غزة / خاص سما / مشيرة جمال / على بعد كيلو مترات قليلة من مركز مدينة غزة والتي تعتبر أكبر محافظات القطاع ، تعيش عدد من العائلات في بلدة "المغراقة" الفقيرة البسيطة في تكوينها السكاني وثقافة أبنائها , و كلما ابتعدت عن مركز المدينة واقتربت من هذه البلدة "المهمشة" توغل في زمن مضى، حيث لا كهرباء ولا بنية تحتية ولا مياه صالحة للشرب، وأناس يقيمون في الخيام وكأنك تزور "بدائيون من أزمان غابرة"
المثير للشفقة و كل ذلك ليس أسوأ ما في بلدة المغراقة، فشظف العيش دفع بعض العائلات هناك إلى البحث في أكوام النفايات عن لقمة العيش، وأغطية تقيها برد الشتاء في ظل الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها أبناء قطاع غزة المحاصر. ويقضي رجال ونساء وحتى أطفالهم يومهم في التجول بين أكوام النفايات بحثاً عن ما يسد رمقهم ويساعدهم على تحمل أعباء الحياة الشاقة، فيجمعون البلاستيك والزجاج لبيعها من أجل شراء مستلزمات بسيطة تحفظ لهم بقايا آدميتهم .
ذهب عقلها مع الأموات
الكفيفة "أم حسين" تعيش وحيدة مع جديها الصغير وهو الأشهر في البلدة على الإطلاق حيث إذا ما سمعت صراخها علمت كل البلدة أن الجدى قد ابتعد عن حواسها المتبقية بعدما فقدت بصرها حزنا على ابنها وبنتها، وتقول :" بينما كانت تعد الطعام للجدى الصغير المشهور ب " جدى أم حسين " لقد ماتت ابنتي في عمر العشرين إثر إصابتها بمرض التهاب الكبد الوبائي , وتوفي ابني حسين في عمر الأربعين " وبحسب إفادة أهالي المنطقة فقد كان يعاني حسن من مرض نفسي , وكان من الممكن أن تنجوا ابنتها إذا ما تلقت الرعاية الصحية المناسبة في الوقت المناسب .
ولكن التسعينية حسب ما تذكر آخر رقم لعمرها لا تبدوا مقتنعة بأسباب وفاتهم , وتعتقد بأن موتهم كان مكيدة حاكها أهل المنطقة , ويبدوا جليا أن الصدمة أفقدتها الذاكرة و ولدت لديها احساس بالعداء تجاه الجميع .
نصف متزوجة سامية (28 عاماً) متزوجة من رجل اشترطت عليه أن تقضى نصف الأسبوع مع أشقائها الثلاثة المعاقيين، لأنها المعيل الوحيد لهم بعد رحيل والدتها , وزواج والدها من امرأة أخرى وتخليه عن مسؤوليات العائلة رغم اقامته في خيمة مجاوره ,
تقول سامية "شقيقي سليمان 17 عاماً معاق حركيا وذهنيا ويحتاج دوما من يطعمه ويرعاه، وأختى الكبرى عايدة تبلغ من العمر 35 عاماً معاقة ذهنيا وتعاني اعاقة في أطرافها وبالكاد تعين نفسها على تناول الطعام ودوما قلقة حيالها إذا ما ابتعدت عن المنزل أو غابت دقيقه عن ناظري فأنا لا أعلم ما سوف يحصل لها إذا ما وقعت بأيدي ضعاف النفوس , وأما أحمد 20 عاماً مصاب بحالة عصبية , وعلي الرغم من كل الظروف السيئة التي تواجهها سامية إلا أنها عبرت عن مشاعرها بالرضى،
وقالت: "أحمد الله في كل دقيقة ومع كل هذه الظروف المقيتة وإعاقة أشقائي فلم تسول لي نفسي ولو لمره بأن أستجدى عطف الناس عليهم في الشوارع وأتسول وأن أدع أخوتى يفترشون أرصفة الطرقات يتنفسون تراب أقدام المارة".
لم تطالب سامية إلا بأرضية من البلاط تقي اخوتها من الديدان والحشرات لانها تزعج نومهم, فهذه العائلة تعيش على نفقة الحاويات التي ينبشونها للتنقيب عن طعام, او ملبس, او أدوات منزلية. ".
حبس ابنته في قفص
سوسن حبيسة القفص لم أخمن للحظة بأن خلف تلك الأسوار المعدنية إنسان إلا عندما هم والدها بفك الأقفال وإخراجها لكي تجلس معنا عندما لاحظ والدها موجة الذهول التي اعترتني بادر قائلا، "لم يكن أمامي خيار إلا حبسها فأنا لا أقوى على ملاحقتها من مكان لمكان, فهي لا تتوانى لحظة عن خلع ملابسها في العراء والتعري امام المارة"
ولا تنطق سوسن (29 عاماً) سوى بكلمات تعد على اصابع اليد الواحدة تعبر فيها عن حاجات تود قضائها مثل الأكل والشرب ، رغم أن حاسه السمع لديها جيدة, فقد أصيبت في عمر الثالثة بنوبات عصبية واضطرابات نفسيه, واظب والدها خلال 10 سنوات على زيارة طبيب خاص, وقد توقف عن متابعة علاجها نظرا لأنه فقد مصدر رزقه حيث كان يعمل داخل الخط الأخضر أما الآن فهو بالكاد يستطيع إطعام أولاده الفتات من طعام أهل الخير.
ووفقاً لسجلها الطبي فإن سوسن تعاني من ضعف في نمو العقل حيث تكبر في كل 10 سنوات سنة واحدة, أى انها شارفت الآن على عمر الثالثة عقليا، ولكنها لو تمتعت برعاية صحية مناسبة لتمكنت اليوم من الحديث والتعبير عن حاجاتها ومشاعرها بشكل أفضل والتخلص من الفطرة والغريزة التي تتصرف بهما, فالقاعدة الطبية تقول من يسمع يستطيع الكلام.
جولة مؤلمة لقد تجولنا في المنطقة والتي تحتوى على ما يقارب الـ 300 عائلة من هذه القبيلة, زرنا ما يقارب 12 عائلة وأحصينا عشر حالات مصابة بالإعاقة الذهنية والبدنية ولم نأخذ بالحسبان من هم مصابون باضطرابات نفسية التي نستطيع قياسها بالمشاهدة, منهم من كانت الاعاقة ناتجه عن زواج الأقارب ومنهم من لم يسجل في العائلة أى حالة زواج أقارب, ولكن ما لوحظ هو عدم وجود خدمات على كل المستويات الرعاية الصحية والاجتماعية والبيئية, ولا أي شكل من أشكال التثقيف والتوعية بأخطار زواج الأقارب والأمراض الناتجة عن عدم النظافة وكيفية انتقال الأمراض كل هاذه الأمثلة البسيطة يفترض توفيرها من قبل المؤسسات الحكومية لأى تجمع سكاني على اعتبار أنهم ضمن نسيج المجتمع.
وتعيش بعض العائلات على اعانات المحسنين من أهل الخير ومساعدات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والشؤون الإجتماعية. ويتساءل سكان البلدة عن دور وزارة الصحة لجهة المشاريع التوعوية والفحوصات الطبية في هذه البلدة المنكوبة صحياً واجتماعياً واقتصادياً وفي مناحي الحياة كافة










