تحرص «إسرائيل» دائماً على تهديد المقاومة ولبنان بالتدمير الشامل، في حال اندلاع الحرب بين الطرفين. تهديداتها تزايدت بعد العملية الإرهابية التي تعرّضت لها صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية الساخرة في 7/1/2015. حزب الله ردَّ بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله (قناة «الميادين» التلفزيونية 15/1/2015 ) مهدداً «إسرائيل» بأن لدى المقاومة في لبنان «كل ما يخطر على البال من أنواع الأسلحة»، وأنها قادرة على تحقيق النصر.
«إسرائيل» لم تكشف في تهديداتها ما لديها من أنواع الأسلحة الفتاكة وفي مقدِّمها القنبلة النووية. اختارت، بلسان رئيس حكومتها ووزير حربها ورئيس اركان جيشها، التشديد على التدمير الهائل الذي سيتكبّده لبنان جرّاء احتضانه المقاومة في أرضه. ولتبرير ردة فعلها الوحشية المحتملة، لجأت «إسرائيل إلى لغة تعظيم قدرات حزب الله، لاسيما الصاروخية منها، بأقلام بعض خبرائها الإستراتيجيين الذين قدّروا مخزون المقاومة من الصواريخ الموجّهة والقادرة على الوصول إلى كل انحاء فلسطين المحتلة، بما لا يقل عن 150 ألف صاروخ. كما أكدت مصادر استخبارية إسرائيلية على «أن المعركة المقبلة مع حزب الله ستكون الأعنف في العصر الحديث» (صحيفة «معاريف» 13/1/2015).
حتى قبل ان يتحدث السيد نصر الله عن القدرات العسكرية المتقدمة للمقاومة في البر والبحر والجو، كشفت صحيفة «معاريف»، عن المصادر الاستخبارية نفسها، انه في مقابل زيادة «إسرائيل» لمستوى ردعها في حربها الثانية على لبنان عام 2006 ضد حزب الله، اغتنم الأخير الهدوء على الجبهة ليملأ مخازنه بأسلحة ايرانية لم تواجه «إسرائيل» مثيلاً لها من قبل. واذا كان من الحصافة التوقف امام ما كشفه السيد نصر الله عن المستوى العالي المتقدّم لأسلحة المقاومة، فإنه من المهم أيضاً معرفة معلومات «إسرائيل» عما تمتلكه المقاومة من أسلحة وتقويمها لقدراتها وآثارها المحتملة على الكيان الصهيوني.
تقول «معاريف» إن اسلحة نوعية جديدة وصلت إلى المقاومة، من بينها طائرات من دون طيار انتحارية، وصواريخ دقيقة وأسلحة مضادة للسفن والطائرات، وإن مدى هذه الأسلحة لا يصل إلى منطقة شمال الأرض المحتلة فحسب، بل يشمل منطقة الوسط والجنوب (النقب حتى إيلات) ايضاً. ووفقاً لتقديرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فإن لدى المقاومة قدرات هجومية عالية جداً وقادرة على تهديد الجبهة الداخلية على نحوٍ واسع وغير مسبوق. هذا التهديد لا يكسر، بحسب المصادر الاستخبارية، التوازن القائم بين الطرفين، إلاّ انه «قادر بالفعل على كسر الروح المعنوية والمناعة الوطنية في «إسرائيل» خلال الحرب، ما يؤدي إلى الإضرار بقدرة القيادة الإسرائيلية على توسيـع المناورة البرية، كما يؤثر سلباً في الخطط القتالية للجيش الإسرائيلي».
الى ذلك، نقلت «معاريف» عن المصادر الاستخبارية تقديرها أن جزءاً كبيراً من القدرات الإيرانية بات فعلاً في مخازن المقاومة، وأن المفاجآت التي تحتفظ بها المقاومة للحرب المقبلة قد لا تفاجئ الجيش الإسرائيلي، لكنها ستكون مفاجئة جداً للمواطنين الإسرائيليين الذين لا يعرفون إلاّ قدراً بسيطاً مما ينتظرهم في الحرب المقبلة مع حزب الله.
في ضوء هذه المعطيات، ينهض سؤال: لماذا تتبادل «إسرائيل» وحزب الله كل هذه التهديدات في الوقت الحاضر؟
بات واضحاً مما تنشره الصحف العبرية وقنوات التلفزة وتعليقات الكتّاب وتصريحات القادة الصهاينة، أن ثمة خوفاً وقلقاً لدى الرأي العام الإسرائيلي من مخاطر ومفاعيل أي حرب تنشب بين الكيان الصهيوني والمقاومة في لبنان وحليفتها المقاومة في قطاع غزة، لذا لجأت القيادة الإسرائيلية إلى مواجهة هذه الظاهرة المتنامية بطرائق ثلاث: إطلاق تصريحات تطمينية من كبار القادة السياسيين والعسكريين لتنفيس مخاوف السكان، وإطلاق تهديدات مدوّية ضد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وتعظيم قدرات المقاومة في لبنان وفلسطين ودور إيران في تسليحهما، لحمل الولايات المتحدة على ترفيع اهتمامها بـِ»أمن إسرائيل» باعتماد سياسة مواجهة تقوم على ركائز ثلاث:
الاولى، عدم توقيع تسوية مع ايران بشأن برنامجها النووي يسمح لها بنسبة مئوية من تخصيب اليورانيوم تمكّنها، عاجلاً او آجلا، من تصنيع اسلحة نووية، وعدم رفع العقوبات الإقتصادية والمصرفية عنها قبل التأكد من رضوخها لبنود تسوية لا تؤذي أمن «إسرائيل».
الثانية، إبقاء الضغط السياسي والأمني على سوريا فاعلاً بمختلف الوسائل لضمان فك تحالفها مع ايران وقوى المقاومة في لبنان وايران حتى لو تطلّب ذلك إزاحة نظامها السياسي او تقسيم البلاد إلى كيانات متمايزة ومتناحرة.
الثالثة، ضمان تفوق «إسرائيل» العسكري بمنحها أقوى وأفعل ما تمتلكه الولايات المتحدة في ترسانتها من اسلحة نوعية فتاكة برية وجوية وبحرية.
هذه الاهداف والمخاطر والاحتمالات لا تغيب عن ذهن قيادات المقاومة، ولا سيما في لبنان، وقد ردّ عليها السيد حسن نصرالله في حديثه الأخير لقناة «الميادين».
غير ان ثمة حقيقة من حقائق الصراع لا تتحدث عنها «إسرائيل»، كما تفضّل قيادات المقاومة، تواضعاً او تحسباً، عدم الكشف عنها، إنها يقين القيادة الإسرائيلية بأن لدى قادة المقاومة، ولا سيما قيادة حزب الله، إرادة قتالية قاطعة وحاسمة، وانها لن تتردد لحظة واحدة في إمطار «إسرائيل» «بكل ما يخطر على البال» من اسلحة نوعية فتاكة ومدمّرة «، وان لها قدرة تدميرية هائلة لم تضعها في حسبانها، وذلك في حال كانت هي البادئة بشن الحرب. بعبارة اخرى، ما قصد اليه السيد حسن نصرالله بحديثه القوي والصريح هو ردع قادة «إسرائيل»عن وهم الاعتقاد بأنه ما زال في وسعهم ترهيب المقاومة ولبنان والفلسطينيين والإفلات من عقاب بالغ القسوة وهائل التداعيات.
بهذا الموقف الجاد والحازم يتأكد الجميع، في الشرق والغرب، أن ميزان ردعٍ حقيقياً قد استوى فعلاً بين «إسرائيل» والعرب، وان عصر الهزائم قد ولّى إلى غير رجعة.


