خبر : القتل حرقاً بين الفتوى الشرعية و إستراتيجية الرعب ...بقلم د.وليد القططي

الجمعة 06 فبراير 2015 03:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
القتل حرقاً بين الفتوى الشرعية و إستراتيجية الرعب ...بقلم د.وليد القططي




اعترف بأنني لا أملك الشجاعة الكافية لمشاهدة فيديو حرق الطيار الأردني (معاذ الكساسبة) حياً، و لذلك اكتفيت بمشاهدة الصور الثابتة الموجودة على المواقع الإخبارية الالكترونية ، كما أنني ضد نشر هذا الفيديو و نظائره على أي وسيلة إعلامية لما فيه قسوة تناقض أبسط المشاعرالانسانية، و تفوق أشد الغرائز الحيوانية وحشية، فالحيوان يقتل لكي يأكل، أما الإنسان فيقتل لكي يتلذذ بالقتل، فماذا لو اجتمعت الغريزة الوحشية للحيوان مع الفهم المشوّه للدين؟!، فيصبح الدين حافزاً للقتل بدلاً من أن يكون رادعاً و مانعاً له، و ماذا لو اجتمعت الفتوى الشرعية المنزوعة من سياقها التاريخي و ظروف عصره، مع إستراتيجية الرعب المنزوعة من القيم الإنسانية و الدينية و الأخلاقية؟!, فتصبح الفتوى الشرعية بديلاً عن الأصل الذي من المفترض أن تستمد منه و هو النص الشرعي الممثل في القرآن و السنة.


إن عملية قتل الطيار الأردني حرقاً و بث شريط فيديو بذلك عملية تفوّقت داعش فيها على نفسها من حيث القسوة و الوحشية، و بعيداً عن الموقف من الحرب الدائرة في العراق وسوريا ،والتي تعتبر داعش من أهم أطرافها، وكنت قد كتبت مقالاً بعنوان(لماذا لم يسقط الطيار الأردني فوق فلسطين ؟) منتقداً مشاركة الأردن مرة في دعم المعارضة المسلحة في سوريا ، ومرة في حرب التحالف ضد داعش، وهي الدولة التي تمتلك أطول الحدود مع الكيان الصهيوني وأكثرها أمناً ،وبالرغم من ذلك فإن قتل الطيار الأردني حرقاً هي جريمة بشعة لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها.
وأن الاستعانة بفتوى الإمام أحمد بن تيمية هي جريمة أخرى يقُحم فيها الدين بغير وجه حق،فابن تيمية مهما كان عقله كبيراً و علمه كثيراً لا يخرج عن كونه مجتهدا في عصره، فلا يجوز أن تصبح فتاويه أهم من النصوص الشرعية الأصلية التي تُستمد منها الفتوى.

وفي هذا المعنى يقول الدكتور (عبد الله النجار) العميد السابق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر " إن استناد داعش على قول ابن تيمية هو استناد باطل لأن هناك أقوال وضعت في التراث تتناسب مع أزمنة عصرها ، و الأحكام الفقهية التي أطلقها ابن تيمية وافقت الزمان الذي وضعت فيه حيث كان المسلمون في حرب مع التتار ." و من المؤسف له أن هناك من المنتسبين للعلماء من لديه استعداد لتبرير كل جريمة بإيجاد السند الشرعي لها ابتداءً من تكفير المسلمين و انتهاءً بقتلهم حرقاً و مروراً بسبي النساء و اغتصابهن تحت مبررات شرعية واهية.


و الجانب الآخر في عملية حرق الطيار الأردني حياً يدخل في إطار إستراتيجية الرعب التي تعتمدها داعش كجزء أساسي من إستراتجيتها العسكرية و عقيدتها القتالية، و هي تعتمد على تحقيق الصدمة و الرعب التي تهدف إلى وضع العدو في حالة من الذهول و الخوف الشديد ،لإيصاله إلى مرحلة الهزيمة النفسية و الاستسلام و الخضوع للهدف الذي يُراد تحقيقه،و بذلك تتحقق الهزيمة العسكرية على أرض المعركة.

فعملية إحراق الطيار الأردني حياً و بث تسجيلا مصور بذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة يُضاف إلى عمليات القتل السابقة المتنوعة الوسائل، والمذابح الجماعية، وتهجير السكان، وسبي النساء....وغيرها من العمليات المصوّرة تدخل جميعها في إطار إستراتيجية الرعب و الحرب النفسية التي توّجها التنظيم بعملية الحرق لترسيخ صورته الرهيبة و المرعبة و المخيفة لتحقيق الهزيمة النفسية لأعدائه قبل الهزيمة العسكرية.


وهذه الإستراتيجية الدموية ليست مجرد إستراتيجية عسكرية أو عقيدة قتالية ،بل هي أيديولوجية فكرية و عقيدة دينية يؤمن بها أفراد التنظيم تشرّع تكفير المخالفين للجماعة و ليس فقط المحاربين لها،و من ثم استباحة دمائهم و أموالهم وأعراضهم، وهي بذلك خرجت من جلباب القاعدة الأب الشرعي لداعش ولكن بصورة أكثر تطرفاً، والقاعدة بدورها خرجت من عباءة السلفية الوهابية التي توجد الأرضية الفكرية التي ينبت منها الفكر القاعدي و الداعشي.ولذلك فإن مقاومة هذا الفكر المتطرف تبدأ من تعليم النشء الدين الإسلامي في أصوله الوسطية السمحة بعيداً عن هذه التيارات المتطرفة.


والأرضية التي مهدّت لهذا الفكر المتطرف ليست نابعة من عوامل ذاتية تكمن داخله فقط،بل من عوامل موضوعية خارجية تكمن في الأنظمة المستبدة الحاكمة والفاسدة، فممارسة الاستبداد و الفساد طوال عشرات السنين ،حيث أقصت الرأي الآخر الوسطي المعتدل، و قضت على أمل الشباب في الطموح و التقدم بطريقة صحية و سليمة في مجتمعاتهم، و ضيّقت فرص الصعود في السلم الاجتماعي للطبقات الوسطى ،فكان البديل لتطرف هذه الأنظمة الاستبدادية الفاسدة هو تطرف أشد منها فاستُبدل الاستبداد السياسي بالتطرف الديني . الذي لا يتم القضاء عليه إلا بالقضاء على الاستبداد و الفساد، وذلك لإيجاد بيئة فكرية واجتماعية وسياسية سليمة تساعد على سيادة روح التسامح و التعايش السلمي في المجتمع و الدولة.

كاتب ومفكر فلسطيني