خبر : كيف تصبح مؤتمرات الاستثمار بديلا فعالا لدول الثورات؟

الجمعة 13 فبراير 2015 06:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
كيف تصبح مؤتمرات الاستثمار بديلا فعالا لدول الثورات؟




القاهرة حلقة نقاش

نظمت وحدة الدراسات الاقتصادية في المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة الأربعاء الأول من أكتوبر 2014 حلقة نقاش حول كيف تصبح مؤتمرات تشجيع الاستثمار "المانحين" بديلا فعالا لدول الثورات العربية؟، وذلك لمناقشة دور وفاعلية مؤتمرات الاستثمار والمانحين، وتحديد ضمانات نجاحها، وذلك في ضوء تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية لدول الثورات العربية لاسيما مصر، وتونس واليمن، وكذا تحديد إلى مدى سيلتزم مجتمع الأعمال العربى والدولي بتعهداته الاستثمارية تجاه دول الثورات العربية

. افتتح حلقة النقاش الدكتور قدري سعيد كبير مستشاري المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، وقام بتقديم وإدارة الحلقة الدكتورة عالية المهدي أستاذة الاقتصاد، عميدة الكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقا، وقدم الدكتور أحمد عاشور مدرس الاقتصاد بالمعهد القومي للتخطيط ورقة عمل حول النموذج المصري تحت عنوان "أثر المنح على الاقتصاد المصري وتفعيل جدواها وتعظيم الاستفادة من مؤتمرات الاستثمار"، ثم قدم أ. إبراهيم إبراهيم الغيطاني، باحث أول بوحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية ورقة عمل تحت عنوان "تونس واليمن نموذجاً: تحديات مؤتمرات تشجيع الاستثمار والمانحين في دول الثورات العربية". وعقب كل من الدكتور حمود القدمي الدبلوماسي والأكاديمي في الشأن اليمني، والسفير جمال بيومي، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب.

احتياجات تمويلية

استهلت الدكتورة عالية المهدي حلقة النقاش بحديثها حول الوضع الاقتصادي المتراجع في معظم دول العربية بالأخص مصر، وتونس ولبييا واليمن، مشيرة إلى أن ثورات الربيع العربي تركت تداعيات اقتصادية سلبية على مختلف الأصعدة، ولم يتعد متوسط معدلات النمو الاقتصادي في دول الثورات العربية خلال السنوات الماضية نسبة الـ 2%.

وأشارت إلى أنه مع ارتفاع الفجوة التمويلية لدى دول الثورات العربية بدأت البحث عن مصادر تمويلية لسد هذا العجز، وكانت البدائل المطروحة أمام دول الثورات العربية محدودة وهي إما المعونات القادمة من الدول العربية أو قروض المؤسسات المالية الدولية، أو الاقتراض من القطاع المصرفي في شكل أذون وسندات حزانة كالحالة المصرية، مضيفة أنه لاحقاً في إطار تحقيق بعض الدول، ولاسيما مصر وتونس، قدر لا بأس منه الاستقرار السياسي والأمني، عملت على استقطاب أموال المستثمرين من خلال عقد مؤتمرات الاستثمار.

وجدير بالإشارة، أن تونس كانت أولى هذه الدول في هذا الصدد، والتي عقدت مؤتمرا بعنوان "استثمر من أجل تونس.. الديمقراطية الناشئة"، في الثامن من سبتمبر الماضي، وشارك فيه 30 دولة ومنظمة دولية، إضافة إلى عشرات المؤسسات الخاصة، وكذلك على الجانب اليمني، فعقد بنيويورك في 24 سبتمبر الماضي الاجتماع الوزاري الثامن لمجموعة أصدقاء اليمن لمناقشة الأوضاع الاقتصادية والسياسية في هذا البلد، وتعهد المانحون باستمرار الدعم الاقتصادي لليمن، ومن المنتظر أن تعقد مصر مؤتمراً عالمياً حول الاستثمار فبراير من العام المقبل.

وفي هذا الإطار، أشار الدكتور أحمد عاشور خلال عرض ورقة العمل الخاصة بالنموذج المصري، أن تدهور أداء الاقتصاد المصرى على الصعيد الكلي من حيث مؤشرات النمو والاستثمار والإدخار، كانت سبباً في لجوء مصر للبحث عن مصادر تمويلية عديدة مثل المنح والمساعدات والاقتراض الداخلي والخارجي، ولاحقاً بعد تحقيق قدر من الاستقرار السياسي عملت على تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال المؤتمر المزمع عقده في فبراير المقبل.

بينما أوضح إبراهيم إبراهيم الغيطاني من خلال عرضه للنموذج التونسي أنه، ومع توقع استكمال مرحلة التحول الديمقراطي خلال الأشهر المقبلة بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، تحاول الحكومة التونسية استغلال تلك الصورة الإيجابية في استقطاب أموال المستثمرين، لدفع معدلات النمو الاقتصادي التي لم تتجاوز 3% طيلة الثلاث السنوات التالية للثورة، ولذا عقدت خلال الثامن من سبتمبر من الشهر الماضي مؤتمراً يحمل عنوان "استثمر من أجل تونس الديمقراطية الناشئة".

وفيما يخص الحالة اليمنية، أشار الغيطاني أن الأزمة في اليمن مركبة، فجانب منها أزمة إنسانية، حيث يوجد نحو 41% من سكان اليمن، أي هناك 10 ملايين يمني يعانون مشكة الانعدام الغذائي، بينما على جانب آخر، تعاني من تردي مستمر للأوضاع الاقتصادية، وقد انكمش الاقتصاد اليمني في العام الأول للثورة بنحو 15%، بحسب تقديرات البنك الدولي، ولم تستطع معدلات النمو خلال عامي 2012 و2013 تعويض هذا التراجع.
فيما أثار السفير جمال بيومي تساؤلا حول تحفظ بعض الدول العربية ولا سيما مصر على تسمية المؤتمرات بـالمانحين، منوهاً أن هذا التحفظ في غير محله، حيث أن كثير من الدول الأوروبية كأسبانيا مثلا تتلقى مساعدات من جيرانها الأوربيين كألمانيا وفرنسا، مشيرا إلى أن هذه المنح و المساعدات ليست على سبيل التبرع والإعانة، بل لدعم الاستقرار في المنطقة.

ضمانات النجاح

وأوضح عاشور أن الحكومة المصرية أعدت قائمة بالمشروعات الاستثمارية التى من المتوقع أن تطرحها بالمؤتمر خلال شهر فبراير 2014، وأجرت حساب العائد المتوقع من المشروعات حال تنفيذها وكذا حساب المخاطر التى قد تعترى تنفيذها، ومن المقرر أن تقدم تيسيرات وتسهيلات كبيرة للمستثمرين في هذا المؤتمر، مشيراً إلى أن مجمل هذه العوامل ستسهم في تحقيق نتائج جيدة للمؤتمر، هذا بجانب أن النظام الحالي نجح في استقرار سياسي وأمني جيد، بما سيوفر مناخاً جيداً للاستثمار.

وبخصوص الوضع في تونس، أوضح الغيطاني أنها تمتلك مقومات استثمارية جيدة مقارنة بباقي دول المنطقة، وقد حصلت على المركز 51 عالميا من بين 189 دولة في مؤشر أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي عام 2014، كما تقع في المرتبة 6 عربياً بعد دول الخليج، في مقابل مصر التى تقع في المركز 128 عالمياً، هذا فضلاً عن أن تونس في طريقها لاستكمال مرحلة التحول الديمقراطي خلال الأشهر المقبلة، بما سيمنح المستثمرين العالميين الراغبين الدخول السوق التونسي ثقة أكبر.

و فيما يخص حالة اليمن، أشار الدكتور حمود القدمي، أنه على الحكومة اليمنية أن تقوم بتقديم الضمانات الكافية للدول والمؤسسات المانحة للحصول على مزيد من المساعدات، وذلك من خلال تسريع إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وعليها أيضا أن تتبنى آليات شفافية في صرف مساعدات الدول المانحة، مشيراً في هذا الصدد أنه في فبراير 2013 أنشأت الحكومة اليمنية جهازاً إدارياً يسمى "الجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب تعهدات المانحين"، لتعزيز تنفيذ ومراقبة المشاريع المرتبطة بمساعدات الدول المانحة والتأكد من الالتزام بالمعايير الفنية والزمنية والمادية في تنفيذ هذه المشاريع.

تحديات استثمارية

وحول أهم تحديات مؤتمر الاستثمار القادم في مصر، أوضح بيومي أن المناخ الاستثماري في مصر يواجه إشكاليات كبيرة، وأهمها النزاعات الاستثمارية القائمة بين الحكومة المصرية والمستثمرين العرب والأجانب، الأمر الذي خلق حالة من القلق لدى مجتمع الأعمال المحلي والعربي والأجنبي، وبجانب ذلك، فإن الجهاز الإداري المصري بإمكاناته المؤسساتية الحالية يمثل عاملاً مثبطاً لأي مستثمر.

وأوضح الغيطاني فيما يخص الحالة التونسية أنه وبرغم من أن عملية التحول الديمقراطي سارت بوتيرة أسرع وأيسر نسبيا مقارنة بدول الثورات العربية المجاورة، إلا أن استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية خلال الأشهر المقبلة بمجرد إتمام الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس، لا تعد الخطوة النهائية لتحقيق الاستقرار السياسي، إذ إن الأمر يتطلب استمرار حالة التوافق بين مختلف القوى السياسية.

وأضاف أن تونس تعاني كغيرها من دول المنطقة من توترات أمنية داخلية جراء تصاعد حالات العنف السياسي من قبل بعض الجماعات السلفية، فضلا عن تزايد حركات الاحتجاج المجتمعية، بما يخلق تهديدا للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الداخلي لتونس.

ويبقى أمام تونس أيضاً القيام ببعض الإصلاحات الأخرى لتحسين مناخ الاستثمار، إذ أن نظام بن علي ترك إرثاً من التشريعات المقيدة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في بعض القطاعات الاقتصادية، والتي كانت حكراً على الشركات التابعة لحاشية النظام السياسي السابق.

أما فيما يخص الحالة اليمنية، أوضح القدمي أن الدول المانحة لليمن، والتي تضم 39 دولة وفي مقدمتها الدول الخليجية، إضافة إلى مؤسسات دولية، بالرغم من تعهداتها السابقة التي بلغت نحو 7.9 مليار دولار، فلم تتلق اليمن منها حتى الآن سوى 35% فقط، ويرجع ذلك إلى أمرين أحدهما يتعلق بالدول المانحة، والآخر يتصل بالوضع الداخلي. وعلى صعيد الدول المانحة، ذكر القدمي أن الدول والمؤسسات المانحة تتلكأ بعض الشيء في صرف المساعدات والمنح، بينما الوضع الداخلي لا يساعد هو الآخر على تجديد تعهداتها أو صرف التعهدات القديمة، حيث تدور شبهات فساد حول صرف المساعدات، كما أن بطء الدولة على إجراء الإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بالمساعدات يقوض من فرص استمرار تدفق المنح، فضلا عن ذلك أكد القدمي أن أغلب المساعدات تتجه في صورة سلع وخدمات وليست مشروعات تنموية أو بنية تحتية، بما يقلل من أوجه الاستفادة من المساعدات.

بينما قال الغيطاني في هذا السياق أن استمرار دعم الدول والمؤسسات المانحة لليمن، يقابله عدة تحديات، ولعل أهمها التحديات الأمنية المتصاعدة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى تهديدات الحركات الانفصالية في الجنوب، والهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة، كما أن إقدام الحكومة مؤخراً على إلغاء رفع دعم الوقود، من المرجح أن يعطل التعهدات الجديدة للدول والمؤسسات المانحة.