ليس من الصعب التكهن بمسار النزاع السوري الذي يدخل عامه الرابع دون أفق سياسي أو أمل ينهي واحدة من أكبر الأزمات على مستوى العالم في عقدنا الحالي، حيث تدار بـ «الريموت كنترول» من قبل قوى عالمية منخرطة حتى العظم في هذا النزاع الصعب.
القوى العالمية تتحمل مسؤولية استمرار النزاع السوري إلى هذه اللحظة، فلولا الدعم الذي تقدمه دول كثيرة تتقدمها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لأطراف النزاع، لكانت النتائج مختلفة ولم تكن لتصل إلى كوارث عميقة وكبيرة كما نلاحظها ونشهدها حالياً.
ثم إن غياب التوافق الدولي يجعل من سورية حلبة لهذا التنافس الشديد والبائن بين واشنطن وحلفائها من جهة، وروسيا وحلفائها أيضاً، وهي معركة على تشكيل وصياغة النظام الدولي متقاربة إلى حد كبير وتشبه ما يجري في أوكرانيا.
المتتبع للأزمة السورية منذ بداياتها، سيتوصل إلى فرضية وهي أن العام الجديد لن يحمل مفاتيح للحل السياسي، وأن النزاع سيبقى سيد المرحلة، ويبدو أن هذه الفرضية صحيحة في ظل معطيات كثيرة سواء خارجية أم داخلية تمس أطراف النزاع السوري.
أولاً: يتأكد يوماً بعد يوم أن الأميركان ليس لديهم استراتيجية واضحة للتعامل مع الملف السوري، خصوصاً وأنهم ليسوا مكترثين للنزاع الجاري في سورية بقدر حرصهم على محاربة تنظيم «داعش» عبر حملة دولية أطلقوها من عدة أشهر للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي.
المعنى أن واشنطن تكتفي بالحديث عن دعم وتدريب المعارضة السورية المعتدلة، دون التحرك السياسي الجدي لإيجاد مخرج للأزمة السورية، وهذا الموقف ينسجم مع موقف أوروبا التابع للموقف الأميركي، ذلك أننا لا نسمع عن مبادرات غربية تستهدف الحل السياسي في سورية، باستثناء التحرك الروسي الجديد.
ثانياً: كثرة الأطراف المنخرطة في النزاع السوري وتعددها وتنوع مواقفها، تجعل من حل النزاع موضوعاً صعباً للغاية، و»كثرة الطباخين تفسد الطبخة»، وهذا هو الحاصل تماماً في الأزمة السورية التي يزيدها توتراً الأصابع الخارجية والداخلية وحالة التباين الشاسعة بين مواقف جميع الأطراف المنخرطة في هذا النزاع.
ثالثاً: لا تزال العقلية الدولية تشتغل في سورية على قاعدة إدارة النزاع، وعلى محاولات لتوريط سورية الشعب أكثر وأكثر والإجهاز التام على الدولة السورية واعتبارها فاشلة على كافة المستويات، كما يحدث الآن مع ليبيا التي تشهد تفتتاً سياسياً وجغرافياً خطيرين.
إذا أسقطنا هذه العوامل الحاضرة على أي مبادرات جديدة لإيجاد حل سياسي في سورية، فإن الخلاصة مفادها تسيد النزاع العسكري للمشهد السوري، والقصد هنا المبادرة الروسية لعقد حوار سوري- سوري في موسكو، من المرجح أن يكون في السادس والعشرين من الشهر الجاري.
الروس اجتهدوا لتقريب المسافات بين أطراف الحوار السوري، وحاولوا جمع الأضداد بغية إيجاد مخرج للأزمة الحالية، لكن يبدو أن سيناريوهات الاجتماع المرتقب لا تدعو للتفاؤل انطلاقاً مما أسلفنا عنه سابقاً، بالإضافة إلى عدة أمور أخرى.
العلة لا تكمن فقط في غياب الموقف الأميركي الذي يدّعي بأن المبادرة الروسية للحل السياسي في سورية قد تكون مفيدة، على حد أقوال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بل أيضاً في موقف المعارضة السورية التي لم تنصهر في جسم واحد، ولم تقرر جميعها المشاركة في اجتماع موسكو.
أما عن الأميركان فهم يدركون أن اجتماع موسكو لا يزال بعيداً عن الحلول، وأنه في حال انعقد لن يكون أكثر من لقاء تشاوري أو «جمعة» ودردشة بين الفرقاء، لأن الطرف الوحيد الذي يدفع لإنجاح هذه المبادرة هو موسكو.
ثم إن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف قالت إن واشنطن ليست طرفاً في التحضير للقاءات أطراف الأزمة السورية في روسيا، ومعروف للجميع أن نجاح الحل السياسي مرهون ويتوقف في الأساس على كل من واشنطن وموسكو، اللهم إلا إذا تمكنت أطراف النزاع السوري من حسم الأزمة عسكرياً، وهذا أمر مستبعد في الوقت الحاضر.
أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة لم تمارس أي نوع من الضغوط على المعارضة السورية المعتدلة للمشاركة في اجتماع موسكو، في حين تستعد لتوقيع اتفاق مع تركيا يتعلق بدعم وتدريب المعارضة لجهة قتالها «داعش» من جهة والنظام السوري من جهة أخرى.
وبخصوص المعارضة السورية المعتدلة فإن أكثر ما يضعفها هو تشتتها وتحولها إلى معارضات، حتى أن الخلاف لم يعد واضحاً بين تلك المحسوبة على التطرف أو اليسار، وإنما نسمع عن خلافات في داخل كل فصيل أو ائتلاف.
هذه المعارضة بالتأكيد لن تحضر جميعها إلى موسكو ولن تمثل الصوت الجمعي المعارض، وهذا الانقسام في صفوفها وتباين مواقفها بالتأكيد سينعكس على نتائج اجتماع موسكو المرتقب، وإلى اللحظة هناك قوى رئيسية ومهمة مثل الائتلاف الوطني السوري، أعلن عن عدم مشاركته في هذا الاجتماع.
أيضاً لا يغيب عن عقول كثير من المعارضين السوريين أن روسيا ليست بلداً محايداً ومناسباً لإجراء نقاش سوري- سوري، وثمة من يعتقد أن موسكو تذهب نحو هذا الحوار لحرف مسار جنيف 1 و2 وترويض المعارضة السورية على القبول بشراكة وطنية إلى جانب النظام السوري.
المفارقة المهمة هنا أن خطة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا التي طرحها الرجل قبل عدة أشهر لتجميد النزاع في حلب مبدئياً، لم تلاق استحسان المعارضة السورية ولم يتم تطبيق هذه المبادرة التي يفترض أنها غير محسوبة على القضايا بالغة الصعوبة.
القصد أنه إذا لم تترجم خطة دي مستورا على الأرض وهي مبادرة غير تعجيزية وهابطة السقف، فهل سينجح اجتماع موسكو؟ ربما قد يكون حال هذا الاجتماع قريباً إلى حال مبادرة دي مستورا، حيث يدرك المبعوث الدولي أن حلحلة الملف السوري تتطلب الصعود إلى السلم درجة درجة، وليس القفز درجات بالتوجه نحو إطلاق مسار سياسي من شأنه أن يفشل كما وضع أقرانه.
لعله عام أسود يضاف إلى تاريخ سورية البلد الذي يعاني ويئن تحت وطأة نزاع مدمر، وفاتورة خطيرة يدفع ثمنها الشعب السوري الذي لا حول له ولا قوة، والذي يعيش أوضاعاً مأساوية وغير إنسانية سواء داخل سورية أم خارجها في أصقاع الأرض.


