خبر : غزّة فقيرة... لكنّ تعدّد الزوجات في ازدياد!

الجمعة 20 مارس 2015 03:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزّة فقيرة... لكنّ تعدّد الزوجات في ازدياد!



مدينة غزّة - اسماء الغول- دخلت كلتاهما إلى محلّ تصفيف الشعر النسائيّ، الأولى تبدو جدّية وترتدي الزيّ الشرعيّ الطويل، وعلى وجهها مسحة جمال، بينما الثانية تبدو أكثر حيويّة، وترتدي السروال وتضع الكثير من الماكياج. الأولى تعامل الأخرى بمسؤوليّة الأكبر سنّاً، بينما الأصغر تحاول تجاهلها طوال الوقت.
تبدوان كأختين لولا وجود كراهية صامتة في العيون. همست في أذني مصفّفة الشعر: "إنّهما ضرّتان". وهي كلمة عامّية لوصف زوجتين لرجل واحد. التنافس والتربّص بينهما جعل من الصعب مبادرتهما بالسؤال عن طبيعة التعايش مع الرجل ذاته، فيبدو أنّ الأمر كان سينتهي بتوبيخي.
ليس من الصعب إيجاد النماذج ذاتها في طبقات مجتمع غزّة، سواء في الغنيّة أم الفقيرة أم حتّى في الطبقة المتوسّطة الأكثر ثقافة وتعلّماً.
يقول أسعد الغازي (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لرجل متزوّج بأخرى منذ عشرة أعوام، إنّ ما يدفع الرجل إلى الزواج مجموعة من الأشياء، كعدم الارتياح مع الزوجة الأولى أو الحاجة العاطفيّة أو مشاعر حبّ تربطه بإنسانة أخرى.
ويوضح أنّه يجد صعوبات بوجود زواج آخر في حياته، مضيفاً: "أنا مشغول دائماً بهاجس أنّني قد أظلم أحد الطرفين، خصوصاً مع وجود أبناء من الزوجتين"، مشيراً إلى أنّه لا يستطيع أن يكون عادلاً، ويضطرّ أحياناً إلى التمثيل أمام الزوجة الأولى.
ووفقاً لقانون الأحـوال الشخصيّة في فلسطين، يحقّ للرجل الزواج بأربع نساء، ممّا يتعارض مع المادّة 16 من اتّفاقية سيداو التي تنصّ على القضاء على التمييز ضدّ المرأة في المسائل المتعلّقة بالزواج والعائلة، وهي الاتّفاقية التي وقّعت عليها السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة في آذار/مارس2009.
تقول أحلام أحمد (38 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيّدة حقّقت الاستقلال الماديّ والمهنيّ، ولكنّها قبلت أن تكون زوجة ثانية منذ ثلاثة أعوام، لـ"المونيتور": "أسوأ قرار تتّخذه امرأة بأن تكون زوجة ثانية. ستعيش دائماً مع ذنب أنّها أخذت شيئاً ليس ملكها".
وتضيف: "الزوجة الثانية غالباً ما تكتشف بعد الزواج أنّ 90% ممّا قاله لها زوجها عن ظروفه وعن زوجته الأولى كذب"، لافتة إلى أنّ المشاكل قد اشتعلت لأن الزوجة الأولى لم تتقبل أن يتزوج زوجها بأخرى، وهكذا لم تتواصل الزوجتان على الاطلاق كما يحدث عادة..
وتقول سلمى عوض (35 عاماً) وهو اسم مستعار لامرأة جميلة تقدّم إلى خطبتها العشرات، ولكنّها في النهاية قبلت أن تكون زوجة ثانية بعدما أحبّت رجلاً متزوّجاً: "أعتبر الزواج الثاني خياراً اضطراريّاً، وفي كلّ الأحوال هو خيار سقيم، فالزواج نفسه صعب، فما بالك حين يكون ثانياً".
وتذكر سلمى الأحلام التي ضاعت، والتنازلات الكثيرة على مستوى العاطفة والمبادئ، والأكاذيب التي تكشّفت، لتجد نفسها في النهاية مضطرّة أن تعيش حياة قاسية ومؤلمة.
وتقول سلمى لـ"المونيتور": "في البداية، كانت تأكلني الغيرة، ولكنّني الآن تعايشت مع الواقع، وأصبح عندي مزيد من الوقت للاهتمام بعملي وتطوير ذاتي".
تقول أمنية سالم (33 عاماً)، وهو اسم مستعار لزوجة اكتشفت بالصدفة أنّ زوجها قد تزوّج عليها على الرغم من أنّ زواجهما كان بعد قصّة حبّ، لـ"المونيتور": "لا تتخيّلي حجم الألم والإهانة التي شعرت بها، خصوصاً أنّنا في طور تنشئة أبنائنا، فكيف يصبح مستقبلنا وهو يضم إنسانة دخيلة".
وتضيف أنّها تتفهّم أنّ هذا الأمر مسموح في الدين الإسلاميّ، ولكن لأسباب تتعلّق بعقم الزوجة أو مرضها، أمّا حين يتزوّج الرجل على إمرأة يحبّها، فهذا لا يعني سوى ظلم المرأة للمرأة، وأنانيّة الرجل.
وتصف أمنية كيف تحطّمت حياتها، مضيفة: "لا أفكّر سوى في الطلاق كي أحتفظ بإنسانيّتي، ولا تهتزّ صورتي في عيون أبنائي".
وقد طالبت مؤسّسات حقوق الإنسان بتقييد هذا الحقّ عبر خيارات عدّة كأن تكون هناك ضرورة ملحّة له، وأن تعلم الزوجة الجديدة بأنّه متزوّج عليها، كما يجب أن تعلم الزوجة الأولى بأنّ زوجها عازم على الزواج، إضافة إلى منحها الحقّ بطلـب التفريـق.
في أروقة المحكمة الشرعيّة في مدينة غزّة، قال أحد الموظّفين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأنّ حديثه إلى الإعلام يتطلّب إذناً رسميّاً: "الأحوال الاقتصاديّة المتدهورة في القطاع تجعل الزواج الأوّل شبه مستحيل فما بالك بالزواج الثاني"، مستدركاً بالقول: "لكن بعد الحرب الأخيرة، تكرّر الزواج الثاني بسبب تزايد عدد زوجات الشهداء".
وأوضح أنّ الإحصاءات تبيّن أنّ حالات الزواج الثاني في عام 2012 بلغت 1376 حالة، وفي عام 2013 حوالى 1466 حالة، مضيفاً: "هذه الحالات تضمّ الزوج المطلّق الذي كرّر الزواج أو المتزوّج على زوجته الأولى".
قاطع حديثنا مواطن جاء ليختم ورقة توكيل من إمرأة تعيش في ألمانيا تمهيداً للزواج بها، ويبدو كبيراً في السنّ، فبادرناه بالسؤال إذا ما كان متزوّجاً، فردّ: "نعم أنا متزوّج، وزوجتي الأولى وأبنائي راضون لأنّها ستأخذنا إلى ألمانيا".
يقول رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي حسن الجوجو لـ"المونيتور" إنّ الزواج الثاني في الشريعة استثناء وليس أصل، فالأصل الزواج بواحدة، منبّها بقوله: "هذا في الدين، ولكنّ القضاء يعطي الرجل الحقّ في الزواج مع عدم وجود أسباب، وللمشرع حقّ تقييد المباح، ولكنّ هذا لا يحدث عندنا".
ولا يوافق الجوجو على أنّ كون حركة حماس الإسلاميّة في الحكومة لسنوات طويلة قد أثّر على ازدياد الظاهرة، خصوصاً أنّ بعض أشهر قادتها متعدّد الزوجات، مضيفاً: "تعدّد الزوجات قناعة شخصيّة، لا تتعلّق بحزب أو سياسة".
في نهاية تسعينيّات القرن الماضي، وبعد مجيء السلطة، ناضلت مجموعة من النساء لتغيير قانون الأحوال الشخصيّة في تجربة مؤسّسة "مشرقيّات"، لكنّها جوبهت برفض مجتمعيّ كبير.
تقول الناشطة النسائيّة عزّة الكفارنة لـ"المونيتور": "على الرغم من أنّني أرفض الزواج الثاني، إلّا أنّنا طالبنا في "مشرقيّات" بتقييد الزواج الثاني وليس منعه، لأنّه لم هذا المنع لم يكن مقبولاً، واستندنا إلى ذلك على الفقه الدينيّ، وخرجنا بمجموعة من التوصيات التي وقّعت عليها كلّ الأحزاب، بما فيها حركتا حماس والجهاد، لكنّ الأمر لم يطبّق على أرض الواقع".