم تتغير مع سقوط الشاه بقيام الثورة الإسلامية الشيعية ، بل زادت عليها هدف تصدير الثورة إلى دول المنطقة وكل الدول العربية والإسلامية ألأخرى ، وبقى العنصر القومى الفارسى أحد اهم العوامل التى تحكم السلوك السياسى الإيرانى ، وبقى مبدأ التمدد الإمبراطورى أو إحياء هذه السياسة الإمبراطورية هدفا رئيسا للسياسة الإيرانية فى عهد إيران الثورة .وتحقيقا لهذه السياسة واهدافها حاولت إيران العمل على إمتلاك القوة النووية وهو نفس الهدف الذى سعى له الشاه، ونجحت إيران فى ظل نظام دولى قابل للتغير ،والتراجع، ونظام إقليمى عربى متراجع، وتغيب عنه محاولات الدول الإقليمية فى إمتلاك هذه القوة على حساب القوة العربية ، ونجحت إيران فى قطع مرحلة تؤهلها ان تصبح قوة نووية ، بل لا أذهب بعيدا بالقول أن إيران تعتبر نفسها قوة نووية ،رغم المباحثات والمفاوضات التى تجريها مع الولايات المتحدة ومجموعة الخمس زائد واحد، ورغم التوصل إلى المرحلة النهائية فى هذا الإتفاق الذى تفسره إيران على إنه إعتراف بالأمر الواقع بإيران النووية ، وهذا الإتفاق فى جميع الأحوال يعترف ايضا بإيران كدولة مركزية ومحورية ولها مناطق نفوذها وخصوصا فى دول مجلس التعاون الخليجى ،والعراق واليمن ولبنان وسوريا، وغيرها من الدول العربية والإسلامية ، وتحقيقا لهذه السياسة أيضا إيران إعتمدت على تثبيت الوجود الشيعى ، وتبنى ودعم الحركات الشيعية فى عدد من الدول العربية كحزب الله فى لبنان ، وتبنيها النظام السورى الذى يدور فى فلكها، وفى العراق والى التصريح أن بغداد عاصمة الإمبراطورية إلإيرانية ، وكالحركة الحوثية فى اليمن ، ولم تكتفى إيران بدعم هذه الحركات بل كانت آداة إستراتيجية فى تغيير انظمة الحكم حيث توجد، واليمن ولبنان والعراق نماذجا واضحة ، وهذه السياسة هى ترجمة لسياسة الترتيب الأمبراطورى التى تتبناها إيران ، وتنطلق هذه السياسة من الإعتقاد اولا انها القوة ألأحادية فى المنطقة والتى من حقها بسط نفوذها على كل المنطقة وإحياءا للدور التاريخى للإمبراطورية الصفوية ، وثانيا إدراكا منها ان الدول العربية تعانى من فراغ قوة ، وحالة من التفكك والإنقسام وخصوصا بعد ثورات التحولات العربى ، وثالثا إستغلال التراجع فى السياسة ألأمريكية وسياسة الإنسحاب الأمريكى من العراق وغيرها ، وكأننا هنا نعيد نظرية فراغ القوة فى الخمسينات ، وان إيران هى المؤهلة لملء هذا الفراغ، وثالثا إستغلال تراجع مفهوم ألأمن القومى العربى ، وتراجع المشروع العربى ، وغياب الإرادة العربية . وهذه المدركات هى التى تفسر لنا كثير من سياسات إيران وتحكمها فى اكثر من ملف من الملفات العربية كالملف اللبنانى وعدم القدرة على إنهاء أزمة الرئاسة فيه، وألأزمة السورية والقتال فيها حماية للنظام السورى ومحاولتها الأخيرة فى دعم التحرك الحوثى فى اليمن ، والذى تمدد بشكل كبير معرضا أمن دول المنطقة كلها للخطر، ليس فقط للممكلة العربية السعودية ومصر وبقية دول الخليج العربى بل تهديدا لكل الدول العربية من حقيقية أن الحركة الحوثية أحد أدوات السياسة الإيرانية فى المنطقة ، وتطبيقا لسياسة لعبة الشطرنج سقوط دولة عربية قد يتبعه سقوط ألأوراق الأخرى وصولا إلى ما تريد من اليمن على بعض المناطق فى السعدوية ، ومنها إلى البحرين والكويت وبقية دول المنطقة، وعليه لا يمكن إختزال العملية فى سياق حماية ألأمن السعودى ، وتصوير العملية وكأنها مساعدة من دول عربية أخرى للسعودية ، العملية اوسع من ذلك ، ولها دلالات عميقة ، فهى ولأل مرة تعنى وتحمل رسالة أهمية وحتمية إحياء مفاهيم ألأمن القومى العربى ، وأهمية إحياء القوة العربية المشتركة التى إقترحتها مصر، ورسالة قوية ليس لإيران فقط بل لكل الدول ألأخرى المتربصة بالمنطقة ، والرسالة ألأخرى ان اليمن أو غيرها دول عربية ، وان الدفاع عن أى دولة عربية مسؤولية كل دوله. وتأتى هذه العملية فى سياق إحياء النظام الإقليمى العربى الذى تجسده الجامعة العربية ، وهو ما يستوجب معها العمل على تفعيل دورها ، وتفعيل معاهدة الدفاع العربى المشترك.ولعل الرسالة ألأهم التى تحملها هذه العملية انها تجسد المشروع العروبى فى مواجهة المشاريع التى تحاول أن تستبدل المشروع العروبى بمشاريع توسعية أخرى مثل المشروع الإيرانى ، ومشروع الشرق الأوسط الذى تقف ورائه إسرائيل، والمشروع الإمبريالى الجديد، ورسالة أخيرة ان العرب يملكون بيدهم مفاتيح قوة كثيرة ، وتفتح الباب أمام الدول العربية أن من حقها ان تملك القوة النووية كما غيرها. فى هذا السياق يمكن فهم عملية الحزم، والتى ستخلق واقع قوة جديد، ، هى عملية بداية التحول فى موازين القوة والعلاقات ألإقليمية وبداية بروز تحالفات جديدة .

drnagish@gmail.com