كان اليهود في أوروبا يعيشون كأقلية منعزلة لهم تقاليدهم المختلفة والتي تنبع من الثقافة اليهودية مثل: ختان المواليد, اللحم الحلال "الكشير", تحريم الزواج المختلط, كما تحريم مشاركة المجتمع أفراحه وأتراحه, والأدهى أن الأقلية اليهودية كانت تعتقد بأن عبادة غير اليهود باطله "كفار", وأن الله لا يتقبل إلا عِبادة اليهود, وخَلَقهم لذلك, بينما لم يُطالب الرب –حسب زعمهم- غير اليهود بالعبادة لأن شرف عبادة الرب لا يستحقهُ إلا اليهود؛ كما كانوا يُحرمون الربا على إقراض اليهود بينما يُحلونه على إقراض الأغيار "الكفار" أو "الجوييم".
الأمر الذي أدى إلى نسج الأساطير في الأدب الشعبي الأوروبي, عن حياة اليهود كما اشتملت تلك الأساطير على تشويه وتحريض على اليهود.
وفي لحظة فارقة تحول غضب الأكثرية الذين لم يخلقهم الله لعبادته –بزعم اليهود-, تحول الغضب إلى هولكوست يشوي اليهود في مجازر مروعة من أقسى ما شهده التاريخ المُعاصر, ليفرَ ما بقي من اليهود إلى أرض الله الواسعة, يُحدثون العالم بما جرى لهم يخطبون التعاطف والتعويض.
لقد أخطأ أحبار اليهود حين علّموا أتباعهم العزلة, التي أثارت حفيظة المجتمع ضدهم وربما حسداً أو أي شكل من أشكال العداء, فكانت النتيجة أن واجه ملايين اليهود الإبادة على يد النازيين.
اليوم يتكرر نفس الخطأ لكن من جانب الأقلية المسلمة, ليس في أوروبا فحسب بل في أماكن أخرى من العالم؛ فنجد أن أقلية مسلمة تستحل من الأغلبية "الكافرة" دمائهم ونسائهم وأموالهم وأمنهم, ليس لأنهم يمنعونهم من الصلاة والصوم, إنما لأنهم كافرون كما قال "المُفتي".
ويتناسى المسلمون أن الكفر دين معترف به, قال تعالى: " لكم دينكم ولي دين" , ويتناسى المسلمون أنه عندما وقَّع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- "العهدة العمرية", كان يعرف أن المسيحيين لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وآله, ومع ذلك أمر بالحفاظ على صُلبانِهم, وكنائسهم...
تَخيل أخي المسلم أن تأتي مجموعة من الأغيار - وغير المسلمين كلهم لا يعترفون بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام- تخيل أن تأتي مجموعة منهم تعيش بيننا وفي نفس الوقت, تستحل أموالنا وأعراضنا ودماءنا وتقوم بتكفيرنا, ونعلم أنهم يُحرضون أبنائهم علينا بالقتل والعداء؛ ماذا سيكون موقفنا منهم؟ وإن لم نستطيع أن نغير نظرتهم لنا ماذا سنفعل بهم؟ أعتقد أننا سنطردهم من بيننا إن كنا رحماء بهم.
المجتمعات الغربية التي تكفل قوانينها حرية العبادة ولا تمنعك من الصلاة والصوم, كيف ستنظر لك ولدينك, عندما يعرفون أنك -دون باقي الأقليات- تهدد حياتهم وتُنكر عليهم طريقة عيشهم, هل من حقنا إجبار الناس بأن يكونوا مسلمين؟
وأنا على يقين بأن المتطرفين المسلمين هم أقلية ولكن أعمالهم تأخذ صدى إعلامي واسع ويستخدمها أعداء الإسلام في أجنداتهم التحريضية.
يا علماءنا إنهم أساءوا لنا؛ لأن هناك من سلب دوركم منكم, وأخذ يتفوه بأن محمد عليه الصلاة والسلام يدعو لقطع رؤوسهم وسبي نسائهم وأخذ ممتلكاتهم غنائم, فسخروا من هذا العالِم المتفوه؛ لأنه يعيش على مساعداتهم, ويأكل مما يزرعون, ويلبس مما ينسجون, ويتداوى بطبهم. وصدق المثل القائل: "الولد الهامل يجلب المسبة لأهله".
وحاشى أنبياء الله -عليهم السلام- أن تصل إليهم مسبة وإهانة, وهم في تكريم الله تعالى, لكن الإساءة لمشاعرنا نحن.
أدعو علماء الأزهر الشريف بأن يقوموا بإصدار كتاب يتم تدريسه للمسلمين في الخارج, يوضح لهم العلاقة مع الغير, ودورهم في تبليغ دين الله وفق منهج مُوحد وملائم للتطور البشري, والدين ملائم لكل زمان وكل مكان, ويُصلح كل زمان وكل مكان وكل إنسان؛ حتى لا تُترك الجاليات الإسلامية هناك فريسة للفكر المتطرف الذي سيجر عليهم "هولكوست" ربما من نوع آخر, يتناسب مع روح العصر الحالي.


