غزة أطلس للدراسات
ملخص تنفيذي للندوة النقاشية التي عقدها مركز أطلس بعنوان "نهاية حل الدولتين في ضوء الخطاب الصهيوني والتوسع الاستيطاني" بمشاركة لفيف من المثقفين والباحثين السياسيين بتاريخ 11/3/2015.
- المكان: مقر مركز أطلس - غزة
- المتحدثون الرئيسيون:
* ورقة أعدها مركز أطلس، وعرضها مدير المركز أ. عبد الرحمن شهاب.
* مداخلة عبر skype للأستاذ انطوان شلحت/ باحث سياسي ومتخصص في الشأن الإسرائيلي.
- هدف الحلقة النقاشية: إطلاق وحث حالة نقاش وحوار فلسطيني وتأسيس وعي أعمق حول "حل الدولتين" القائم وفق منظورنا كفلسطينيين على الحد الأدنى، أي دولة فلسطينية على كامل حدود 67 بما فيها القدس وعودة اللاجئين، في ضوء الخطاب الصهيوني وحقائق الممارسة الاستيطانية التوسعية، والذي ازداد شراسة مع انطلاقة المفاوضات للوصول الى قناعة: هل مازال قائماً وممكناً أم انتهى؟
ليس بهدف البحث عن البدائل في الوقت الراهن، وإنما تشخيص دقيق للواقع الذي وصلنا إليه، على أمل أن يقود ذلك الباحثين والمثقفين والنخب السياسية إلى الادراك بضرورة السعي نحو دراسة البدائل الممكنة للوصول الى صياغة استراتيجية جديدة ومدروسة وجامعة تحمل أعباء الأمل الفلسطيني وتحقق الحلم الفلسطيني.
ملخص الورقة التي قدمها مركز أطلس
- لم يكن حل الدولتين الذي اضطر الفلسطينيون لتبنيه خيارهم الطوعي الأول؛ بل نتاج اضطرارات الاستجابة للممكن السياسي في ظل ظروف وموازين قوى فرضت عليهم، فهو كان محصلة لظروف قهرية، في مقدمتها نجاح الحركة الصهيونية في تعزيز عوامل نجاح مشروعها على الأرض المحتلة عام 48 من جهة، ومخاطر ابتلاع المزيد من الأرض التي احتلت عام 67 بواسطة المشروع الاستيطاني، بما في ذلك مشاريع تهويد مدينة القدس وإفراغها من سكانها وطمس معالمها وهويتها العربية الإسلامية من جهة ثانية، فأصبح خطاب الواقعية السياسية خطاباً مركزياً محمولاً على شعار "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" وحماية المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة.
- بيد ان الفلسطينيين الذين قطعوا طريقاً سياسية طويلة من العودة وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، الى الاعتراف بإسرائيل والقبول بدولة في أقل من 22% من فلسطين؛ صدموا بعد عقدين من التفاوض المباشر مع عدد من الحكومات الإسرائيلية، التي مثلت مجمل التيارات السياسية الصهيونية، ان مختلف القيادات والنخب السياسية والعسكرية الاسرائيلية ترفض صراحة إقامة دولة فلسطينية على الأرض المحتلة سنة 67.
- وليس مصادفة ان قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والانشغال بالتسوية السياسية للصراع غابت عن أجندة مختلف الأحزاب الاسرائيلية خلال الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين للكنيست؛ بل أكثر من ذلك ان يتحول جوهر المشروع الاستيطاني الى أحد مكونات الاجماع السياسي الإسرائيلي، فضلاً عن قضايا القدس واللاجئين والسيادة الاسرائيلية ويهودية الدولة، بما يجعل الدولة الفلسطينية في أحسن أحوالها سلطة إدارية للفلسطينيين تحظى برموز وشهادات واتفاقيات واعتراف سياسي فخرية وشكلية.
- حل الدولتين هو الخيار الأقرب لعقول الجميع باعتبار باقي الحلول صعبة، اسرائيل تدير الصراع ببراعة نحن الفلسطينيون نتحمل المسؤولية في افشال حل الدولتين وإفشال أوسلو.
- منذ ان انطلقت مسيرة مفاوضات التسوية أو ما يعرف بعملية السلام في كل مراحلها، وبكل مشاريعها ومسمياتها؛ أدارت إسرائيل بشراكة دولية مسيرة خداع ومناورة وتضليل للتهرب من التوصل الى تسوية تفضي الى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة الـ 67، ولتقطيع الوقت واستغلال عامل الزمن في فرض الأمر الواقع، وتغيير ديموغرافيا الضفة والقدس، بما يفرض على أي تسوية ان تراعي الانتشار الاستيطاني الكبير والمتزايد دوماً، فضلاً عن مراعاة توفير متطلبات تأمين الهواجس الأمنية الاسرائيلية التي لا تعرف حدوداً.
- ومن الملاحظ ان جميع مشاريع التسوية (خطة كلينتون، وتقرير ميتشل، وخارطة الطريق، ومبادرة جنيف، ومفاوضات أنابوليس، وإطار كيري ... الخ) تتحدث عن الدولة الفلسطينية بعمومية، منتقصة من سيادتها ومساحتها، وهي في أحسن الأحوال قابلة للحياة، لكنها جميعا تجمع على ان من حق اسرائيل ان يكون لها حدوداً قابلة للدفاع؛ الأمر الذي يعني ان من حق اسرائيل التمدد داخل أراضي الـ 67، والاعتراف أيضاً ان أي تسوية ستراعي التغييرات الديمغرافية "خطاب ضمانات بوش لشارون سنة 2003"، إضافة لمبدأ تبادلية الأراضي؛ الأمر الذي يعني القبول مسبقاً بالتنازل عن أراضٍ في القدس ومحيطها، والأراضي المقام عليها التجمعات الاستيطانية الكبيرة، وهي – أي المشاريع – تغفل عن عمد قضايا القدس واللاجئين والحدود والسيادة والمعابر والمصادر الطبيعية، وترهنها بنتائج المفاوضات المباشرة، وتتجاهل بخبث استمرار التمدد الاستيطاني الذي ابتلع الأرض التي ستقوم عليها الدولة.
- ولا يبدو حقاً ان أوروبا تحديداً، التي يعتبر مشروع حل الدولتين مشروعها وطفلها الذي ترعاه منذ أكثر من عقدين، تهتم حقاً بمصير مشروعها، فعلى الرغم من ان القانون الدولي يرى في الاحتلال والاستيطان جريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي؛ فلم تفعل أوروبا شيئاً لوقف الاستيطان وحث اسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية سوى إصدار بيانات التنديد ووصف الاستيطان بغير الشرعي، واستمرار استقبال أسواقها لمنتجات المستوطنات، واستمرار تمتع إسرائيل بميزات اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي وقعته سنة 95.
- يرتبط الاستيطان الاسرائيلي في الضفة والقدس باعتبارات أمنية وايديولوجية ودينية، فالقدس هي بالنسبة لهم قلب صهيون، وفيها ما يزعمون انه "جبل الهيكل" والحوض المقدس، وأما الضفة فهي أراضي مملكتي "يهودا والسامرة"، والخليل مدينة إبراهيم وأرض الآباء والأجداد، وكل أراضي الضفة هي جزء من أراضي الوعد الإلهي، وعلى حد زعم نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة (سبتمبر 2012) فإن قبول اسرائيل بالوجود الفلسطيني على "الأرض اليهودية في الضفة" يعتبر تنازلاً وسخاءً يهودياً واعترافاً بقوة الأمر الواقع، كما ان الصهيونية السياسية تعتبر أراضي الضفة جزءاً من أرض إسرائيل وجزءاً من وعد بلفور، وأن أي مساومات سياسية تنازلية عن بعضها تأتي بفعل الوجود الفلسطيني والرغبة بالمحافظة على يهودية الدولة، وثمة الاستيطان الأمني بهدف تأمين حدود الدولة وقدراتها الدفاعية، ويعتبر رائد هذا التوجه الجنرال العسكري يغئال الون الذي سارع بوضع وإعلان خطته الأمنية الاستيطانية لأراضي الضفة غداة احتلال سنة 67، وحيث تقوم خطته ببناء حزام استيطاني على طول الحدود الشرقية للضفة لتأمين السيادة الأمنية والديموغرافية على طول الحدود مع الأردن لتأمين ما يسمى بالجبهة الشرقية، يربط شمال شرق إسرائيل مع الشمال الشرقي للنقب، وكذلك حزام استيطاني شمال شرقي القدس حتى أريحا. ولا زالت تشكل خطة الون منذ أن أعلنت حتى يومنا هذا إجماعاً داخل النخب السياسية والأمنية، وينظر إليها باعتبارها أحد أهم مركبات القدرات الأمنية الحيوية لصد التهديدات الشرقية وتأمين السيادة والسيطرة على مصادر المياه والمصادر الطبيعية الأخرى.
- الصراع على ما تبقى من الأرض الفلسطينية لا زال العنوان والهدف الأهم لكل السياسات الإسرائيلية، ومن ناحيتهم فإن الوقت لا زال مهيئاً لكسب المزيد من الأرض، ولا يهمهم ماذا يقول العالم أو يقول المتفاوضون، فإن الاستيطان وحده هو الذي سيقرر مستقبل هذه الأرض.
- المفاوضات لم تشكل فقط غطاءً مريحاً للاستيطان، بل حثت تسارع وتيرته، حيث اعتبروا انهم في صراع مع الزمن لحسم مستقبل الأرض، ففي حين بلغ عدد المستوطنين في الضفة سنة 1990 حوالي 81600 مستوطن تضاعف عددهم كثيراً ليصل في يونيو 2013 الى 370000 في الضفة و320000 في القدس، ويطمحون للوصول الى المستوطن المليون، ويتجاوز النفوذ الاستيطاني الـ 40% من إجمالي مساحة الضفة.
- نظرة سريعة على البرامج السياسية الخاصة بالأحزاب الصهيونية المؤثرة اسرائيلياً، تظهر تشابهاً كبيراً الى درجة الاجماع على التنكر للحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وتزخر باللاءات الإجماعية فيما يتعلق بالقدس والسيادة والحدود واللاجئين والكتل الاستيطانية ورفض العودة لحدود الـ 67، واللاشريك الفلسطيني ويهودية الدولة، وفي بند التسوية تحافظ على عمومية وضبابية في توظيف واضح للعودة الى احياء مفاوضات التسوية كنوع من أشكال إدارة الصراع واحتواء الضغوط الفلسطينية والدولية، وخياراتها محصورة بين الصدام أو الاحتواء أو الانطواء الأحادي المنسق.
- القاسم المشترك السياسي لكل حكومات اسرائيل من أوسلو حتى اليوم هو التمسك بأمرين؛ الأول: استمرار الاستيطان ونهب الأرض وتهويد القدس، والثاني: الرفض المطلق لدولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 67، وكل خطاب عن حل الدولتين ليس الا مناورة وتضليلاً، وأي اتفاقية سلام من ناحيتهم يجب ان تكون اعترافاً رسمياً فلسطينياً بنتائج هزيمة 67 واستسلاماً وتسليماً بمنطق قوة الاحتلال.
- وعليه؛ فإن مشروع حل الدولتين لا يصل الى نهايته فقط بسبب خطاب نتنياهو أو خطاب معسكر اليمين الإسرائيلي، بل بفعل إجمالي الخطاب الصهيوني على اختلاف تياراته، وبفعل التغول الاستيطاني في ظل غياب إرادة دولية ذات أنياب، وفي ظل صمتها وتواطئها وفي ظل هشاشة الحالة الفلسطينية.
- وفي ظل ذلك؛ فإن استمرار التمسك بمشروع حل الدولتين واستمرار التعويل على الإرادة الدولية لتحقيقه؛ يتجاهل بشكل غير مفهوم الوقائع على الأرض التي تفيد بعدم واقعيته، والتي ربما لا يختلف عليها اثنان، ويؤدي الى إضاعة المزيد من الوقت الثمين وهدر المزيد من التضحيات وخسارة المزيد من الأرض، وتستفيد منه اسرائيل فقط في تعزيز مكانتها وهويتها وتعزيز الاعتراف بها.
- ان تعزيز القناعات الفلسطينية بفشل مشروع حل الدولتين يكتسب اليوم أهمية قصوى، كونه يقطع الطريق على تقديم أي تنازلات وعلى هدر المزيد من الطاقات والتضحيات والوقت، ويمهد بالضرورة الطريق نحو إعادة صياغة استراتيجية فلسطينية جديدة تمثل إرادة الكل الفلسطيني.
ملخص الكلمة التي عرضها الأستاذ انطوان شلحت
- استخدام مصطلح "انهيار" هو في حقيقته وصف صحيح لمآل حل الدولتين الذي قبلت به منظمة التحرير الفلسطينية كحل، وهو بكل المقاييس الأخلاقية والتاريخية والسياسية والقانونية حل غير عادل، لكن المنظمة حينها قبلت به لظروف لا يسع المجال للخوض فيها الآن، فالأفق الذي أوحى ربما قبل عقدين من الزمن مع توجه الفلسطينيين مع اسرائيل نحو طريق لم يكن مسلوكاً من قبل للتوصل الى تسوية للمسالة الفلسطينية؛ هذا الأفق الذي لاح ربما في نهايته بأن هنالك إمكانية للتوصل الى تسوية على أساس حل الدولتين قد تبدد، ووصفه بأنه قد انهار هو توصيف صحيح وأكثر وضوحاً على المستوى التنفيذي والعملي، وقد انعدم وتبدد منذ العام 2000 الذي شهد تفجر قمة "كامب ديفيد" وذهاب شارون الى المسجد الأقصى وتفجر الانتفاضة الثانية.
- منذ ذلك الحين والمقاربة السائدة في السياسة الاسرائيلية الرسمية ليست هي تسوية الصراع؛ بل ادارة للصراع، والصحيح والملاحظ ان الاسرائيليين على لسان المسؤولين أو مراكز الأبحاث أو حتى المحللين السياسيين لم يكونوا يجاهرون علناً بهذه المقاربة، لكن المشهد تبدل مع الاضطرابات الحاصلة في العالم العربي، فهناك مجاهرة علنية أكثر وأكثر بأن إسرائيل الآن لا يمكنها ان تتعامل مع الصراع إلا إذا توفرت إدارة لهذا الصراع، والجدل الإسرائيلي الدائر حول مسالة الصراع و"هل هو قابل للتسوية أم لا" ما عاد يتحدث في معظمه عن احتمالات حل الدولتين بقدر حديثه عن إدارة جيدة أو إدارة سيئة للصراع؛ لذلك أعتقد ان حل الدولتين قد انهار، وانه لم يعد هناك أي أفق لهذا الحل.
- تكاد تكون هذه المقاربة هي السائدة منذ العام 2000، وكل المحاولات التي جرت بعد ذلك باءت بالفشل، ومنها المحاولة التي جرت في 2007 في إطار ما عرف بـ "مؤتمر أنابوليس"، والمفاوضات التي قيل انها جرت من وراء الكواليس وعرضت فيها خطة للتسوية رفضها الفلسطينيون من قبل رئيس الحكومة الاسرائيلية في حينه ايهود أولمرت، ولكن عندما عرضها كان في نهاية حكمه المنتهي سياسياً، بحيث لم تكن ذات اعتبار أو وزن يمكن التعامل معها على هذا الأساس.
- ما بقي من مقترحات منذ ما قبل أنابوليس للتسوية هي تلك المقترحات التي تقدم بها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون؛ هذه المقترحات ربما ما زالت مطروحة في المناخ السياسي الذي يتحدث عن احتمالات التسوية، لكن أنا لا أعتقد ان هذه المقترحات مقبولة الآن من قبل أي حزب اسرائيلي له نفوذ، باستثناء ربما حزب "ميرتس" الوحيد الذي يمثل اليسار الاسرائيلي وقوته ليست أكثر من 6 مقاعد في الكنيست المنتهية، والاستطلاعات تتنبأ له أقل من ذلك.
- النقطة الثانية التي تؤكد ان أفق حل الدولتين أصبح شبه معدوم، إن لم يكن معدوماً بالكامل، وتبرهن على ان التوصيف بأن حل الدولتين قد انهار هو توصيف صحيح؛ هو ما نشهده في اللحظة الحالية في خضم حملة الانتخابيات الاسرائيلية الأخيرة، وجوهر البرامج المطروحة، وما يتم تداوله في مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من قبل الأحزاب المركزية لا يتعدى عن ادارة لهذا الصراع، وبالطبع مقاربة "الليكود" وزعيمه نتنياهو معروفة بما يعفينا من عناء الدخول في بعض التفاصيل المملة، ولكن نريد ان نتوقف بقدر من التفصيل حول مقاربة ما يسمى "المعسكر الصهيوني" وهو عبارة عن تحالف بين حزب "العمل" برئاسة يتسحاق هرتسوغ وحزب "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني، الذي نشر برنامجه الانتخابي السياسي والأمني قبل يومين، حيث لا يوجد أي حديث عن تسوية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين؛ بل هناك تركيز على انه في حال وصول "المعسكر الصهيوني" الى سدة الحكم وقيامه بتشكيل الحكومة فإنه سيعمل على الدفع قدماً بمسار سياسي إذا ما أتيح له مثل هذا الأمر، وهذا المسار سيكون في المدى البعيد.
وفي التصريحات التي يطلقها أقطاب هذا المعسكر، بدءاً من هرتسوغ وليفني، ومرشح هذا المعسكر لمنصب وزير الجيش عاموس يادلين، فهناك تأكيد على ان هذا المعسكر سيسعى لمسار سياسي لتوفير غطاء الشرعية الدولية لإسرائيل، والذي تآكل في ظل السياسة التي اتبعتها الحكومة الحالية (حكومة نتنياهو)، بمعنى ان أكثر ما يقوله أقطاب هذا المعسكر انهم سيسعون بالدفع قدماً بالمسار السياسي، ولكن من المشكوك فيه – كما يقولون – ان يكون هناك شريك فلسطيني، وعندما يُسألون كيف ينظرون إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس؟ يكون الجواب بشكل حازم وقاطع "انه ليس شريكاً لأنه متحالف الآن مع حركة حماس" التي يصفونها بـ "الارهابية" ومنظمات "ارهابية" أخرى كما يزعمون.
هذا يؤكد أن أفق التسوية السياسية على أساس حل الدولتين معدوم في خضم الحملة الانتخابية؛ وبذلك ليس لدينا أي أسباب كي نعتقد أنه سيكون هناك تسوية مدرجة بقوة في جدول أعمال أي حكومة اسرائيلية مقبلة، سواء شكلها "الليكود" أو "المعسكر الصهيوني" أو هما معاً، فمسألة تسوية على أساس حل الدولتين لن تكون مدرجة في صدارة جدول أعمال أي حكومة، وهذا ما تؤكده الوقائع التي أوردتها، وما تؤكده الوقائع التي تركز عليها الحملة الانتخابية الحالية من قضايا داخلية اقتصادية واجتماعية أكثر من أي قضايا سياسية.
- هناك مسألة تتعلق بالعقيدة السياسية الاسرائيلية الآخذة في التغير، سواء لدى ما يسمى بمعسكر الوسط – اليسار أو ما يسمى بالمعسكر اليميني، ومن المهم الانتباه دائما لهذا التغير، المعسكرات الاسرائيلية في السابق تبنت القول بأن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بغض النظر عن التفاصيل المتعلقة بالقدس، هو الذي سيؤدي الى استقرار أوضاع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط؛ الآن هذه العقيدة انقلبت رأساً على عقب، وتقريباً ولدت أحزاب اسرائيلية تقول ان هذه المعادلة قد عفى عليها الزمن ويجب اعتماد معادلة جديدة هي السعي نحو استقرار أو نحو تسوية إقليمية مع ما يسمى "الدول العربية المعتدلة"، وأن من شأن التوصل لهكذا تسوية ان تفتح الطريق أمام وصول كامل الى تسوية للمسألة الفلسطينية.
- طالما انني أتحدث الي اخوتي في قطاع غزة، من الضرورة الإشارة الى ان الانقسام الحاصل بين غزة والضفة هو أحد العوامل التي ربما تدفع الى الاعتقاد بأن أفق حل الدولتين قد انهار، وبأن إسرائيل لا تفكر بمثل هذا الأفق؛ بل تفكر بكيفية تكريس هذا الانقسام بين غزة والضفة، وهذا الموضوع يحتاج الى ندوة خاصة لأن فيه كتير من التفاصيل التي تحتاج الى نقاش.
- النقطة الثالثة تتعلق بضرورة التوقف مع الكثير من المصطلحات السياسية المتداولة، فاللغة التي تستعمل في أي حديث سياسي هي ليست لغة بريئة على الإطلاق، خصوصاً إذا ما كان التعامل معها يتم من الجانب الاسرائيلي، اللغة الاسرائيلية ليست بريئة، وهنا أود ان أستعيد مقولة لأحد الكتاب الإسرائيليين الذي قال ان هناك بحثاً دائماً عن تلويث البيئة وتلويث الجو وتلويث أشياء أخرى، ولكن لم يجرِ أي بحث عن تلويث اللغة، لذلك عند الحديث عن حل الدولتين هناك أهمية كبيرة لتعريف هذا المصطلح.
في بداية طريق التسوية مع انطلاقة اتفاق أوسلو كان هذا المصطلح يحمل دلالات مغايرة للدلالات التي يحملها الآن، في الجانب الاسرائيلي الآن يجرى حديث عمّا يسمى "حل الدولتين للشعبين"، هناك فارق جوهري كبير بين حل الدولتين وحل الدولتين للشعبين، إسرائيل تعني بحل الدولتين للشعبين ان الدولة الفلسطينية التي ستقام – إذا أقيمت – في مناطق الضفة الغربية ستكون بمثابة دولة قومية للشعب الفلسطيني، وأن دولة اسرائيل القائمة حالياً يجب ان تكون دولة قومية للشعب اليهودي، وطبعاً هذا موضوع مشكوك للغاية، ولذلك منذ ان اعتمدت اسرائيل مصطلح حل الدولتين للشعبين هناك اصرار في كل الخطابات التي يلقيها كبار السياسيون الإسرائيليين، وكذلك في كل جولات المفاوضات والاتصالات السرية التي جرت، هناك إصرار من قبل اسرائيل على ان يعترف الفلسطينيون بإسرائيل باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي، وهذا الاصرار وصل الى محاولة سن قانون دستوري، قانون أساس يحدد ويعرف هوية إسرائيل على انها دولة قومية للشعب لليهودي، طبعاً هذا الموضوع مشحون للغاية ومليء بالمتفجرات لأن اسرائيل تريد من خلال ذلك حسم الكثير من الأمور قبل التوصل لأي تسوية.
- وحول من يقول ان إسرائيل لديها سوابق لاقتلاع مستوطنات على غرار "كامب ديفيد" مع مصر، فمن وجهة نظري هذه قراءة غير واقعية، فالسياق يختلف والدوافع تختلف، والتجربة التي مرت منذ 93 وصولاً لليوم أكثر من عقدين رشحت عنها الكثير من الاستنتاجات والاستخلاصات، فهذه المستوطنات التي أقيمت في الضفة أقيمت لا لتزال ولكن لتبقى، ولتقطيع أوصال الضفة الغربية وتمنع أي تسوية على أساس الدولتين، هناك من يعتقد أن اليمين الاسرائيلي بزعامة شارون حاول ان يسوق نفسه بأنه معسكر وسط، لكن ما فعله شارون هو خطة للانفصال عن غزة أكثر منها فكرة اقتلاع مستوطنات من غزة، وبالمناسبة هي مستوطنات قليلة وعدد قليل من المستوطنين، ما فعله شارون كان أشبه بـ "بروفة" لتوجيه رسائل الى الرأي العام العالمي والرأي العام الاسرائيلي تظهر حجم الصعوبات التي واجهت اقتلاع بضعة آلاف من المستوطنين من قطاع غزة، فكيف الحال في ما لو جرى التوجه لعمل ذلك في الضفة الغربية؟ فخطة الانفصال في المحصلة النهائية كانت انتصاراً للحركة الاستيطانية الصهيونية وليس لحركة إخلاء المستوطنات أو للانسحاب من المناطق الفلسطينية.
- ثمة تأثير للسياق الاقليمي المحيط والذي ادى الى تعطيل ما يسمى بـ عقيدة التسوية عند الاسرائيليين، فبدلا من التفكير في تسوية للقضية الفلسطينية يقود الى تسوية اقليمية، انعكست الصورة فاصبح الحديث عن تسوية اقليمية شاملة وهذا من المحتمل ان يبقى القضية الفلسطينية معلقة الى اجل غير مسمى وان تترسخ اكثر فاكثر مقاربة ادارة الصراع وان يستمر الجدل الداخلي الاسرائيلي ليس على التسوية ذاتها وانما حول الاقدر والانسب على ادارة الصراع بصورة افضل لصالح السياسة الاسرائيلية وللمحافظة على ما يسمى بالحالة الامنية الاسرائيلية.
- ما سبق أهم ما ورد في كلمة الأستاذ انطوان شلحت، وفيما يلي نوجز لردوده على الاسئلة التي طرحها بعض الحضور:
- فيما يتعلق بتوقعات الانتخابات: مجمل الاستطلاعات توضح أن اليمين ستكون له الأغلبية بما يؤهله الى أن يشكل حكومة، لكنها لن تكون حكومة مستقرة لأن هناك الكثير من الأحزاب القطاعية التي تكون مخلصة لقطاع الناخبين أكثر من اخلاصها للسياسة الإسرائيلية، وهناك خيار آخر أن يصر الى تشكيل حكومة وحدة وطنية بين "الليكود" وقائمة "المعسكر الصهيوني" وهذه ستكون حكومة شلل سياسي على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
- المسألة التي أدرجت بوضوح في الحملة الانتخابية هي المسألة الإيرانية، وهي مرتبطة بأجندة نتنياهو أكثر من ارتباطها بوجود خطر وجودي وملموس.
- القضية الفلسطينية غير مدرجة في جدول أعمال هذه الانتخابات، وهذه الأمر غير عائد على الأحزاب الاسرائيلية من أنها لا تهتم فقط بهذه القضية أو لأنها تبنت مقاربة بعيدة عن مقاربة تسوية هذا الصراع الى الاستمرار في إدارة هذه الصراع، وسبب ذلك يعود الى ان الرأي العام الاسرائيلي لم يعد مهتماً كثيراً بالقضية الفلسطينية، كثير من الدراسات الاسرائيلية الأخيرة التي استعرضت معارك الانتخابات بدءاً من 2003 رأت أن الدافع الذي يحرك الكثير من المواطنين الاسرائيليين للتصويت لهذا الحزب أو ذلك مرتبط بالقضايا الاجتماعية الاقتصادية والتهديدات الأمنية التي تواجه دولة اسرائيل أكثر من ارتباطه بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني، بمعني أن الارتباط بهذا الصراع أصبح في درجاته الدنيا، والسؤال لماذا تضاءل أو انعدم هذا الاهتمام؟
في تقديري أن مسألة الاحتلال وسياسة القمع وسياسة استمرار حصار غزة تجري بسهولة ويسر ولا تكلف اسرائيل الاثمان الباهظة، وهذا يشير الى نقطة ضعف لدينا نحن الفلسطينيين أننا لم ننتج على الأقل منذ عقد ونصف عقد أن نكلف إسرائيل، أي ثمن نتيجة سياستها العدوانية والاستيطانية واستمرار الاحتلال، وعندما لا يكون هناك أي كلفة اسرائيلية فإن الاهتمام بموضوع الاحتلال والاستيطان يصبح في أدنى درجات السلم.
- حول موقف اليسار، فلم يعد هناك يسار باستثناء حزب "ميرتس" الذي يمثل اليسار الصهيوني التقليدي، وقوة هذا اليسار 6 مقاعد في الكنيست الحالية، والاستطلاعات تتنبأ تراجع قوة هذا اليسار في الانتخابات الوشيكة، ما هو موجود على الساحة: هناك مركب وسط أقرب الى اليمين إزاء مركب اليمين واليمين المتشدد؛ لذلك عندما نتحدث عن السياسة الاسرائيلية حان الوقت لأن نتوقف عن هذا التقسيم المألوف بين يمين ويسار، فهناك مركب يمين ازاء مركب وسطي.
- البشرى الوحيدة هي الشراكة التي أقامتها الأحزاب العربية الفاعلة داخل إسرائيل، وهي أقيمت تحت وطأة ظروف خارجة عن إرادة هذه الأحزاب، وهي رفع نسبة الحسم في الانتخابات الإسرائيلية، وآمل ان تنعكس أجواء هذه الشراكة على كل أجواء ومناخات العمل المستقبلي بين الفلسطينيين في الداخل وعلى كل النضالات في الساحات الأخرى، علاوة على الساحة البرلمانية بشرط ألا يتدخل فيها الفلسطينيون من الخارج وأن يحولوها فقط الى قوة انتخابية، هي قوة وحدوية للفلسطينيين باعتبار أن فلسطيني الداخل جزء حي وأصيل من هذه القضية الفلسطينية وجزء من الصراع الحالي، ويجب ان يكون جزءاً من الحل في المستقبل، ونأمل ان تكون نموذجاً يحتذي وينعكس على مجال الوطني الفلسطيني.
- حول سؤال ما العمل؟ هذا يحتاج الى لقاء آخر، وقبل أن نسأل عمّا فعله الآخرون بنا ينبغي أن نسأل عما فعلناه نحن بأنفسنا، عندها يمكن أن نجد الطريق الصحيح كي نجيب عن سؤال ما العمل.
- فيما يتعلق بتوقعات الانتخابات الإسرائيلية، هذه التوقعات يمكن تقسيمها الى أكثر من نوع: هناك توقعات مرتبطة بشكل الحكومة الاسرائيلية المقبلة، وهناك توقعات تتعلق بجوهر السياسة الاسرائيلية التي يمكن أن تنتهج بغض النظر عن الحكومة.
مداخلات الحضور
- بعض الحضور تساءل عن البديل، والبعض أبدى قلقه من الحديث عن انهيار حل الدولتين، واعتبر انه هو الخيار الأقرب لعقول الجميع باعتبار ان باقي البدائل صعبة ولن تحظى بالقبول، فضلاً عن انها غير واضحة المعالم، وهناك من رأى ان الحديث عن انهيار حل الدولتين فيه استباق كبير للأحداث وطالب بالفصل بين حل الدولتين والخطاب الصهيوني، ورأى انه الحل المعتمد عربياً وأوربياً وأمريكياً وفلسطينياً، وحتى عند جزء من المجتمع الإسرائيلي، وأن تحقيقه ليس سهلاً، وإنما يتطلب عملية نضالية وكفاحية فلسطينية طويلة، وانه بدل الحديث عن نهاية حل الدولتين مطلوب تصحيح وظيفة السلطة لتصبح أداة تحرر وطني، والسعي لوحدة الفلسطينيين وإعادة اللحمة بين الضفة وغزة لغاية أن يصبح وضعنا مختلف دولياً ومحلياً وتحسين تشكل السلطة وطريقة عملها وتخليصها من أصحاب المصالح الذين استأثروا على قرارها، والبعض رأى اننا كفلسطينيين ساهمنا في إفشال هذا الحل وإفشال أوسلو.
- البعض رأى اننا على مفترق طرق، وأننا بحاجة الى عملية أشبه بالجراحية، وأن المطلوب رمي المفاتيح بشجاعة لإجبار العالم على التدخل، الأدوات المستخدمة لم تعد تنفع؛ إذ لا يعقل ان نظل على نفس تلك الأدوات منذ الـ 94 وحتى الآن، فإسرائيل تطور مفاهيمها وأفكارها وأدواتها وشخوصها وأنظمتها السياسية ونحن كما نحن، وأنه لم يتبق شيء لحل الدولتين، فالمقاربات لما حصل في غزة أو سيناء لن تتكرر ولن تنطبق على الضفة، فلم يكن لإسرائيل مطلقاً اعتبارات تاريخية أو توراتية في غزة، في حين ان الادعاءات في الضفة أكثر تعقيداً، فهذه يهودا والسامرة باعتقادات الايدلوجيا الصهيونية ولن يستطيع زعيم اسرائيلي ان يتخلى عن مستوطنات الضفة.