خبر : «الإخوان المسلمون» في ميزان الصراع مع إيران ... محمد ياغي

الجمعة 13 مارس 2015 08:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT



منذ أن حدث التغير في المملكة العربية السعودية إثر وفاة الملك عبدالله، عاد السؤال المتعلق بدور الإخوان المسلمين في المواجهة مع إيران ليتصدر أجندات العديد من الدول العربية الخليجية تحديداً. بعكس الملك الراحل الذي وضع الإخوان المسلمين على قائمة الحركات الإرهابية وقام بممارسة الضغوط على قطر لتسوية خلافاتها مع مصر ورفع دعمها عن للإخوان، يبدو أن الملك سلمان، يميل أكثر لمعادلة إشراك الإخوان في المواجهة الحالية مع إيران في العراق، وسورية، واليمن، ولبنان. 
الملك سلمان يريد تشكيل حلف سني خليجي-مصري-تركي هدفه تصعيد المواجهه مع إيران وكسر نفوذها المتنامي على حدود المملكة السعودية الجنوبية (اليمن) والشمالية-الشرقية (العراق والبحرين)، وهزيمتها في سورية وبالتالي أيضاً في لبنان. يعترض طريق هذا الحلف الموقف التركي من الإنقلاب العسكري في مصر والذي أيده وشجعه ملك السعودية الراحل ومعه الإمارات العربية. تركيا تريد تسوية لملف الإخوان المسلمين في مصر قبل المشاركة الفاعلة في الحلف المقترح. هذه التسوية لا تتضمن عودة الإخوان للحكم في مصر ولكنها على الأقل تضمن رفع صفة «الإرهاب» عنهم في مصر وبعض دول الخليج العربي وتعيد إدماجهم في الحياة السياسية بما في ذلك السماح لهم بالمشاركة في الإنتخابات البرلمانية والعمل الأهلي. 
يعزز هذه المقاربة المقترحه من قبل تركيا والتي يبدو أنها تحظى بموافقة سعودية وتأيد قطري، أن النفوذ الإيراني في اليمن جاء بعد رفض حزب الإصلاح اليمني الإخواني الدخول في مواجهة عسكرية مع الحوثيين الذين إستلموا السلطة وذلك من باب الرد على الموقف السعودي من إعتبار الإخوان تيار إرهابي. يضاف لذلك أن عملية الملاحقة للإخوان في مصر لم تتمخض عن إستقرار للسلطة فيها بل على العكس تماماً أدت لتصاعد أعمال الإرهاب في مصر وأصبحت مصر نفسها مهدده باللحاق في منظومة الدول الفاشلة التي لا تستطيع تأمين أمن سكانها أو أراضيها. أيضاً، لم تتمخض عملية دعم قوات حفتر في ليبيا من قبل الإمارات ومصر عن إعادة سيطرة هذه القوات على مقاليد الحكم فيها ولا يزال الإخوان -الى جانب الجماعات الجهادية- يتمتعون بسيطرة على الأرض في أجزاء واسعة من الأراضي الليبية. 
إذا أضفنا لذلك الموقف الغربي- الامريكي والأوروبي الذي يرى أن إعتبار الإخوان المسلمين حركة إرهابية هو «موقف غبي» يعزز من مكانة الجماعات الجهادية في المنطقة وذلك عن طريق إنتقال جماعات من الإخوان لصفوف هذه الحركات. وأيضاً بتأكيد صحة إدعاءاتهم بأن «الغرب» و»أنصاره» في العالم العربي لن يسمحوا للتيار الإسلامي بالحكم حتى لو كان معتدلاً. فإن المطالبة بالتصالح مع الإخوان والتحالف معهم تصبح أكثر من مسألة إفتراضية ولكن مسألة حقيقية ومسألة وقت لا أكثر إن وافق الإخوان عليها. 
السؤال ضمن هذا السياق لا يتعلق بإن كان المحور الذي تسعى السعودية لتشكيله مع تركيا ومصر ممكناً في ظل موقف الحكومة المصرية من الإخوان. الأخيرة في نهاية المطاف لن تمانع بإعادة دمج الإخوان في الحياة السياسية وتمكنيهم من الفوز بعدة مقاعد في إنتخابات برلمانية. هذا على الأقل يريحها من الإحتجاجات اليومية التي يقوم بها الإخوان والتي تستنزف طاقة الدولة ويعطيها الشرعية التي تسعى لها بعد الإنقلاب. السؤال يتعلق حقيقة في إن كان الإخوان على إستعداد للدخول في الحلف المقترح. هنالك أربعة أسباب قد تمنع الإخوان من الموافقة على العودة الى الحلف القديم:
الأول، أن ضلعين من هذا الحلف- المملكة السعودية ومعها الإمارات من جهة، والنظام الحاكم في مصر- قد شاركا في وأد أول تجربة للديمقراطية في مصر. وهي عملية أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا والجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين أغلبهم من الإخوان ومن أنصارهم. الحملة أيضاً تجاوزت مصر لتشمل العديد من الأقطار العربية متسلحة بما جرى في مصر من أن نفوذ الإخوان المسلمين يمكن محاصرته بالمزيد من القمع وبإستخدام الإعلام كأداة تحشيد ضدهم. الحقيقة أن قدرة النظام المصري في هذا المجال كانت خارقة لدرجة محاكمة رئيس منتخب بتهمة التخابر مع «حماس» وبإعتبار الأخيرة بقرار قضائي حركة إرهابية— وهي مسألة لم يجرؤ حتى نظام مبارك المتهم بالتحالف مع الغرب وبأنه كنز إسرائيل الإستراتيجي على القيام بها. 
الثانية، أن المقترح للإخوان مقابل الدخول في هذا الحلف هو العودة للوضع الذي كان قائماً في مرحلة ما قبل «الربيع العربي.» بمعنى أن المقترح ليس عودة الإخوان للحكم في مصر، ولكن السماح لهم بالعودة للعمل العلني والمشاركة في إنتخابات برلمانية معروف مسبقاً نتائجها وعدد المقاعد المسموح للإخوان بالفوز فيها، مضاف لذلك بالطبع الإفراج عن قياداتها وعن الآلاف من اعضائها وأنصارها. بهذا المعنى يبدو الإنقلاب الذي حدث على الإخوان كما لو أنة عمل تأديبي لهم حتى لا يتجرأوا على المطالبة بأكثر مما تسمح لهم الأنظمة فيه. 
الثالثة، أن التسويات المقترحة مع الإخوان هدفها الأساس هو تشكيل حلف مستقر لمحاربة إيران. هذه التسويات ليست مدفوعة بعوامل داخلية هدفها التداول السلمي على السلطة، تعزيز الإستقرار وتحفيز الإستثمار في دول مثل مصر، أو حماية الحريات وحقوق الإنسان. هذه تسويات مدفوعة بملف خارجي هو قتال إيران في سورية والعراق ولبنان واليمن. وبالتالي أية تسوية بين هذه الأنظمة وبين إيران سيعقبها إنقلاب على الإخوان وعودة، ربما، الى إعتبار هذه الجماعة أرهابية. 
الرابعة، وهي في تقديري الأهم، الحلف المقترح ليس ثلاثي الأضلاع ولكنه رباعي. في القلب من هذا الحلف إسرائيل التي تحدث رئيس وزرائها في الكونغرس مؤخراً ليس بإسم دولته فقط ولكن بإسم النظام العربي الرسمي أيضاً . وجود إسرائيل في هذا الحلف ليست مسألة تخمينات، ولكنها حقيقة واضحة تتحدث عنها مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة وتتحدث عنها إسرائيل بشكل دائم: وحدهم العرب الرسميون لا يتحدثون عنها علناً من باب الشعور بالخجل أمام شعوبهم، لكنها مسألة وقت قبل ان يعلنوا صراحة وجودهم في حلف مشترك مع إسرائيل حيث يقوم الإعلام الرسمي بالتمهيد لذلك يوميا من خلال التركيز على أن العدو هو «حماس» مثلاً، وان إدارة أوباما تدير ملف الصراع مع إيران على حساب مصالح العرب. وهي لغة قريبة جداً من لغة دولة الإحتلال التي تريد من إدارة اوباما إعلان الحرب على إيران بدلاً من مفاوضتها. 
في هذا السياق مسألتان يجب على الإخوان المسلمين التوقف عندهما: هل يرغبون حقاً في أن يكونوا جزءا من حلف هدفة تعميق الصراع الطائفي في المنطقة العربية؟ حلف لن يؤدي إلا الى مقتل مئات الآلاف من العرب وتهجير الملايين منهم من أجل ترسيخ حكومات في المنطقة ثارت الشعوب العربية عليها. الثانية، هل من مصلحة العرب تتويج إسرائيل كدولة وحيدة مهيمنة على الشرق الأوسط لعدة عقود من الزمان؟ او ليست مصلحة العرب في خلق توازن إقليمي يكسر إحتكار إسرائيل للقوة ويفرض قدر من التوازن يساعد العرب على النهوض بدولهم وتطوير قدراتهم دون الخوف من أن يكونوا عرضه لضربات دائمة من إسرائيل.