أطلس للدراسات / ترجمة خاصة
توطئة أطلس
بمجرد الإشارة الى مصطلحات مثل "القرآن الكريم" و"الحديث" و"السيرة النبوية"، وتعريف غامض مقتضب لبعض هذه المصطلحات؛ اعتبر كاتب المقال نفسه خبيراً باحثاً في الإسلام، واتهم القادة الغربيين بالجهل بماهية الإسلام وعلومه، وأنهم بتصريحاتهم حول كون الإسلام دين سلام يشجعون على الإرهاب ويخفون خوفهم من ردات فعل المسلمين لو قالوا غير ذلك، بينما حقيقة الأمر هو يخفي ما يمكر شيطانه ويكن صدره من بغض الاسلام والمسلمين والتحريض عليهم واعتبارهم أصل كل إرهاب على وجه البسيطة.
الحقيقة ان هذا الكاتب نسي ان يتطرق الى أن سبب كل شر على وجه البسيطة هو احتلال قومه لفلسطين، وأن سبب كل عمل إرهابي يقوم به أقلة من الشباب المسلم المظلوم المقهور الهارب من بلاده تحت وطأة جور السلطان هو اعتداء وتحريض اليهود وأعوانهم على مقدسات ومعتقدات المسلمين في شتى انحاء العالم.
ويشير كاتب هذا المقال الى الاختلاف بين المذاهب الإسلامية، ويعتبرها اختلافاً في مصادر التشريع دون وعي أو علم ربما بحقيقة العلاقة بين الفتاوى الفقهية وأصولها النصية، وما اصطلح عليه علماء المسلمين أو اختلفوا، ودون ربط هذا الاتفاق أو الاختلاف بطبيعة الشريعة والوحي، وهو كما يبدو جاهل بهذه الأمور أو ربما دفعه الحقد الصهيوني الى تجاهلها عمداً ليحقق مأربه، والى سخام الفكر الصهيوني الأعمى.
الرئيس الفرنسي هولاند، مثله مثل الكثيرين من القادة الأوروبيين الذين خبروا الإرهاب الإسلامي، أصر على ان الهجمات الأخيرة في باريس ليست ناتجة عن الإسلام، في مؤتمر صحفي عقده هولاند بعد عدة ساعات فقط من الاعتداء على مكاتب الأسبوعية " شارلي ايبدو" أكد هولاند ان "لا علاقة للإسلام بالهجمات الارهابية"، مثل هذا الكلام قاله أيضاً الرئيس جورج بوش الابن، بوش وبعد هجوم الـ 11/9 على الولايات المتحدة بأسبوع، صرح أمام جماهير أمريكية مسلمة ان "الاسلام هو السلام"، وهكذا تصرف أيضاً رئيس الوزراء البريطاني بلير عام 2005 عندما زعم انه ورغم ان منظومة المواصلات في عاصمة بلاده تلقت هجمات ممنهجة من قبل عناصر إرهاب اسلامية "ليس هناك أدنى شك في طبيعة الاسلام الحقيقية، وهي الطموح الى تحقيق السلام".
رغم ان هذا الكلام مجرد هراء يجلب انتقادات شديدة ومبررة لهؤلاء القادة والى أمثالهم، فهم ليسوا مسلمين وليسوا باحثين في موضوع الإسلام، ولا علاقة لهم إطلاقاً بالتعبير عن ماهية هذا الدين، وأكثر من ذلك فإن الإرهابيين الذين يعملون ضد أهداف غربية يعلنون هم أنفسهم ان العنف الوحشي الذي يستخدمونه ضد أهداف غير اسلامية مستلهمة من الإسلام، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على تنظيمات إرهابية أخرى كثيرة، بدءاً بـ "بوكو حرام" ومروراً بـ "الدولة الإسلامية" ووصولاً الى طالبان أفغانستان وباكستان، المظاهرات الوحشية غير المبررة تجاه المسلمين الذين حادوا عن "الصراط المستقيم"، وفي القران والحديث وفي السيرة يوجد مواد كثيرة تدعم هذا الايمان المشترك بين أعداد لا تحصى من المسلمين الذين يرضون ويؤيدون عمليات الإرهاب ومنفذيها ويتضامنون معهم، حتى وإن كانوا هم أنفسهم لم يكونوا أبداً متورطين بشكل مباشر بأعمال الإرهاب.
ومع ذلك لا يوجد أي دليل في الموقف المقلوب الخائن للأمانة الفكرية، بل الجاهل على ان الحقيقة هي وجود مصادر إسلامية واسعة النطاق ترفض وتنقض وتستنكر مثل هذه التصرفات، وان تباع إسلام آخر يستطيعون التوجه الى مذاهب أخرى تستوجب على المسلمين ان يبدو الرحمة والتصدق ورفض جميع أشكال الإكراه الديني، وجود المصادر المتناقضة الكثيرة جداً دليل على ان تحديد الاسلام "الصحيح" هو ناتج عن الاختلاف في الآراء، فهناك على الأقل أربعة مذاهب رسمية للشريعة تختلف بعضها عن بعض على مستوى التشدد والتساهل المنسوبة الى أصول الشريعة، ولكن مع انعدام وجود سلطة دينية اسلامية معترف بها عالمياً على غرار الكاثوليكية أو القبطية أو البابوية فمن الطبيعي ألا تسوى تلك الفجوات بشكل محكم على الاطلاق، لذلك فان أي جهد لفهم التواؤم القائم احتمالاً بين الإرهاب والإسلام سيحمل فوائد أكثر في حال كان أقل اعتماداً على ما تقوله الكتب والمصادر وأكثر اعتماداً على ما يفعله المسلمون ويفكرون به.
وفي هذه الحالة أيضاً فإن الاستنتاجات ذات معاني مزدوجة؛ فبدون انتخابات واستفتاءات شعبية تشمل كافة المسلمين أو استطلاعات للرأي موثوقة حرة في أوساط العالم الاسلامي فإن النتائج المرتكزة على أساس البيانات وعلى طريقة تصرفات المسلمين ستبقى بالضرورة في إطار الانطباعات فقط، تشير الانطباعات الى ان أغلبية الإرهابيين (وضحايا الارهاب) هم من المسلمين، غالبية المسلمين ليسوا متورطين وليسوا مؤيدين للإرهاب، وغير ذلك من الصعب ان نقول كلاماً ذا قيمة، بما في ذلك ان نفترض افتراضات ترتكز على الحجم النسبي للجماعات ذات الأقلية أو الأغلبية بهذا الخصوص.
على ضوء الحقيقة بخصوص كون العلاقة "الحقيقية" بين الارهاب والاسلام ليست علاقة أدائية، وننصح القادة الأوروبيين على الأقل من أجل نزاهتهم الفكرية هم أنفسهم بأن يبتعدوا عن هذا الحقل من الألغام اللاهوتية الأيديولوجية.
الى ذلك؛ هناك رأي آخر أكثر ارتباطاً بطبيعة وظيفة القيادة السياسية وهو الحذر السياسي، القادة السياسيون – أكثر من غيرهم من الناس العاديين – عليهم ان يدرسوا بدقة تأثيرات أقوالهم، فالزعم بأن ليس هناك ربط أساسي بين الإسلام والإرهاب فيه عيب استراتيجي وتنفيذي، الزعم المقلوب من ناحية أخرى يستدعي رداً عنيفاً لما يعتبر أقوالاً عاقرة في نهاية الأمر، وإذا كان هذا هو الرأي الوحيد، إذن يمكن الزعم (والكثير من المراقبين يزعمون ذلك) ان رفض الاعتراف بالحقيقة فقط بسبب الخوف من الرد عمل مخجل لا يجب السكوت عليه، ولكن الاصرار على الحقيقة غير المفهومة من شأنها هي أيضاً ان تؤدي الى يتحول عدد كبير من المسلمين غير المتورطين بالإرهاب أو غير المؤيدين له الى مشجعين ومساعدين أو مؤيدين نشطاء للإرهاب، وبذلك يشوهون الجدل الاسلامي الداخلي، وكذلك هؤلاء الذين يزعمون بوجود صلة وثيقة بين الاسلام والإرهاب سيتوارون خجلاً عندما نسأل السؤال التالي الذي لا يمكن تجاوزه "إذاً ما الذي تقترحون القيام به؟" فرغم كل شيء هناك الكثير من الأساليب لمحاربة الإرهاب، ولكن لا يوجد أي طريقة لمحاربة الإسلام.
المسلمون أنفسهم فقط يقررون قوة أو ضعف الربط بين الاسلام والإرهاب، أما القادة السياسيين الغربيين فبإمكانهم ان يؤثروا في هذا الجدل، وأياً ما كانت الحقيقة البعيدة المنال في العلاقة بين الإسلام والإرهاب في الواقع رفض وجود هذا الربط على الملأ؛ فإن الزعماء الغربيين فعلوا بذلك الأمر الصواب.
مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي