خبر : الحلقة الرابعة : الساحة الاسرائيلية الفلسطينية: مآزق "اليوم التالي"

الإثنين 30 مارس 2015 08:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحلقة الرابعة : الساحة الاسرائيلية الفلسطينية: مآزق "اليوم التالي"



غزة اطلس للدراسات في هذه الحلقة؛ يستعرض المسح الاستراتيجي، الصادر عن مركز دراسات الأمن القومي - تل أبيب، أزمة الأطراف المشاركة في الصراع: السلطة الفلسطينية، حماس، وأيضا دولة الاحتلال، في ضوء الأحداث التي شهدتها السنة المنصرمة، الأحداث على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية أظهرت ان الوضع الراهن غير مستقر البتة، وخصوصاً انه مرفق بأثمان من شأنها ان ترتفع أكثر، الجهات المشاركة في الصراع مباشرة (إسرائيل وحماس والقيادة الفلسطينية في رام الله) سيضطرون جميعاً إلى مواجهة الأسئلة التي يثيرها هذا الاستنتاج، وننوه الى أن كل ما يرد هنا لا يمثل رأينا في مركز أطلس، وإنما وجهة نظر مركز دراسات الأمن القومي، والتي لا تخلو من مآرب صهيونية.

أزمة السلطة الفلسطينية
السلطة الفلسطينية تعيش أزمة خطيرة، النموذج الذي اعتمدته وأساسه تحقيق المطامح الوطنية الفلسطينية من خلال عملية سياسية ومفاوضات قد فشل إلى الآن ووصل إلى طريق مسدود، وتعاني قيادة السلطة من فقدان صعب للشرعية، ليس فقط شرعيتها الانتخابية حيث ولاية الرئيس عباس منتهية منذ عدة سنوات، ولا تلوح في الأفق امكانية حدوث انتخابات جديدة؛ وإنما زد على ذلك أنها فقدت الشرعية المرتبطة ببرنامج سياسي مؤيد من قبل جمهوره، الجمهور الفلسطيني بأغلبيته الساحقة ما عاد يؤمن بوجود جدوى في المفاوضات، وسياسة عباس المتمسكة مبدئياً بالعملية السياسية فسرت على أنها فشل تام، وأكثر من ذلك السلطة الفلسطينية اعتبرت كمتعاون مع إسرائيل وعصى في قبضة الاحتلال، كما ان الانطباع الناتج عن "الجرف الصامد" تسبب بانخفاض دراماتيكي على مؤشرات التأييد لفتح وعباس.
وفي المقابل؛ تم رصد ارتفاع ملحوظ، ولفترة زمنية محددة، على مؤشرات تأييد حماس، والتي اعتبرت نموذجاً للمقاومة الفاعلة؛ بل وأثبتت ان إسرائيل لا تستطيع ان تفرض على الفلسطينيين الحل المرتكز على قوتها العسكرية، ومن أجل ذلك فإن عباس وجماعته يبحثون بلهفة عن طريقة عمل تمكنهم من النجاة من المأزق السياسي الذي علقوا فيه، ولذلك فقد عاودوا العمل بشكل حثيث على جبهة الساحة الدولية.

جهود مصر لتغيير المعادلة عبر إعادة الإعمار
طريقة واحدة للعمل على استعاد حكم السلطة الفلسطينية في غزة، مصر تطمح ان تستغل مسيرة الإعمار في قطاع غزة بإضعاف حماس، ضرورة مشروع إعادة الإعمار ليست محل شك، سيما في أعقاب الدمار الذي تسببته في المنطقة معركة "الجرف الصامد"، وكذلك الضرر الكبير المتواصل الذي لحق باقتصاد القطاع على مدار سنوات طويلة من التضييق على الحركة من القطاع وإليه، ولكن هناك شك فيما إذا كان مشروع الإعمار سيتحقق أو يحدث التغيير الاستراتيجي – السياسي في القطاع، والساحة الفلسطينية عموماً، والذي سيعبر عنه باستعادة السلطة حكمها لغزة، وهي الخائفة المردوعة من العودة للقطاع، سيكون من الصعب تقديم برنامج عملي حقيقي بهذا الخصوص، والذي يوجد فعلاً له مخطط واضح.

أزمة حكومة الوفاق
ظاهرياً فإن تشكيل حكومة الوفاق عبر عن موافقة حماس على نقل الصلاحيات المدنية في القطاع إلى السلطة الفلسطينية، ولكن حماس من غير المحتمل أن تجلس مكتوفة الأيدي في ظل تحقيق نوايا إضعافها وإبعادها وتقوية خصمها السياسي، طالما حكمت حماس في غزة من الناحية الأمنية والعسكرية فإن باستطاعة قواتها ان تحبط خطط تجريدها من مكانتها الرفيعة في غزة، ولكن حماس مستعدة، وإلى حد ما، للتعاون مع السلطة، ولكن من المتوقع ان تشترط التنسيق في دفع رواتب رجالاتها الذين وظفتهم في وزارات السلطة المختلفة، وهناك أيضاً رجالات جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام)، فرصة ان يكون هذا الاشتراط مقبولاً لدى السلطة الفلسطينية والدول المانحة غير مواتية، وفي المقابل فمن المتوقع ان تتحرك حماس بهذا الخصوص، وكما في أمور أخرى بما يوافق مصلحة التنظيم؛ حتى ولو بثمن تشويش برنامج إعمار القطاع.
إضافة إلى ذلك؛ الرئيس عباس الذي انفجر أكثر من مرة بالقول ان إسرائيل لم تفِ بتعهداتها له، والولايات المتحدة ومصر، لن يكون مستعداً بالضرورة للقيام بالدور المعد له في إطار المسلسل الجديد في القطاع، ومن المتوقع ان يرفض المخاطرة دون مقابل ظاهر في الضفة الغربية وبتشجيع موسع، ستضطر السلطة ان تأخذ بعين الاعتبار المخاطرة بأن تمتنع حماس عن السماح لها بتنفيذ صلاحياتها المدنية في القطاع، وكذلك ان تنزع سلطتها على ورشة الإعمار، كذلك يُتوقع ان يرفض عباس موضعة قوات محدودة في القطاع ليكونوا تحت رحمة قوات حماس القائمين عليهم، وأن تتعهد مصر وإسرائيل بالتدخل في المواجهة التي ستقع بينهم وبين رجالات حماس، ورغم ذلك فإن مثل هذا التعهد يقتضي ثمناً؛ فعباس قد يبدو في عيون الجمهور الفلسطيني كمن ينوب عن إسرائيل (مصر وشريكاتها في المنطقة) والولايات المتحدة، وبينما حماس وكحركة مقاومة أصيلة حافظت على استقلال القرار في مواجهة كل هذه الجهات القوية، فمن ناحية عباس سيكون ممكناً أن يواجه هذا الخطر إذا أدرج مشروع إعمار غزة بقيادة السلطة ببرنامج سياسي شامل، ولكن – وهذه هي المشكلة الأساسية – إسرائيل والولايات المتحدة لا تبديان أي استعداد للمبادرة بخطوات سياسية تؤمن إحداث اختراق باتجاه تحقيق أهداف الفلسطينيين الوطنية.

الجنايات الدولية والنتائج
الرئيس عباس يشترط التعاون من جانب السلطة الفلسطينية مع خطة إعادتها إلى قطاع غزة بالموافقة الأمريكية على التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الـ 67 وإلزام إسرائيل بالانسحاب من المناطق المحتلة خلال ثلاث سنوات؛ كل ذلك على خلفية اعتراف الهيئة العامة للأمم المتحدة بفلسطين كدولة عضو مراقب (في نوفمبر 2012)، فشل جولة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بوساطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وخيبة أمل حكومة الرئيس أوباما من سياسات حكومة نتنياهو في مسألة الصراع والعملية السياسية التي أراد حلها والانتقادات الواسعة لسياسة الحكومة الإسرائيلية لتوسيع البناء في المستوطنات وفرض الوقائع على الأرض، والتي تستبعد حل الدولتين، وكذلك الآثار المؤلمة لمعركة "الجرف الصامد"، في حال تحققت خطة عباس القاضية باستمرار الفلسطينيين في عملية الانضمام إلى الهيئات والمواثيق الدولية وزيادتها؛ ستحول الهيئات الدولية إلى مسرح للكثير من الهجمات السياسية والقضائية ضد سياسة تجاه القضية الفلسطينية.
القرار الفلسطينيون بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية في أعقاب إفشال مسعاهم باستصدار قرار أممي ينهي الاحتلال، سيكون بمثابة مصدر قلق قضائي سياسي لإسرائيل، ولكن هناك شك بأن يغير بطريقة جوهرية سياسة حكومتها فيما يخص شروط العودة إلى المفاوضات والتقدم باتجاه الحل، وذلك هو سبب ان الرئيس عباس ومن حوله في أقوالهم حول العملية السياسية والطريق المسدود الذي آلت إليه، ذكروا "سلاح اليوم الفصل" يعني حل السلطة الفلسطينية ونقل المسؤولية الشاملة لما يدور في الضفة الغربية إلى إسرائيل، يمكن ان نشكك بمصداقية التهديد، يمكن ان ينفذ عباس تهديده بالاستقالة التي تحدث عنها أكثر من مرة وستتسبب مغادرته حينها بالفوضى؛ ولكن من المفترض ألا تحل السلطة نفسها؛ إذ ان هناك قائمة طويلة من المصالح الشخصية على الساحة الفلسطينية، وهي التي ستبقى طالما تمتعت من الدعم المالي الخارجي، ولكنها ستواصل فقدان شرعيتها، ولكن وفي هذا السيناريو أيضاً تكمن أثمان من جانب إسرائيل، إذ ان القوات الأمنية في السلطة، والتي تفقد شرعيتها فعلاً، ستجد صعوبة للقيام بمهامها الأمنية عبر التعاون مع إسرائيل.

مأزق إسرائيل
من ناحية إسرائيل، السؤال المركزي هو كيف تمنع تنامي قوة حماس من جديد التي قضمها الردع المحقق في معركة "الجرف الصامد"، وتختصر الفترة الزمنية للهدوء النسبي لحين الاشتباك القادم؟
أثناء الاتصالات التي في إطارها نوقش وقف إطلاق النار، طلبت إسرائيل بأن توافق حماس وبقية الفصائل في قطاع غزة على نزع سلاحها مقابل فتح المعابر وإنشاء المطار والميناء وخطة الإعمار الشاملة، فرصة ان توافق حماس على مثل هذه الصيغة معدومة ولم يكن بالإمكان إجبارها على القبول به، إذاً فالتحدي هو بلورة خطة تؤدي إلى إضعاف حماس تدريجياً أو على الأقل إبطاء سرعة تعاظمها، يمكن ان تشير منظومة العلاقات المتعكرة بين نظام السيسي في مصر وبين حماس على احتمال النجاح في تطبيق خطة من هذا النوع، مخازن سلاح حماس تضررت بصورة كبيرة أثناء معركة "الجرف الصامد" وسيجد التنظيم صعوبة لملئها من جديد بسبب تقلص قدرته على تهريب السلاح عبر شبه جزيرة سيناء عقب سد الأنفاق، وإلى ذلك فتح المعابر المؤدية إلى القطاع وورشة الإعمار الشاملة في المنطقة سيجعل من الصعب تطبيق الخطة، إذ ان حماس سيصبح لديها القدرة على ترميم صناعة السلاح المحلي في القطاع، ولذلك ستكون هناك حاجة إلى إنشاء منظومة مراقبة دقيقة على البضائع القادمة إلى غزة باشتراك مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي، في المقابل سيكون على إسرائيل ان تدرس اتخاذ سياسة فاعلة ضد صناعة الأسلحة رغم انضوائها على مخاطرة زعزعة الاستقرار بينها وبين قطاع غزة.
في ظل سياسة حكومة إسرائيل الحالية التمسك بالتقدير بشأن عدم جدوى المفاوضات؛ فإن المسؤولية الملقاة على عاتق إسرائيل هي مسؤولية استقرار الأوضاع في القطاع بهدف منع حدوث تصعيد يجر إلى معركة أخرى، على إسرائيل ان تقدم مساعدة حقيقية للقطاع، بما في ذلك تدفق البضائع (مواد البناء والتزويد بالكهرباء والماء والمساعدة في إعمار البنى التحتية)، ولكن هناك توتر بين الحاجة إلى لجم حماس وبين المساعدة، إذ ان توصيلها فعلاً ستعزز سلطة حماس وتعم شرعيتها الجماهيرية، ولكن عملياً فإن هناك مصلحة مشتركة بين إسرائيل وحماس، وهي إبقاء المنطقة عائمة قبل ان تهوي إلى القاع وتدور جولة أخرى من العنف، إذن يمكن القول، وعلى النقيض من التطلع المصري إلى تقويض سلطة حماس وترميم أخذ السلطة لزمام الأمور في القطاع والكف عن تقوية نفوذ رجال فتح بقيادة محمد دحلان.

فرص اندلاع انتفاضة
السؤال الجوهري: هل، وعلى خلفية الجمود السياسي المتواصل وعدم تحسن الأوضاع في قطاع غزة في أعقاب معركة "الجرف الصامد"، نتوقع اندلاع مواجهة عنيفة في الضفة الغربية، والذي حاز على مسمى "الانتفاضة الثالثة" قبل وقوعه؟
هناك دلالات يبدو على ضوئها ان اندلاع مواجهات واسعة النطاق توشك ان تبدأ، إثر الزيادة النسبية في العمليات العفوية الشعبية التي قام بها أفراد لا انتماء تنظيمي لهم.
يبدو ان الجمهور الفلسطيني في غالبيته العظمى غير معني حالياً باتخاذ دور في انتفاضة واسعة النطاق، وهو خائف من العودة إلى الأيام التي سجلت في المظاهرات التي اندلعت في المنطقة أثناء "الجرف الصامد"، بالنظر الى الرد الاسرائيلي والقتل والدمار التي تسببت به الانتفاضة الثانية، والدليل على ذلك المشاركة المتواضعة للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، والرد القاتم الشائع في أوساط الفلسطينيين هو الاهتمام الداخلي في دائرة الأسرة والأقارب.
الأحداث التي وقعت في القدس خلال الأشهر التي تلت "الجرف الصامد" على خلفية التوتر الذي طرأ في ساحات جبل الهيكل (المسجد الأقصى المبارك) بين اليهود والمسلمين، كانت خلفية للتصعيد الحاد على حجم الاحتجاجات الفلسطينية العنيفة في المدينة، التوترات في القدس كان لها أسباب دفينة قليلة، بدءاً بالتمييز المتواصل ضد السكان الفلسطينيين في المدينة، وانتهاءً بالأجواء المعادية الصعبة للفلسطينيين، التي تسري بين طبقات واسعة من سكانها اليهود، وقد ظهر هذا من بين ما ظهر بالأعمال العنيفة ضد فلسطينيين في إطار "دفع الثمن" في المدينة نفسها وفي أماكن أخرى من الضفة الغربية، بطبيعة الأمور التصعيد بالكراهية والعنف له شكل دائري، لا يمكن إحباط التخوف من ان ينتقل العنف الدائر في القدس على خلفية التوتر بين اليهود والمسلمين/ الإسرائيلي الفلسطيني إلى مناطق خارج المدينة في مناطق الضفة الغربية.