خبر : الاحتفال بالديمقراطية أقرب إلى الاحتفال بالقمامات ...بقلم: عكيفا الدار

الأربعاء 18 مارس 2015 10:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الاحتفال بالديمقراطية أقرب إلى الاحتفال بالقمامات ...بقلم: عكيفا الدار



غزة أطلس للدراسات
أعضاء "معسكر السلام" الإسرائيلي الفلسطيني ليسوا بحاجة ليبذلوا جهد حبس أنفاسهم لحين انتهاء جرد أصوات الجنود، حتى وإن كانت يدا "المعسكر الصهيوني" هي العليا، وحتى إن وقع البالغ من "الليكود" موشيه كحلون اسمه على اتفاق ائتلافي إلى جانب اسم زهافا غالؤون من "ميرتس"؛ فإن صورة يتسحاق هرتسوغ ومحمود عباس (أبو مازن) وهما يوقعان على اتفاق لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين لا تزال تبدو واقعية تماماً مثل صورة أفيغدور ليبرمان وهو يخرج في رقصة مع حنين زعبي.
تجارب الماضي تعلمنا ان حكومة هجينة كهذه أو حكومة وحدة بين "الليكود" و"المعسكر الصهيوني" تفكك مستوطنة يهودية في الخليل وتخلي 120 ألف مستوطن وتتنازل عن الأحياء العربية في القدس؛ الاحتمال الأقرب على ما يبدو أن يعلن عباس أمام البرلمان الفلسطيني أن إسرائيل كانت وما زالت دولة الشعب اليهودي فقط لا غير، كما ذكرت هنا في الشهر الماضي فإن حكومات مثل هذه هي وصفة للشلل السياسي.
الكثيرون من المواطنين الإسرائيليين، إن لم يكن معظمهم، لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع لكي يصوتوا لصالح حزب يتأملون منه حقاً أن يأتي بالسلام والقضاء على حماس ومنع إطلاق الصواريخ مرة أخرى على بئر السبع أو وقف برنامج إيران النووي، تشير الاستطلاعات إلى أن تكاليف الحياة والرفاه الشخصي يتصدران اهتمامات غالبية الإسرائيليين، وإلى ذلك فإن الأزواج الشابة، والذين أبدوا في معظمهم في العام 2011، شبعوا من الوعود التي لا رصيد لها بتخفيض أسعار السكن، ولذلك فإن انتخابات 2015 ستسجل في التاريخ القصير، ولكن كثير الحكومات الإسرائيلية (متوسط عمر الحكومة في إسرائيل هو عامين – 33 حكومة خلال 66 عام) ان الانتخابات التي تركزت في السؤال "من تريد/ ين أن يكون في السلطة؟"، وبناءً عليه فإن الشعارات الرائدة في الدعاية الانتخابية كانت مثل "إلا بيبي" وعلى النقيض "إما نحن أو هم".
هناك من سيصوتون ضد هذا الذي خيب أملهم واستفز الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو لمجرد أنهم ضاقوا به ذرعاً، وآخرون سيصوتون ضد من سيسلم المناطق للعرب ويتملقون أوباما أو لمجرد أنهم لا يعجبونهم، العشرون مقعداً او يزيد التي ستسقط على ما يبدو في بعضها لبيد وكحلون – الأشخاص الذين هم أحزاب – ستأتي في غالبها من منتخبين يصعب عليهم أن يقرروا من الذي لا يريدونه في السلطة "بيبي أم بوغي"، الكثير من المقترعين من القائمة المشتركة، ومن بينهم القوميين والشيوعيين والإسلاميين وغيرهم، سيذهبون على ما يبدو إلى صناديق الاقتراع لكي لا يصوتوا لصالح حزب له علاقة بالصهيونية، العامل المشترك الأوسع في هذه الانتخابات يمكن تلخيصه في كلمتين "بغض الآخر".
نتنياهو ربح بغضه بنزاهة أو بشكل أدق بعدم نزاهته، لقد خرق تعهده بتقديم حل الدولتين وثقب الصحن مع حكومة أوباما وأدار ظهره للطبقات الضعيفة وبذر أموال الجمهور في أمور كمالية، وأخطر من هذا كله جر بيبي إسرائيل إلى حرب زائدة وفاشلة مع حماس، حصدت أرواح 72 إسرائيلياً وشلت الدولة على مدار أسابيع طويلة، ومع ذلك فقد كان لليمين زعيم تسبب لدولة بضرر ليس أقل ثقلاً، إن لم يكن أثقل، ورغم ذلك كله فقد تحول إلى عزيز إسرائيل، بمن فيهم جزء معتبر من اليسار.
أريئيل شارون، سلف نتنياهو في قيادة "الليكود"، كان الإسرائيلي المسئول المباشر عن حرب لبنان التي كلفتنا حياة 1206 من جنود الجيش الإسرائيلي، وشريك غير مباشر في مذبحة صبرا وشاتيلا، لقد طور صناعة المستوطنات وأضر بالعلاقات مع الولايات المتحدة، رغم انه أمضى حياته كلها في خدمة الجمهور؛ فقد نجح شارون أن يقيم لنفسه مزرعة على أرض تساوي عشرات الملايين، حتى تسيبي ليفني التي أيدت بشغف خطة الانفصال قالت لي ان قرار شارون بتنفيذها بشكل آحادي بدلاً من تسليم غزة لعباس كجزء من عملية سياسية كانت من باب "رمي مفاتيح غزة في الشارع، ولم يكن أمام حماس سوى التقاطه"، الانفصال إذن منح شارون إمكانية التنصل من التقديم بخارطة الطريق، والتي أريد لها أن تجمد توسيع الاستيطان بهدف إنقاذ اتفاقية أوسلو.
في المعركة الانتخابية الحالية؛ قُدم "المعسكر الصهيوني" على انه مجموعة من المتعاونين مع العدو العربي، وفي المقابل قام اليسار بمحاولة نزع الشرعية عن رئيس الحكومة، تذكر بنزع الشرعية التي فعلها رئيس حزب "الليكود" نتنياهو قبل عشرين عاماً برئيس الحكومة اسحاق رابين وبقية "مجرمي أوسلو" في السنوات التي تلت توقيع الاتفاق، في إطار الحملة الآنية ضد بيبي علقت في شوارع البلاد يافطات عملاقة عنصرية تبقينا عالقين مع الفلسطينيين للأبد.
الشوق (في أوساط المعسكرين) إلى طرد نتنياهو بلغت حد تحويل التجمع الإنساني إلى مصدر إزعاج قومي، وكما هو معروف فإن الكثيرين من المواطنين الإسرائيليين العرب يعتبرون أنفسهم "فلسطينيين مواطنين في اسرائيل"، وعندما شبه نفتالي بينيت المشكلة الفلسطينية بالشوكة في الإلية سمع صراخ اليسار في جميع أنحاء البلاد، ولكن يبدو هذه المرة أن كل شيء مسموح، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يصف أيمن عودة، وهو واحد من قادة القائمة العربية المشتركة، وهو الحزب الذي يمثل جماهير كبيرة؛ بأنه "طابور خامس"، رئيس جهاز الدعوة في القائمة المشتركة رجاء الزعاترة يقارن الحركة الصهيونية بالتنظيم المعروف بقطع الرؤوس، ارييه درعي وايلي يشاي وهما رئيسا حزبين متدينين "شاس" و"ياحد" يلعبان بالحاخام الميت عوفاديا يوسيف كما لو كان كرة من الخرق البالية، الأديب المحترم يائير غربوز يتحدث بنفس واحد عن المغتصبين واللصوص وعن جمهور واسع من الناس الأسوياء الذين يؤمنون بقوة السحر.
وسائل إعلام مركزية أيضاً تأثرت من الجو العام في المعركة الانتخابية، وبدلاً من تزويد الجمهور بوصف معقول منطقي، ومن اليمين ما أمكن الواقع لكي يمكنه من اتخاذ القرار المتزن في صناديق الاقتراع؛ فإن الصحيفتين الكبريين "يديعوت احرونوت" و"إسرائيل اليوم" انشغلتا أكثر فأكثر بفرض حمأة من الآراء السياسية، في "إسرائيل اليوم" هاجموا بلا تردد صحيفة "يديعوت" ومديرها نوني موزيس، وفي المقابل المحلل الكبير في "يديعوت" ناحوم برنياع نزل بمستواه وزعم أن رئيس الحكومة مصاب بجنون العظمة وانه بحاجة إلى دخول المستشفى.
اكلاشيه "الاحتفال الديمقراطي" الذي ترأس الرسوم البيانية في الأيام التي سبقت الانتخابات اختفت هذه المرة، وكأنها لم تكن في الحوار الجماهيري، المعركة الانتخابية ستنتهي ولكن مثل أكوام القمامة في الحدائق العامة والمحميات الطبيعية، صبيحة الاحتفالات بيوم الاستقلال ستخلف وراءها طبقة سميكة من علائق الخردة، ان لم نعرف كيف ننظفها سنغرق جميعاً في أكوامها اليمين واليسار واليهود والعرب والمتدينون والعلمانيون.
المونيتور العبري