خبر : التاريخ المشترك في العلاقة بين «فتح» و»حماس» مع أنظمة الطوق العربية ...حسين حجازي

السبت 07 فبراير 2015 08:45 ص / بتوقيت القدس +2GMT



توجس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الزعيم الخالد بعيد انطلاقة حركة فتح، التي ستصبح فيما بعد العمود الفقري للثورة الفلسطينية المعاصرة حين اعتقد الفلسطينيون في البداية ان هذه الحركة التي جاءت ولادتها من رحم حركة الإخوان المسلمين، أنشئت او قامت بمؤامرة شيطانية بدعم من عدوته اللدود السعودية وأعدائه الرجعيين نكاية فيه وإحراجه بعد مبادرة العام 1964، إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية او الكيان القومي الفلسطيني. وان غض الملك حسين عدوه الآخر الطرف عن عمليات «فتح» الأولى قبل العام 1967، إنما بهدف المزايدة عليه والتشويش على إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بخلق منافس لها، لكن فقط بعد ثبات الفدائيين، فدائيي «فتح» وزعيمهم ياسر عرفات في معركة الكرامة آذار 1968 اي بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران 1967 بشهور. سوف يقول عبد الناصر عبارته الشهيرة ان هذه الثورة هي انبل ظاهرة في العالم العربي، ومنذئذ سوف يفتح مخازن الجيش المصري وقواعده لتسليحها وتدريب كوادر «فتح» كما وسائل الإعلام، الإذاعة المصرية لبث أناشيدها وبياناتها ويصطحب سراً عرفات الى موسكو لتقديمه الى القادة السوفييت.
لم تكن «فتح» اذن أداة تحركها الدوائر الرجعية او خصوم عبد الناصر، ولكن هذه مناسبة بعد أربعين عاما للترحم على الملك فيصل الذي سوف يغتال العام 1975 لأنه كان عروبياً خالصاً وفلسطينياً خالصاً، ودفع حياته ثمناً لعناقه عبد الناصر بعد العام 1967 واستخدامه سلاح النفط في حرب مصر وسورية العام 1973، لاسترجاع سيناء والجولان، ولقد كان هؤلاء زعماء عرباً كبارا يمكنهم ان يختلفوا على المقاربة ولكنهم في لحظة الحقيقة عند المهمة الشاقة، لا يمكنهم ان يخطئوا في الاستراتيجية او المبادئ والثوابت. وهكذا حظيت «فتح» بدعم ناصر وفيصل معاً دون ان تكون ناصرية او سعودية وبدعم موسكو دون ان تكون شيوعية.
ولقد كان ذاك اي عبد الناصر شقيقا كبيرا وزعيما وقائدا نادرا ليس لمصر وانما للعالم العربي حتى في هزيمته، لكن «فتح» المقيدة بحكم الجغرافية على مدى ثلاثين عاما في المنفى، كان يمكن ان تجد نفسها بعد غياب عبد الناصر تدخل في خلافات مع خلفاء ناصر، السادات بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد على وجه الخصوص، لكن هذا الاختلاف بقي محصوراً وما كان له ان يخل بالقاعدة الأثيرة في استراتيجية الفلسطينيين، وهي الحفاظ على العلاقة مع مصر بأي ثمن ايا يكن الزعماء اللذين يحكمونها. ان الخط الأحمر بالنسبة للفلسطينيين كان ولا يزال مصر، اما الصراع مع الآخرين فهو يظل دون ذلك.
كان عرفات دائم الترديد دوما ان الأشخاص لا يهربون من أقدارهم، والواقع الآن ان الحركات كما الدول كما الأشخاص إنما يواجهون او يتصارعون مع أقدار لم يختاروها بأنفسهم، وإنما جوبهوا بها وهي مستقلة عن إرادتهم. وهكذا كأن قدر عرفات وفتح الصراع بل مواصلة الحروب على هذا القوس الممتد من خليج العقبة حتى رأس الناقورة، في مواجهة جيوش دول المنطقة الثلاث الأردن وسورية ولبنان إلى جانب إسرائيل، كما مواجهة هذه الأخيرة على ارض فلسطين في وقفته الأخيرة العام 2004.
 لقد انتهت حروب عرفات الخارجية بخروجه من لبنان بعد حرب طرابلس آخر مواجهة بينه وبين حافظ الأسد العام 1983، والتي عاد فيها الى مصر. فإذا كان عرفات سوف يخرج من قاعدته الحصينة في لبنان، فإنه لا يوازي او يعوض ذلك استراتيجيا غير استعادة مصر، وان الطريق من مصر سوف يمر بالحوار مع أميركا ومن هذا الحوار الى مدريد ثم أوسلو.
ان في قديمهما «فتح» و»حماس» ما يختزل قصة العلاقة التي انطوت غالباً على قدر من المأساة، بين هذين الفصيلين الكبيرين اللذين ولدا من رحم الفلسطينيين، وبين أنظمة ما يسمى بدول الطوق العربية، تلك العلاقة التي تميزت غالباً بالتوتر الدائم في الانتقال من العناق الى القتال ثم الى عناق جديد. وان ما يبدو مثيرا ان قيادات كليهما أخرجت من الأردن بغض النظر عن الأسباب والملابسات وانه بينما فضل عرفات الإقامة في تونس بدلا من سورية التي سيطرد منها بعد الخروج من بيروت، فإن خالد مشعل ورفاقه سوف يختارون الخروج من سورية طواعية رغم انها قلب ما يسمى جبهة الممانعة والمقاومة وكانت في زمن عرفات قلب جبهة الصمود والتصدي، وذلك بعد اندلاع الأزمة السورية الحالية ويفضل المنفى القطري بدلا من ذلك. ولكن بينما كانت سورية الأسد الأب هي المنافس القوي لعرفات في الصراع على ما يسمى الورقة الفلسطينية، واضطر للحرب معها في لبنان، الحرب ثم العناق ثم الحرب، فإن قدر «حماس» اليوم يبقى محصوراً في التقلبات السياسية التي تجري في مصر المحروسة في غضون السنوات الأخيرة، من مبارك الى مرسي الى عبد الفتاح السيسي، التي تجعل من الجغرافية الغزية حيث ثقل قوة «حماس» العسكرية بجعلها محاصرة بين فكي كماشة، بين إسرائيل ومصر. 
وإذ لم تؤد حروب «حماس» الثلاث الطاحنة مع إسرائيل الى فك هذا الحصار عنها وعن الغزيين، كما مبادرتها للتنازل والمصالحة مع السلطة في رام الله، ويبدو الوضع الغزي اليوم لا يطاق، فما هي الخيارات الباقية أمام «حماس» للخروج من هذا الانسداد ؟ او ما الذي يعنيه تحذير الناطق باسمها سامي ابو زهري عن اتخاذ الخطوة التي قد تعتبر مجنونة ؟ فهل يكون الخط المصري الأحمر الذي لطالما تحاشى الفلسطينيون كسره عبر تاريخهم إنما هو الذي يمكن ان نشهد كسره في المدى القريب؟ إذا كانت الحروب تبدأ بكلمات وقرارات تصدر عن محاكم؟
لكني أظن أن هذا الخيار ليس ممنوعا فقط ولكن ليس بمقدور احد الإقدام عليه، والمسألة واضحة أن العالم لا يمكنه قبول حرب أُخرى على غزة، وان «حماس» لا يمكنها ان تخاطر بالذهاب إليها.
لقد اتفقت «فتح» و»حماس» عبر تاريخهما المشترك على سياسة موحدة وصائبة قوامها عدم التدخل في الشؤون العربية، واليوم لا توجد لا لـ «حماس» ولا لأي طرف آخر فلسطيني المصلحة السياسية في التورط بالأزمة المصرية الداخلية كما في الأزمة السورية، وهذا موقف يدركه الفلسطينيون جميعاً. ولكن ما يجب ان يدركه الجميع الآن ان الوضع الغزي ما عاد ممكناً احتماله من قبل الغزيين قبل «حماس» نفسها، وان الرهان مرة أخرى بعد مرة على جدارة القيادة والقائد الذي هو الحل لكل التناقضات لتسوية هذه الأزمة الغزية سواء على مستوى التراشق الإعلامي مع مصر أو الأزمة الإنسانية، اذا كان الاجتماع الفصائلي المنتظر انعقاده في غزة وقد بلغ السيل الزبى يمكنه أن يضع الجميع في صورة مغايرة ممكنة للخروج جميعاً من هذا المأزق والانسداد.