قال المفوض الأوروبي يوهانز هاهن: «الاتحاد الأوروبي ما زال متمسكا وملتزما بحل الدولتين ولهذا الهدف سوف يستمر في دعم السلطة الفلسطينية في جهودها لبناء الدولة وفي توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، واعلن عن تقديم دفعة أولى بقيمة 212 مليون يورو منها 130 مليون يورو كدعم مالي مباشر للسلطة عبر آلية (بيغاس)، و82 مليون يورو لـ(الأونروا)،
يوفر الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 300 مليون يورو للسلطة ولمنظمة (الاونروا) المعنية باللاجئين الذين يعيشون خارج وداخل فلسطين، الدعم كما يقول ممثل الاتحاد الأوروبي «جو غات راتر» يأتي تمشيا مع تقديم مساهمة ملموسة لإعداد حل الدولتين، الذي يتضمن بناء المؤسسات الضرورية للحكم في دولة فلسطين المستقبلية، وتنمية الأراضي والمياه، ودعم القطاع الخاص من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ويقوم الاتحاد الأوروبي بالتعامل مع فلسطين أسوة بكافة الدول الشريكة بحيث تم الانتقال من برامج دعم سنوي إلى برامج دعم متعددة الأعوام لتغطي 2014 و2015».
بمعايير السوق السياسية الدولية، فإن الدعم الأوروبي المبين أعلاه وبأثر رجعي منذ اتفاق أوسلو، يعطي صورة إيجابية عن الموقف والدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية ولـ»الاونروا»، ويذهب كثيرون الى القول إن الموقف الأوروبي أفضل بما لا يقاس من الموقف الأميركي وبخاصة مواقف الكونغرس العدائية، وهذا صحيح، ويذهب البعض الى القول إن الموقف الأوروبي افضل من مواقف بعض الدول العربية وبخاصة التي تشارك في ممارسة العقوبات ولا تلتزم بقرارات القمة ومجلس الجامعة العربية تجاه دعم الشعب الفلسطيني، وهذا أيضا صحيح، ولكن اذا انتقلنا من المعايير السلبية الى المعايير الإيجابية فإننا سنكون أمام تقييم من نوع آخر.
وقع الاتحاد الأوروبي العام 1995 «اتفاقية الشراكة مع إسرائيل» على خلفية اتفاق أوسلو وعلى اعتبار ان إسرائيل دخلت في عملية سلام ستؤدي الى إنهاء الاحتلال، دخلت اتفاقية الشراكة حيز التطبيق العام 2000 بعد خمس سنوات من الأداء الإسرائيلي النقيض للحل السياسي، كرفع وتيرة الاستيطان، وإغلاق مدينة القدس والمضي في تهويدها، وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتنشيط الإدارة المدنية عوضا عن حلها، واعتماد سياسة الخنق الاقتصادي، والتوقف عن تطبيق المرحلة الانتقالية من أوسلو بما في ذلك إلغاء الانسحاب من 13% من أراضي الضفة بموجب اتفاق وقعته الحكومة الإسرائيلية «واي ريفر» برعاية أميركية، كانت فكرة الاتفاق مكافأة إسرائيل وتشجيعها على المضي في إنهاء الاحتلال، وجاء تطبيق الاتفاق وكأنه يكافئ إسرائيل على تنكرها للاتفاق والحل وعلى انتهاكها الصارخ لبنوده، اصبح الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقية الشراكة أكبر شريك تجاري لاسرائيل، فقد بلغ حجم التبادل التجاري العام 2011 40.3 مليار دولار يصدر الاتحاد الأوروبي 23 مليار دولار الى إسرائيل ويستورد منها بقيمة 17 مليار دولار، ويستثمر الاتحاد الأوروبي بقيمة 5.2 مليار دولار داخل إسرائيل، وتستثمر إسرائيل في بلدان الاتحاد الأوروبي كما يحلو لها، وينص البند الثاني في اتفاقية الشراكة بين الطرفين على ما يلي: يكون احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية هو الموجه لاسرائيل والاتحاد الأوروبي ويشكل عنصرا أساسيا من الاتفاق»، البند ينطوي على قيم تنتهكها كلها دولة إسرائيل بانتظام كما اثبت ذلك عدد لا يحصى من التقارير التي أنجزتها منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة كمنظمة «امنستي»، و»هيومن رايتس ووتش» و»بتسيلم» الإسرائيلية، كما يقول بانجمين بارت صحافي فرنسي في لوموند في كتابه (حلم رام الله) - رحلة في قلب السراب الفلسطيني، بل هناك 39 بيانا دوليا تدعو إسرائيل الى وقف توسيع المستوطنات، والاستيطان يرقى الى جريمة حرب ويعتبر من اشد الانتهاكات لحقوق الشعب الفلسطيني المدنية والوطنية والإنسانية وهو جوهر الاحتلال، كان رد إسرائيل على البيانات الدولية هو زيادة عدد المستوطنين بنسبة الثلث، وهنا وقع الاتحاد الأوروبي في تناقض شديد فهو من جهة يمنح إسرائيل علاقات مميزة فوق العادة، ويتغاضى عن التزامها بموجب الاتفاق من جهة أخرى، يذكر أن الاتحاد الأوروبي «علق اتفاق الشراكة مع سيريلانكا العام 2010 متذرعا بعدم احترامها لبند حقوق الإنسان بعد هجومها الكاسح على ثوار التاميل العام 2009، وكان الجيش الإسرائيلي في الوقت نفسه يدك قطاع غزة ويتسبب في مقتل 1400 فلسطيني وحسب تقرير غولدستون ارتكبت إسرائيل جرائم حرب» لكن الاتحاد الأوروبي لم يعلق الاتفاقية مع إسرائيل. يجب ألا يكون هناك معايير مزدوجة، ولا ينبغي معاملة إسرائيل بطريقة مختلفة عن البلدان الأخرى، فإذا لم تنفع الإغراءات التي نقدمها لها، ألا يجب في وقت من الأوقات تبني مجموعة ضغوط وعقوبات تقول النائبة الأوروبية البلجيكية فارونيك دوكايزر التي تزور إسرائيل والأراضي المحتلة بصورة منتظمة.
يضيف بانجمين: لقد وضع ممثلو الاتحاد الأوروبي تقريرا عن القدس لم يعلن على الملأ بسبب الفيتو الهولندي، يؤكد ان السياسات الإسرائيلية في القدس العربية التي تتضمن (الاستيطان والطرد وتدمير المنازل والتمييز الخ) تهدف الى منع الفلسطينيين من جعلها عاصمة لهم فيصبح حل الدولتين اكثر فاكثر وهما، يقترح التقرير إجراءات من شأنها منع تهويد القدس وحماية بعض فرص السلام الضئيلة، كوضع قوانين تهدف الى منع تدفق الأموال من أوروبا نحو المستوطنات، وفرض تصنيف خاص للبضائع المنتجة في المستوطنات المصدرة الى أوروبا، ومنع الإقامة على أراضي الاتحاد الأوروبي للمستوطنين المشهورين بعنفهم، واقتراح بتنظيم يوم أوروبا في القدس بدلا من رام الله»، تظل المقترحات والتوجهات في محطة انتظار طويلة الأمد، تبقى أقوالا بدون أفعال اللهم إلا بعض الخطوات الرمزية كمقاطعة سلع المستوطنات عند بعض الأوروبيين، الاتحاد الأوروبي لم يتبع سياسة محددة وفريق متابعة وتنسيق كما يفعل ضد ايران، سياسة تخرجه من ازدواجية المعايير.
إذا كان الاتحاد الأوروبي لا يفعل شيئا بالمعنى الإيجابي ولا يحترم البند الثاني من اتفاق الشراكة مع إسرائيل، فإنه بالمعنى السلبي اتبع سياسات خطيرة، يقول بانجمين في كتابه حلم رام الله: «شارك الاتحاد الأوروبي مع دول مانحة أخرى بدمج الشروط السياسية والأمنية الإسرائيلية بالمشاريع الاقتصادية، وبتخفيض تكلفة الاحتلال، وقبل كجزء من النظام الدولي بأنه لا يستطيع العمل في منطقة «ج» 60% من مساحة الضفة، وظلت دعواته للعمل في هذه المنطقة نظرية، وهو بهذا يساهم في تقطيع الضفة وتجميع السكان في أراضي محصورة «كانتونات»، وساهم في انتقاء ودعم منظمات غير حكومية تفعل عكس تقوية منظمات المجتمع المدني».
كم هي ضئيلة تلك السياسات والمساعدات الأوروبية للشعب الفلسطيني مقارنة بالسياسات والمساعدات والدعم الذي يقدمه لدولة الاحتلال، من هنا تبدأ الحكاية.
Mohanned_t@yahoo.com


