خبر : رسالة إلى الناخبين الإسرائيليين : مش مستعجلين ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 10 مارس 2015 08:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT





أيام تفصلنا عن انتخابات الكنيست الإسرائيلية الـ 20. وبإمكان العالم أن يتعرف على هذه الدولة أكثر من الفترات التي لا يوجد فيها انتخابات. في هذه الأيام انكشف المستور، الوثيقة المعتمدة من يتسحاق مولخو مستشار نتنياهو ومستشار الرئيس عباس حسين اغا التي كشف عنها الصحافي الإسرائيلي «ناحوم برنياع». والتي يقترح بموجبها دولة فلسطينية وتبادل اراض متساوية وعودة لاجئين وحل في القدس. ووثيقة سفير نتنياهو رفيف دروكر الذي تعهد كتابة بإقامة دولة فلسطينية على مساحة مساوية لمساحة الضفة والقطاع عام 67. هذا الانكشاف دفع الطاقم الانتخابي لحزب الليكود الى التراجع عن حل الدولتين الذي ورد في»خطاب نتنياهو في بار إيلان». وجاء توضيح مكتب نتنياهو الذي قال انه لم يتراجع لكنه في واقع الحال أكد التراجع حين قال، إن الانسحاب من الجنوب اللبناني ملأه حزب الله والانسحاب من غزة ملأته حماس وبناء على التجربتين فإنه لن ينسحب من الضفة.
«أم المعارك» خاضها نتنياهو ضد إدارة أوباما أمام الكونغرس الاميركي في واشنطن، تحدث نتنياهو 45 دقيقة ذكر فيها إيران 107 مرات وقوطع بالتصفيق والوقوف 36 مرة بحسب «تقرير مدار». قدم مواقف متناقضة أثارت سخط أوباما الذي لم يستمع الى خطابه مباشرة وقال انه لم يقدم بديلا. وعلقت زعيمة الديمقراطيين على الخطاب بالقول : كدت أبكي خلال الخطاب، ما هذا الاستخفاف بذكاء الولايات المتحدة وما هذا الاستعلاء؟ لم يحصد نتنياهو إلا التصفيق وزيادة طفيفة في شعبيته سرعان ما تراجعت. لكنه اخفق في الحصول على تأييد 15 عضوا من الديمقراطيين لمنع اوباما من اعتماد الاتفاق المتوقع مع ايران بدون موافقة مجلس النواب. وعاد يتحدث عن مؤامرة تستهدف إزاحة الليكود من الحكم، ويتم تمويلها عشرات الملايين من الشواكل.
في صراع نتنياهو من اجل بقائه الشخصي في الحكم، وقف رؤساء الموساد والشاباك والاستخبارات العسكرية السابقون في شهاداتهم ضده، وانحازت معظم الصحف ووسائل الإعلام وبخاصة صحيفة «يديعوت أحرنوت» الأوسع انتشارا ضد نتنياهو عندما دخل في مواجهة مكشوفة واستفزازية مع الرئيس الأميركي. وخرج 40 ألف متظاهر في تل أبيب ضد نتنياهو وسياساته وتناقضاته .
استخدم نتنياهو الملف النووي الإيراني في دعايته الانتخابية لصرف الأنظار عن كل المشاكل التي تعيشها إسرائيل. وركزت الأحزاب الأُخرى (اليسار والوسط ) في دعايتها الانتخابية على ازمة السكن وارتفاع أسعاره، وعلى قضايا اجتماعية ومصروفات منازل نتنياهو وحكاية سارة وزجاجاتها. وكانت نقطة اللقاء الوحيدة التي أجمعت عليها سائر الكتل الانتخابية هي تجاهل الشعب الفلسطيني، الذي يعني تجاهل أطول احتلال، وتجاهل السيطرة على ملايين من الشعب الفلسطيني، وما يترتب عليه من اندلاع حروب وانفجارات قد يصعب السيطرة عليها. ثمة تجاهل لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني، هذا التجاهل الذي يشكل أكبر تهديد لإسرائيل بحسب افتتاحية صحيفة هارتس، التي توقعت بأن ينعكس الاحتلال وسياساته الاستيطانية وسياسة الحصار والحروب داخل إسرائيل.
في الأيام الأخيرة للانتخابات وعندما اضطر المعسكر الصهيوني لتقديم برنامجه السياسي، أعلن عن قبوله بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، والإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبرى، والإبقاء على وضع مدينة القدس كعاصمة أبدية «للشعب اليهودي»، وطرح مبادرة سياسية تخفف من الانتقادات الدولية لإسرائيل، وهنا بيت القصيد الذي يعرف بوظيفة الحل المقدم هو «تخفيف الانتقادات الدولية لإسرائيل». كما نرى فإن برنامج المعسكر الصهيوني يقل كثيرا عن الحل الذي بلوره مولخو-آغا. حقا، لم يميز هذا المعسكر مواقفه عن اليمين واليمين المتطرف. فهو يتبنى عقيدة الاحتلال والتوسع والاستيطان الكولونيالي المشتركة مع المكونات السياسية الإسرائيلية الأُخرى باستثناءات محدودة.
غاب الخلاف حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وقد جاء عرض مسودة الاتفاقات السرية التي كشفت تنازلات الليكود، لتبيان أن اليسار الصهيوني أكثر تشددا في الحل المزمع عقده مع الشعب الفلسطيني من اليمين الصهيوني. وهذا الموقف يؤكد المرة تلو المرة غياب شريك إسرائيلي يصنع حلا غير حل الابارتهايد ولا يتسابق على فرض حل الابارتهايد من طرف واحد. لا يختلف اليمين عن اليسار والوسط في التوسع الاستيطاني وتهويد القدس وبناء الجدار وحصار قطاع غزة، وفي التمييز العنصري، وفي فرض علاقات التبعية الاقتصادية المذلة، وفي احتجاز أموال الضرائب «القرصنة» التي ادت الى تجويع شعب، وفي شن الاعتداءات وارتكاب جرائم حرب، وفي التنكر للقانون الدولي والشرعية الدولية.
افيغدور ليبرمان ميز مواقفه ومواقف حزبه بصراحة ما بعدها صراحة عندما دعا الى قطع رؤوس العرب المصنفين ضد إسرائيل بالبلطات، متجاوزا مطالبته السابقة بتنفيذ حكم الإعدام بالأسرى الفلسطينيين. الآن تأخذه الحمية بالقتل فيدعو الى قطع الرؤوس بالبلطات والفؤوس، مقدما نموذجا فاشيا متوحشا لا يقل وحشية عن تنظيم داعش الذي يقطع الرؤوس ويضع ضحاياه في أقفاص ويحرقهم، ويرجم النساء بالحجارة حتى الموت. ولم ينس ليبرمان بندا من برنامجه وهو «الترانسفير» الطرد حين جدد دعوته للتخلص من ام الفحم، وغيرها من البلدات العربية.
إن غالبية الإسرائيليين موزعة على مواقف لا تعترف بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني، أغلبية مريحة لا تقتنع بالسلام وتؤيد ضم اكثر من 60 % من أراضي الضفة، وتؤيد بقاء جميع المستعمرات وتوسيعها وتتبنى التمييز والأبارتهايد ضد شعب بأكمله. السبب يعود لوجود مصالح لتلك الأكثرية في بقاء الاحتلال والاستيطان الذي يدر أرباحا ويصنع امتيازات لا سقف لها أولا. ويعود للتهاون الدولي مع التمرد الإسرائيلي حكومة وشعبا وأحزابا – مع استثناءات قليلة - على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات والمؤسسات الدولية، والسماح بفلتان إسرائيلي دون مساءلة او حساب.
لقد قدمت القيادة الفلسطينية الكثير من التنازلات، والتزمت بالاتفاقات وبالمفاوضات وبالشرعية والقانون الدولي لأكثر من 21 عاما، ولم تحصل على شيء. ولم يبق أمامها غير البحث عن مسار آخر. ولم يبق أمام الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية غير اعتماد استراتيجية صمود ومقاومة شعبية وإعادة بناء طويلة الأمد. لم يبق إلا رأس مال وحيد هو الشعب الموزع داخل وخارج وطنه. ما تبقى لنا هو الاستثمار في بناء إنسان فلسطيني جديد يعيد طرح سؤال حريته على الملأ بثقة ومسؤولية، في مواجهة إفلاس سياسي وأخلاقي إسرائيلي. رسالتنا الى الناخبين الإسرائيليين : مش مستعجلين.
Mohanned_t@yahoo.com