أطلس للدراسات ترجمة خاصة
تعيش مصر اليوم ذروة حرب تنتمي لفئة "حرب صغيرة القوة"، وتمثل نمطاً مكتسباً من المنظومات العسكرية في أوائل القرن الـ 21: المعارك المتعددة التقليدية بين الجيوش والأجهزة الأمنية لدول معينة ضد جيوش إرهابية، منظمات هرمية مسلحة تستخدم تكتيكات حروب العصابات والإرهاب وتتحرك في أوساط سكانية مدنية؛ هؤلاء السكان يوفرون لهم أحياناً الغطاء والمساعدة – سواء بالقوة أو التضامن – وهم من يعانون دائماً من نتائج الحرب المرة.
حرب مصر الدائرة ضد عناصر الجهاد السلفي، خصوصاً في شبه جزيرة سيناء تسللت أيضاً إلى شوارع المدينة الرئيسية في البلاد، الحرب في سيناء هي إذاً جزء من حرب واسعة النطاق، تدور هذه الحرب في السنوات الأخيرة في تخوم دول أخرى في الشرق الأوسط، من أجل عدم انتشار الجهاد السلفي المقاتل، والذي يطمح أن يحكم فيها نظاما إسلامياً مطبقاً للشريعة، مطابقاً لنموذج نظام طالبان الذي حكم أفغانستان (1996-2001).
الهجوم الذي نفذ في الـ 29 من يناير 2015 في منطقة العريش والشيخ زويد شمال سيناء من قبل جماعات مسلحة بلغ تعدادها 60 مسلحاً، وتركز الهجوم على أهداف شرطية وعسكرية، ولكن أهدافاً مدنية أيضاً تضررت، مما أدى الى مقتل 32 انساناً، وتضمن الهجوم نيراناً مدفعية، وعلى الأقل 3 عمليات انتحارية، وفي المقابل نفذت أيضاً هجمات في بور سعيد في الإسكندرية.
نفذ الهجوم تنظيم "أنصار بيت المقدس"، والذي أدى قسم الولاء في نوفمبر 2014 لزعيم "الدولة الاسلامية – داعش" أبو بكر البغدادي، وأخضع نفسه لهذا التنظيم، وسمى نفسه "ولاية سيناء"، بدأ التنظيم العمل في سيناء مع نهاية العام 2011 إثر الثورة التي اندلعت في مصر ضد حكم حسني مبارك، أعضاء من التنظيم سكان قطاع غزة من مخضرمي حركة حماس، وكذلك بدو محليين يعتمدون المفهوم الجهادي السلفي، وانضموا الى نشطاء مخضرمين من أوساط المنظمات الإرهابية المصرية التي كانت موالية للقاعدة أو انضموا الى صفوفها، هؤلاء النشطاء فروا من السجون المصرية أو أطلق سراحهم منها بعد إسقاط نظام مبارك، كذلك انضم الى هذا التنظيم مقاتلون أجانب ممن تسللوا إلى مصر من ساحات قتالية مختلفة تشارك فيها منظمات جهادية (من بينها ليبيا واليمن ومالي) وبعضهم انضم الى "أنصار بيت المقدس" بأوامر من "داعش".
الهجوم في شمال سيناء كان حلقة في سلسلة من الهجمات الإرهابية الدموية التي أدت الى إصابة الكثيرين، والتي نفذها تنظيم "أنصار بيت المقدس" في السنوات الأخيرة؛ هذا الى جانب الهجمات التي تنفذ يومياً ضد قوات الشرطة والعسكر المتموضعة في سيناء، ومن بين العمليات البارزة الهجوم الذي أودى بحياة 16 جندياً في رفح أثناء صوم رمضان (أغسطس 2012)، ومقتل 21 جندياً بالقرب من الحدود الليبية (يوليو 2014)، إعدام 25 مجنداً مصرياً بدم بارد (أغسطس 2013)، والهجوم الذي أودى بحياة 31 جندي مصري (أكتوبر 2014).
في مصر توجد حساسية كبرى تجاه المساس بالجيش الذي يعتبر رمزاً للكرامة القومية؛ ولذلك ألزمت هذه السلسلة من الهجمات مصر للخروج لحرب شاملة ضد المهاجمين في سيناء، ومع ذلك من المفترض ان كل دولة كانت ستتخذ رداً صارماً على القتل المنهجي، وبحجم كهذا الذي تسببه الهجمات المنفذة من قبل عناصر الجهاديين السلفيين في سيناء.
هدف آخر للأعمال المضادة التي تقوم بها القوى الأمنية المصرية وهو تنظيم حماس الحاكم لغزة، القاهرة تعتبر حماس عنصراً مركزياً متورطاً في إقامة تنظيم "أنصار بيت المقدس"، وكذلك المسؤول عن منطقة تمثل جبهة حيوية لمواصلة أعماله، لذلك جاء إعلان مصر عن الذراع العسكرية لحماس (كتائب عز الدين القسام) كتنظيم إرهابي، الربط بين حماس وغزة والإرهاب في سيناء هو السبب بقيام مصر منطقة آمنة بعمق 1 كم على طول حدودها مع غزة، كذلك تعمل مصر على تدمير البنى التحتية الواسعة للأنفاق التي بنتها حماس وهربت عبرها الأسلحة والنشطاء الإرهابيين من قطاع غزة الى سيناء، ومن ثم الرجوع الى غزة التي توفر لهم الغطاء.
مصدر آخر للقلق بالنسبة لمصر هو منح تنظيم "الدولة الإسلامية" وصايته على "أنصار بيت المقدس"، دعم "الدولة الإسلامية" لـ "أنصار بيت المقدس" بالتمويل وتزويدهم بالمعدات القتالية والقوى البشرية تولي الحرب التي تديرها مصر ضد التنظيم أهمية كبرى، تتجاوز مجرد الحفاظ على النظام والدفاع عن أمن مصر القومي، نجاح نظام السيسي في إعطاء رد فاعل للهجمة الإرهابية لـ "أنصار بيت المقدس" وشركائه سيؤثر ويشجع أيضاً على قدرة دول آخر في المنطقة (لبنان، اليمن، الأردن) في مواجهة عناصر الجهاد السلفي، هذا النجاح سيؤثر أيضاً على الانطباع المخيف الذي لا يمكن وقفه، والذي تخلفه احتلالات "الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا.
العلاقة بين عناصر الجهاد التي حددتها مصر كهدف لها وبين "الدولة الإسلامية" ليس محدوداً بتخوم سيناء، مؤيدو "الدولة الاسلامية" الذين سيطروا على مدينة ديرنا وعلى مدن أخرى في ليبيا، كانوا متورطين أيضاً في أعمال إرهاب أخرى نفذت في مصر على الحدود الليبية، هذا ولكثر المتحدثون باسم "الدولة الاسلامية" حثوا تنظيم "أنصار بيت المقدس" على إسقاط نظام السيسي، وهذه شواهد دامغة على نواياهم بتحويل الحدود الليبية المصرية الى ساحة قتال نشطة، وتحويل ليبيا الى جبهة بنى تحتية ولوجستية لأتباعها.
مصدر آخر للقلق المصري هو التسخين على الساحة الأردنية، القلاقل كبيرة بالذات من قبل جهات إسلامية، ومنهم مؤيدي الدولة الاسلامية المحتجين على مشاركة الأردن في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "الدولة الإسلامية"، مع ذلك يمكن الافتراض ان تصاعد الاحتجاج في أوساط الجهات الاسلامية في الأردن لن تغير أسلوب المملكة بشأن الحاجة للكفاح العنيد ضد "الدولة الاسلامية"، وأنها لن تنسحب من مشاركتها الفاعلة في التحالف الذي يدير المعركة ضدها.
للمعركة التي تقوم بها مصر في سيناء أهمية كبرى بالنسبة لإسرائيل أيضاً، تنظيم "أنصار بيت المقدس" نفذ بالماضي هجمات ضد إسرائيل؛ من بين الكثير هجوم على الطريق 12 الذي يؤدي الى إيلات، وإطلاق صواريخ باتجاه إيلات قبل وأثناء عملية "الجرف الصامد"، وإرسال انتحاري الى معبر كرم أبو سالم، والذي قضى المصريون عليه قبل ان يبلغ هدفه؛ هذه الأحداث، الى جانب علاقته الوثيقة مع التنظيمات العاملة في قطاع غزة، وعلى رأسها حماس، وإلى جانبها مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس، وجيش الإسلام، ولجان المقاومة، وتنظيمات أخرى؛ تعزز الشراكة في المصالح بين إسرائيل ومصر في هذا الموضوع، هذا الموضوع المشترك بين الدولتين يحظى بأهمية خاصة إثر إعلان "أنصار بيت المقدس" الصريح بمواصلة العمل المباشر ضد إسرائيل.
التصعيد في قتال "أنصار بيت المقدس" ضد إسرائيل من شانه ان يشكل تحدياً مشتركاً للجيش الاسرائيلي والجمهور الإسرائيلي، فللتنظيم قدرات عسكرية عالية، وما يثبت ذلك عملياته التي تتم عبر العديد من الخلايا المشتركة، والتي يبلغ تعدادها أحياناً ما بين العشرة وبضع عشرات من المهاجمين المسلحين جيداً والمزودين بالصواريخ والمدافع وقاذفات المدافع والصواريخ، وكذلك استخدام التكتيكات الانتحارية.
التقدير ان "أنصار بيت المقدس" سيعود للعمل ضد إسرائيل؛ يرتكز على تجربة الماضي القريب وعمله الحالي في شبه جزيرة سيناء وعلاقاته الوثيقة مع تنظيمات الإرهاب الناشطة في قطاع غزة، وربما أيضاً يقوم بذلك برعاية "الدولة الإسلامية" التي تعتبر إسرائيل شريكة داعمة للتحالف المقاتل ضدها في سوريا والعراق، حسب أقوال البغدادي في خطابه الذي ألقاه في يناير 2015.
لذلك فإن كل دعم استخباراتي أو عملاني أو سياسي تستطيع اسرائيل ان تقدمه لنظام السيسي، بما في ذلك دعم تحسين علاقاته بالولايات المتحدة، وكذلك الاستعداد لدراسة المطالب المصرية بتوسيع تواجدها العسكري في سيناء بإيجابية سيخدم مصالح إسرائيل الأمنية الحيوية، منظومة العلاقات الشاملة بين اسرائيل ومصر والحرب الدولية التي تعهدت بلجم تمدد تنظيم "الدولة الاسلامية" وشركائه.
مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي