خبر : إنها فرصتكم أيّها الأغبياء، فلا تضيّعوها! محمد ياغي

الجمعة 06 فبراير 2015 08:18 ص / بتوقيت القدس +2GMT



علينا أن نعترف، نحن الذين ندافع عن التيار الإسلامي الوسطي المعتدل، بأننا أُصِبنا بخيبة أمل كبيرة بعد الجريمة البشعة التي ارتكبها تنظيم "داعش" بحق الطيار الأردني معاذ الكساسبة. كنا نعتقد بأن أول الذين سَيُسيرون المظاهرات في شوارع العالم العربي والإسلامي ضد هذه الجريمة هم هذا التيار الإسلامي العريض الذي وصل الى الحكم في عدد من الدول العربية والإسلامية أو اقترب كثيراً من ذلك، ولكنهم فاجؤونا بأن صورة رخيصة لا قيمة لها تسيء للرسول الكريم تستحق "محاصرة السفارات" و"الموت" من أجلها، أما قضية كبيرة بحجم القتل حرقاً باسم الإسلام وعلى الطريقة الهوليوودية فلا تستحق أكثر من استنكار باهت يحاول تبريرها عبر الادعاء بمحاولة فهم الظاهرة. 
عندما نشرت الرسوم المسيئة للرسول الأكرم أول مرة في العام 2012، لم يخل بلد عربي أو إسلامي من التظاهرات احتجاجاً عليها ورفضاً لما "يقوم به الغرب من تشويه للإسلام". في تونس قتل أربعة أشخاص وجرح العشرات أثناء محاولتهم اقتحام السفارة الفرنسية. في الخرطوم جرى حرق السفارة الألمانية. وفي بنغازي جرى قتل القنصل الأميركي. صحيح أن التيار الإسلامي المعتدل، لم يكن مسؤولاً عن عمليات الحرق والقتل هذه، لكنه كان محركاً للاحتجاجات ومؤيداً لها في أغلب العواصم العربية والإسلامية. عندما كررت "شارلي إيبدو" فعلتها بنشر رسم جديد مسيء للرسول (بعد العملية الإرهابية التي تعرضت لها والتي راح ضحيتها أربعة من رساميها)، خرجت أيضاً مظاهرات بلا عدد من الأردن وحتى نيجيريا التي قتل فيها أربعة أشخاص أيضاً أثناء التظاهر. 
هل يعقل أن يكون التيار الإسلامي المعتدل بهذه السطحية والسذاجة: يهيج الشارع العربي والإسلامي باسم رسوم تافهة لا قيمة لها ولا تضر الرسول في شيء، بينما يصمت عن هؤلاء الذين يختطفون منهم الإسلام ويقدمون أسوأ دعاية له.
لقد صمتوا سابقاً عن جريمة قتل أكثر من مائة وخمسين طفلاً في باكستان قتلتهم القاعدة أثناء سيطرتها على المدرسة التي يدرسون فيها قبل أشهر قليلة. وصمتوا على جرائم "بوكو حرام" التي كانت إحداها خطف أكثر من مائتي فتاة لا يعرف أحد مصيرهن إلى اليوم. وصمتوا سابقاً على التفجيرات الانتحارية التي حصدت أرواح المسلمين في بيوت الله في سورية والعراق. 
ما هي أسباب صمتهم وهل مقنعة؟ 
أحد أسباب الصمت يكمن في حقيقة أن من يمارسون الإرهاب ليس فقط تنظيمات "داعش" و"القاعدة" و"النصرة" و"بوكو حرام" وما تفرع عنها، ولكن أيضاً تمارسها دول منها إسرائيل وحكومات مستبدة تقتل أو تقمع معارضيها بلا رحمة. لكن القول إن الظاهرة – الإرهاب - أكبر من "داعش" وحدها، وبالتالي فإننا نستنكر الإرهاب بكل صورة وبشاعته، لا يتفق مع حقيقة أنهم تظاهروا استنكاراً وإدانة لصورة سخيفة لا قيمة لها، بينما لم يحركوا العشرات من أفرادهم إدانة واستنكاراً لجريمة أعظم تُقدِم الإسلام للعالم بصورة مشوهة.  
عندما أشعل محمد البوعزيزي نفسه احتجاجاً على نظام بن علي التونسي، تحركت تونس على بكرة أبيها للإطاحة بالدكتاتور. هالهم فظاعة المشهد، بشاعة الظلم، لم يتوقف أحد منهم عند أسئلة "رجال الدين" إن كان الانتحار بحرق الذات "حلالاً أم حراماً" لأن الإجابة بالنسبة لهم كانت واضحة: البوعزيزي لم ينتحر، ولكن الظلم ممثلاً في نظام الحكم هو من قتله بهذه الطريقة البشعة. 
الظلم ينتج ضحايا وينتج مجرمين أيضاً. لكن في الحالتين على التيار الإسلامي الوسطي أن يسمي المجرمين بأسمائهم. أنظمة الاستبداد ساهمت في إنتاجهم وفي بعض الحالات مَولتهم أيضاً. هذا فقط يجعل من أنظمة الاستبداد شريكه في الجُرم ولكنه لا يجعل المُجرم ضحية تستحق الشفقة أو التبرير. 
قد يكون أيضاً من أسباب الصمت أن هذه العصابات تحارب أنظمة الاستبداد وبالتالي لا داعي لمهاجمتها تحت لافتة أن "عدو عدوي صديقي". لكن هذه فكرة خطيرة والتيار الإسلامي المعتدل يرتكب جريمة بحق نفسه إن تصور للحظة بأن هذه العصابات الضالة من أمثال "داعش" و"النصرة" لن تقوم بذبحهم أو حرقهم عندما تتوفر الفرصة لهم. هؤلاء لا يقلون سوءاً عن الأنظمة التي يدعون محاربتها، ويكفي أنهم يريدون إقامة أنظمة هدفها الأساس تحويل الإنسان الى "عبد" لزعيم عصابة. ما يميز التيار الإسلامي المعتدل عنهم، أن هذا التيار لم يعد يدعي وحدانية التمثيل والفهم للإسلام، بينما "داعش" ومثيلاتها يدعون هذه الوحدانية. ولأنهم كذلك، فانتم أيها التيار المعتدل من سيكون ثاني ضحاياهم. من المؤسف أنكم لم تفهموا بعد أن من يقوم بكل هذا الإجرام لن يطبق إجرامه عليكم. أنتم بأفكاركم "مرتدون" في نظرهم ومحاربتكم أولى لديهم من محاربة "الكفرة"!.
وقد يكون من الأسباب أيضاً، وهذا أكثر مما نخشاه، أن مراكز القوى داخل التيار الإسلامي المعتدل غير مجمعة على موقف موحد من ظاهرة التنظيمات الإرهابية. قد تكون بعض هذه المراكز مقتنعة بأن ما تقوم به "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" و"بوكو حرام" متسق مع الإسلام، أو هنالك أسباب سياسية تجيز لهم فعل المحظور شرعاً، ولهذا لا يستطيع هذا التيار أن يأخذ موقفاً واضحاً من هذه الظاهرة. قرأنا تصريحات لبعض القادة المحسوبين على التيار المعتدل يقولون بأن عملية حرق الكساسبة كانت عملاً وحشياً ومخالفاً لتعاليم الإسلام لكن لا يجوز في نفس الوقت إرسال قوات أردنية لمحاربة "داعش" لأنه تنظيم إسلامي!! 
هؤلاء يعترضون فقط على عملية "الحرق" فقط ولا يعترضون على فكر "داعش" لأنهم يعتقدون أن جزءاً منه "إسلامي"، وأن محاربته غير جائزة شرعاً. هؤلاء يشعرون ببعض الحرج فيما يتعلق بـ "داعش" ويحاولون مسك العصا من المنتصف. الأسوأ أن هذا الحرج يختفي عندما تتعلق المسألة بـ "النصرة"، أخت "داعش" غير الشقيقة. في حين أن "النصرة وأختها" لا يختلفان عن بعضهما في حجم الجرائم التي يرتكبانها باسم الإسلام. 
من هذا المنبر الإعلامي، دعوت مراراً أن يتصدر التيار الإسلامي المعتدل الدفاع عن الفكر الإسلامي الذي يرفض الطائفية، والجرائم التي ترتكب باسم الإسلام من القاعدة ومشتقاتها حتى يتمكنوا من توحيد "الأمة" التي يرفعون لواءها، وحتى لا يسقط العالم العربي في حروب أهلية تهلك شبابه ونساءه وأطفاله وخيراته لعشرات السنين. هذه فرصتكم أيها الأغبياء فلا تضيّعوها.